أحداث الإرهاب تكليف مباشر أو بإلهام من داعش هي الأثر الدموي لافول وموتالخلافة الإسلامية، التي تجر الآن إلى قبرها في ارجاء العراق وسوريا. كان يفترض بهدف الحرب ضد داعش ان يكون انقاذ المدنيين العالقين في المدن والمناطق التي تحت سيطرته.
هذا لم يحصل، لا معنى لتوقع الرحمة ممن يقاتل وظهره إلى الحائط ووجهه إلى السماء، وعليه فإن المسؤولية عن ادارة حرب مضبوطة ولجم الجيوش والمنظمات لصالح المدنيين العالقين ملقاة على زعماء الدول المشاركة. هذا ايضا لن يحصل. وفلاديمير بوتين هو مجرم حرب قديم منذ عهد الشيشان، ولا معنى للاعتماد على الصبر والتنور لدونالد ترامب. فالرجل محشور نحو حائط العار ويحتاج لكل غرام من النصر. بشار الأسد سبق أن اثبت بأن ليس لديه مشكلة في أن يقتل مواطنيه، وباقي قادة القوات والمنظمات المشاركة في القتال وجنودهم يريدون العودة إلى الديار سالمين. قذيفة إلى بيت ليس واضحا كم مدنيا فيه لن يخرب عليهم مزاجهم.
من الصعب على المرء ان يكون دقيقا في موضوع قتل المدنيين. ومتابعة التقرير من جملة وسائل الاعلام عن الاعمال والتقدم العسكري في سوريا والعراق تظهر صورة فظيعة جدا. يخيل أن الجيش الوحيد الذي يسير بانسجام ليس فقط كي ينقذ نفسه بل وايضا كي ينقذ مواطنيه، مدنييه هو الجيش العراقي. من ناحية من نهض في الصباح لاحتساء القهوة والاستماع إلى الاخبار واخراج الكلب في جولة، لا يوجد فرق إذا كان يسمع انه قتل في الموصل 100 الف او 200 الف. فهذا مجرد رقم.
يسمح للمراسلين بالوصول إلى مناطق القتال فقط في الاماكن التي يعرف فيها الضباط المرافقون لهم بأنه يمكن ان يبلغوا ببطولة عن تبادل لاطلاق النار او عن مجموعات من اللاجئين الفارين. اما الاعلام الحر فلن يصل ابدا إلى المكان الذي قصف فيه مبنى كان فيه مئات النساء والاطفال. ومنظمات الحقوق التي تتجول في المنطقة نجحت في العثور على مبنى قتل فيه قصف أمريكي نحو مئة شخص معظمهم نساء واطفال. رفعت شكوى. وزير الدفاع جيمي ماتس قال لـ «سي.بي.اس» ان «المدنيين القتلى هم جزء من الحياة في مثل هذه الاوضاع».
حين ينظر إلى «النصر» (لا يوجد اي نصر حقيقي في مكان قتل فيه مئات الالاف) بعين غير دقيقة، فإن المعركة على اقتسام الغنيمة تتواصل بكل شدتها. الدولة الاساس هي العراق. والطريق إلى ابقائها في المعسكر الأمريكي هو مواصلة تعزيز القوات على الارض هناك، السيطرة على البرلمان (إلى ان تقول الاغلبية الشيعية في العراق قولتها) وفي هذه الاثناء مواصلة المعارك الاخيرة في صالح مدينة اخرى، تلة اخرى، مفترق آخر، هذه المرة في مثلث الحدود في دير الزور بين سوريا، الاردن والعراق، وفي مثلث الحدود سوريا، الاردن وإسرائيل.
بطبيعة الاحوال، عندما يكون تحالف القوى يقاتل ضد عدو مشترك وينتصر، يكون وضع كل القوات المقاتلة فيه أنها تتعاون، والاقوياء بينهم كرماء لدرجة ان يسمحوا بأن يتذوق الاخرون ايضا طعم النصر. هذا لن يحصل في النصر على داعش. ربما لانه لا يوجد هنا منتصرون باستثناء الزعماء والسياسيين الذين يعودون المرة تلو الاخرى إلى الشاشات وكأنه ليس بسببهم كل هذه الحالات الرهيبة حين اداروا في ظل القتال ضد داعش الحروب فيما بينهم.
الهدف الحقيقي: حزب الله
يؤخذ أحيانا الانطباع بأن داعش الحالي هو مجرد الذريعة لحروب اقتسام الغنيمة بين روسيا والمحور الإيراني مقابل الولايات المتحدة والمحور السني. وكلما أغلقت القوات على عواصم الاقاليم في الرقة وفي الموصل، حيث تخلد صورة النصر، تتعاظم الحروب الداخلية لتصل إلى وضع يكون فيه ذيل قبيلة من جهة ما او اخرى كفيل بأن يجر الجيوش الكبرى إلى حروب أكبر.
