سعيد شعيب
هو الشيخ محمد الغزالي (22 سبتمبر 1917- 9 مارس 1996) أحد القادة التاريخيين لجماعة الإخوان المسلمين، ويعدّونه من كبار المجددين، لكنه في الحقيقة غير ذلك. فهو، على سبيل المثال، الذي أفتى بقتل المفكر المصري المسلم فرج فودة، وتبرع بالذهاب إلى المحكمة لكي يبرئ القتلة، مؤكدًا “أنهم قتلوا شخصًا أُبيح دمه، شخصًا مرتدًّا ومستحقًّا للقتل." وكل خطأ القتلة، في رأيه، هو أنهم فعلوا ذلك بانفسهم. فهذا هو دور الحاكم الذي تقاعس عن واجبه في قتل فودة." وأضاف: "ولا توجد عقوبة في الإسلام لمن يتجاوز الحاكم." ويعني هذا أنه يبرئهم من الجريمة، فقد قاموا بدور الحكومة المتقاعسة.
وكُتبُ هذا الشيخ القاتل موجودة في المكتبات العامة في كندا، مع كتب أخرى تحرض على الكراهية والعنف والإرهاب من تأليف آخرين مثل يوسف القرضاوي و"رياض الصالحين" للإمام النووي.
وفي نفس الوقت، لم أجد كتابًا واحدًا في المكتبات التي زرتها في العاصمة الكندية أوتاوا ينتقد الإرهاب والعنف والكراهية، رغم أنها متوفرة لمفكرين مسلمين وغير مسلمين.
فما معنى هذا؟
غالبًا ما يعني هذا أن هناك من يفضل اختيار هذه النوعية. ربما ما يؤكد ذلك هو رفض إحدى المكتبات العامة أن اهديهم كتابين من تأليفي، هما "زوال دولة الإخوان" الذي صدر في مصر يناير 2013 أثناء فترة حكم الإخوان، وهو يتضمن توضيحًا لخطورة المشروع السياسي والديني للإخوان على مصر والعالم. فهم يؤسسون لدولة دينية استبدادية، ومن بعدها استعادة مشروع الخلافة الإسلامي للسيطرة على العالم. وأما الكتاب الثاني فهو بعنوان "حوار الطظ، خطايا الإخوان المسلمين في حق مصر"، وقد صدر عام 2010، وفيه توثيق للحوار الذي أجريته مع مرشد الإخوان الأسبق محمد مهدي عاكف، والذي قال فيه العبارة الشهيرة بالعامية "طظ في مصر وأبو مصر وإللي في مصر"، وكشف فيه بصراحة عن أيديولوجية الإخوان الدينية والسياسية الخطرة. وقد تم تهديدي وتكفيري في أعقاب نشر هذا الحوار.
لم أحصل على إجابة من إدارة المكتبات إلا بعد شهور وبعد إلحاح شديد مني لمعرفة ماذا حدث. وكان الرد في النهاية بالرفض وكانت الحجة هي أنهما كتابان لا يتوافقان مع معايير المكتبات العامة في كندا!! فهل المعايير الكندية ترحب بكتب تدعم الإرهاب وكراهية الغرب ولا تسمح بكتب تنتقد الكراهية والإرهاب؟!!
من الصعب أن يكون هذا حدث بشكل عشوائي. هناك في الغالب إسلاميون ينجحون بشكل أو آخر في التسلل إلى اللجنة التي تختار الكتب، وفي الغالب يتبنون هذا الخطاب الإرهابي ويسعون إلى نشره.
هل الكتب قادرة على أن تصنع إرهابًا؟
والإجابة في الحالة الإسلامية هي : نعم، بكل تأكيد.
تغص المكتبات بكتب كثيرة تحرض على العنف، مثل كتاب "كفاحي" لهتلر أو بعض قادة الشيوعية، أو كتب تروج للفترة الإستعمارية للغرب، أو حتى كتب دينية غير إسلامية تحرض على الكراهية. لكنها جميعًا لا تنتقل إلى الواقع، لا تتحول إلى رصاص ودماء. والسبب في ذلك هو أن البشرية تجاوزتها، وقررت أنها ماضٍ قد انتهى، بل اعتذرت عن كثير من هذه الجرائم، مثلما حدث على سبيل المثال الاعتذار عن جرائم مثل الهولوكست ضد اليهود. حتى إن الحكومة الإسبانية اعتذرت عن "جرائم" طرد المسلمين من الأندلس إلى خارج اسبانيا، رغم انهم أحفاد الغزاة العرب.
والأمر مختلف في الحالة الإسلامية. فالماضي بأفكاره وتاريخه الدموي ما زال قائمًا وفاعلًا ومحركًا للواقع، وصانعًا له أحيانًا. فلم تتجاوز الثقافة الإسلامية السائدة هذا الإرث الثقيل. فلم ينتشر تفسير إنساني للنصوص التي تحرض على الكراهية والإرهاب. ولم يعتذر المسلمون عن الجرائم التي تم ارتكابها عندما اجتاحوا العالم وشكلوا إمبراطورية استعمارية. بل العكس هو الصحيح، فهناك فخر شديد بهذه الحقبة الإستعمارية، وهناك تمسك بالتفسيرات غير الإنسانية للنصوص وللأحاديث.