تقتبس «غلوبل رسيرتش» وكالة الانباء الكردية «بس نيوز»، بأن الولايات المتحدة تبني في سوريا قاعدتين عشوائيتين، وتدخل بطاريات صواريخ ارض ـ ارض بعيدة المدى. والهدف المزعوم هو داعش. اما الروس فيدعون بأن الهدف هو جيش الاسد وهم من جهتهم يسلحونه ببطاريات حديثة مضادة للطائرات.
سوخوي سورية وطائرات بدون طيار من الطرفين سبق أن اسقطت، روسيا تهدد بإسقاط كل طائرة تحلق غربي الفرات، وجيش العراق في اسناد من طائرات أمريكية احتل معبر الحدود مع سوريا والأردن من ايدي داعش وجعله ارضا اقليمية سنية، وهذا الاسبوع اطلق الإيرانيون إلى دير الزور صاروخ ارض ـ ارض.
الاطلاق نفسه كان فاشلا، وكان الهدف الثأر من داعش على العمليات في طهران، ووجه اصبع التحذير نحو الأمريكيين، والمنطقة بأسرها تراكم زخم صدام. ولبنيامين نتنياهو ايضا يوجد ما يقوله: «في كل تسوية مستقبلية لإنهاء الحرب الاهلية في سوريا ستقام مناطق فصل على الحدود بين سوريا وإسرائيل في هضبة الجولان وكذا على الحدود بين سوريا والاردن، منعا لتثبيت إيران وحزب الله». إسرائيل على اي حال تؤيد منظمات الثوار ضد الاسد على أمل ان تتنازل هذه، إذا ما وعندما تبقى في المنطقة عن هضبة الجولان. وهذا خداع ذاتي او تبرير للتدهور إلى حرب هدفها تصفية التهديد الحقيقي على إسرائيل ـ مخزون الصواريخ لدى حزب الله.
نتنياهو: «ان تثبت إيران وحزب الله على الحدود بين سوريا وإسرائيل وكذا على الحدود بين سوريا والاردن من شأنه ان يضعضع الاستقرار في المنطقة ويشكل تهديدا امنيا سواء على إسرائيل أم على الاردن». واقامة مناطق فصل في الجانب السوري من الحدود حسب نتنياهو «ستمنع الإيرانيين وحزب الله من الوصول إلى خط الجدار وتجعل من الصعب عليهم المبادرة إلى الهجمات».
هذا هراء. هجمات على الاردن؟ على إسرائيل؟ لا توجد اي وثيقة استخبارية تسند أقوال نتنياهو، باستثناء تصريحات مرآة حماسية لتصريحات نتنياهو نفسه. الا إذا جلب احد ما بقايا كنيس وجدت في ملتقى الحدود، وعندها يكون للحكومة مبررا للسيطرة على المنطقة. وحتى لو كانت هناك نوايا «زحف» إيراني نحو مراكز نفوذ في الاردن مثل الزحف في حينه لصدام حسين، فإن وجود منطقة فصل لن تزيد ولن تنقص غير ذاك الوهم عن التنازل العربي عن الجولان. ثمة بالطبع ايضا العامل الكردي ـ الأمريكي من الشمال (إلى ان يعرض الروس والإيرانيون عليهم صفقة أو تهديدا اكبر)، وحسب المنشورات الاجنبية فإن إسرائيل تدس هناك ايضا يدا خفية كجزء من الاستراتيجية العامة للمحور السني. والنتيجة: الجهد الحالي في مثلثات مناطق الفصل يتجاوز الحرب ضد داعش إلى حروب محلية على رسم حدود سوريا العلوية، التي شئنا أم أبينا، انتصرت في صراع البقاء. ما يضمن استمرار سفك الدماء، الا إذا وقع في اثناء الصدامات الحالية اتفاق تقاسم بين ترامب وبوتين.
يقال ان نتنياهو لا يسارع إلى الحروب ولكنه كفيل بأن تغريه صلية استعراض على نمط ترامب كي يكسب بضع نقاط في المواجهة مع نفتالي بينيت. مثلما في الجرف الصامد، هنا ايضا، فإن صلية واحدة اكثر مما ينبغي كفيلة بأن تستدعي وراءها صليات كثيرة. وهذه مسؤولية هيئة الاركان في أن تمنع الحكومة من أن تجعل الصراع على مثلث الحدود مثلث برمودا.
ران أدلست
معاريف 23/6/2017