فعلى سبيل المثال، تطبق داعش حرفيًا ما هو موجود في النصوص والتاريخ الديني للمسلمين. تريد استعادة الوجه الإستعماري للإمبراطورية الإسلامية، وتطبق حرفيًا النصوص التي تحرض مباشرة على العنف من دون إعادة تأويل. وداعش هي ابنة الثقافة الإسلامية السنية التقليدية المنتشرة في العالم.
ومن شأن وجود هذه الكتب في المكتبات العامة الممولة من دافعي الضرائب أن يمنحها شرعية أنها بالفعل تمثل الإسلام، وأن دولة كندا تعترف بما تحتويه. ويعني هذا دعمًا رسميًّا للنسخة الإرهابية من الإسلام واستبعاد كل النسخ الإنسانية. ومن المؤسف أن الغرب بما فيه كندا، على ما يبدو، يطارد منتجات الإرهاب الدموية في كل مكان، لكنه لا يغلق مصانع الإرهاب في بلادهم. وليست مصانع الإرهاب هذه موجودة في المكتبات العامة فقط، لكن أيضًا في مكتبات كثيرة من المساجد وخطب كثيرة من الأئمة، وفي مناهج كثير من المدارس الإسلامية، وبطبيعة الحال، في كثير من المؤسسات التي يسيطر عليها الإسلاميون.
لماذا يدعم كتاب الغزالي الإرهاب؟
أفكار محمد الغزالي، مثلها مثل أفكار جماعة الإخوان المسلمين، عبارة عن درس في كيفية صناعة المسلم الإرهابي. ويرى الغزالي أن دار السلام هي جميع الأراضي التي يعمرها المؤمنون برسالة محمد (ص)، العاملون بكتابه وسنته، والمنفذون لشرائعه، والمنضمون تحت لوائه. والمقصود بدار الحرب جميع الأراضي التي يقطنها الكافرون بهذه الرسالة، المخاصمون لها، المعترضون على دعوتها(3).
ويقتبس من القرآن الكريم قوله: (فليقاتل في سبيل الله من يشترون الحياة الدنيا بالأخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب سوف نؤتيه أجرا عظيما) النساء ٧٤. أي أن من يقتل الكفار، سواء أانتصر أم لم ينتصر، سيحصل على أجر عظيم هو الجنة (4).ويعني هذا أن المسلم الكندي أو الغربي يعيش في أرض الأعداء وليس في وطنه، وعليه محاربة الكفار، أي المواطنيين الكنديين والغربيين عندما يستطيع ذلك.
كراهية الغرب وطبعًا كندا
يقول الغزالي: "إن الإستعمار العالمي (الغربي) لم ينس يومًا كراهيته العميقة للإسلام، ورغبته الهائلة في وأده (٩٨). بعد توهين الخلافة (يقصد الخلافة التركية العثمانية) وانتقاص أطرافها، وجهت إليها ضربة قاتلة في أعقاب الحرب العالمية الأولى طوت رايتها، وقضت على الوجود الرسمي للإسلام في الميدان الدولي. والخلافة بين المسلمين تمثل – كما قلنا- أبوة روحية وثقافية مهيبة، وترمز إلى ولاء المسلمين لدينهم، واستمساكهم بوحدتهم الكبرى وأُخوّتهم العامة." (5)
ويضيف: "القوانين الوضعية جلبها الإستعمار الغربي لاقتياد أمة مهزومة عسكريا وسياسيًّا، للتشويه المتعمد لوجه الأمة الإسلامية، أو مسخ حقيقي لكيانها الروحي والعقلي، والهدف هو الإتيان على الإسلام من القواعد."(6)
طبيعي أن يكره المسلم الكندي والغربي بلده الذي يعيش فيه، وينتمي إلى كيان آخر وهمي هو الخلافة، وواجبه الديني أن يسعى إلى بنائها على أنقاض الحضارة الغربية.
كتاب آخر:
"رياض الصالحين " تأليف الإمام النووي - هذا مثال لكتب التفسير الإسلامي التي تقترب من القداسة لدى المسلم، والتي تشكل نواة صلبة لنشر الفكر المتطرف والإرهاب. ففي قسم الجهاد، يضع النووي كل الآيات القرآنية التي تحرض على الجهاد من دون نقد أو مراجعة أو إعادة تفسير، منها :
“وقاتلوا المشركين كافة، واعلموا أن الله مع المتقين" التوبة : ٣١ " (7)
ومن أحاديث الرسول (ص) "إن ابواب الجنة تحت ظلال السيوف ...." رواه مسلم .
* قال رسول الله (ص) من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق" رواه مسلم. (8). ولا يعني الغزو الدفاع عن النفس، بل غزو بلاد أخرى واحتلالها.
الخلاصة: تحرض معظم الكتب العربية عن الإسلام في الغرب على التطرف. وإذا كان هناك من يرفض حظر هذه النوعية الخطرة من الكتب، فلا أظن أن هناك من يرفض وجود كتب عربية إسلامية ترفض العنف والكراهية والإرهاب لمفكرين ومجددين مسلمين.
3- كتاب "مائة سؤال في الإسلام" تأليف دكتور محمد الغزالي صفحة ص 349
4- نفس المصدر ص 75
5- نفس المصدر ص 91
6- نفس المصدر ص 221
7- رياض الصالحين للإمام النووي من ص 458 إلى ص469
8- كتاب "تاريخنا المفترى عليه" ص 223
سعيد شعيب باحث مصري مسلم مقيم في كندا