رصيف22
في مسعى لإعادة إحياء تنظيمهم، أكد مسؤولون أمنيون تسلل العديد من مقاتلي "داعش" مرة أخرى إلى العراق بعد هزيمتهم في سوريا في وقت سابق من العام الجاري، لتشكيل تنظيم منخفض المستوى، وشن هجمات في وسط العراق وشماله.
وفي تقرير نشرته أمس، في 21 تموز/يوليو، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن المحلل الأمني المختص في شؤون الجماعات المتطرفة بالعراق، هشام الهاشمي، أن قرابة ألف مقاتل داعشي عبروا الحدود إلى العراق خلال الأشهر الثمانية الماضية، معظمهم جاء بعد هزيمة داعش في آذار/مارس الماضي.
قنص وتفجيرات بدائية
وأوضح الهاشمي الذي يقدم المشورة للحكومة العراقية ووكالات الإغاثة الأجنبية، أن هؤلاء المقاتلين، ومعظمهم من العراقيين الذين انضموا إلى "داعش سوريا"، يعودون حالياً إلى ديارهم "للانضمام إلى الخلايا المسلحة التي كانت تختبئ في المناطق الريفية الوعرة، مدعومة بمعرفة دقيقة بتضاريس المنطقة، بما فيها الأنفاق الخفية وغيرها من أماكن الاختباء".
وبحسب الصحيفة، يتحرك هؤلاء المسلحون خلال الليل لتنفيذ هجمات قنص وتفجيرات بدائية على الطرق مرات عدة في الأسبوع، ملمحةً إلى أن هجماتهم "التي تحدث خارج المدن الكبرى، غالباً ما تكون انتهازية وتستهدف في المقام الأول قادة المجتمع وقوات الأمن المشاركة في جهود القضاء على الجماعات المتطرفة".
ومن هذه الهجمات، الانفجار الذي وقع في وقت سابق من شهر تموز/يوليو الجاري في محافظة كركوك الشمالية وأسفر عن مقتل اثنين من راكبي الدراجات النارية. كذلك استهدف هجوم آخر منفصل، وقع في محافظة ديالى الشرقية، رجال الميليشيات المكلفين مطاردة المسلحين.
استهداف "المختارين" لإرهاب المواطنين
وسلطت "واشنطن بوست" الضوء على حرص داعش على نشر مقاطع فيديو عدة تبرز اغتيال المقاتلين شبه العسكريين والشخصيات المحلية المتعاونة في كشف الأشخاص المرتبطين بالجماعات المتطرفة مثل "المختارين"، وذلك بغرض ترهيب المواطنين وثنيهم عن التعاون مع قوات الأمن.
و"المختار" في العراق هو معرف اجتماعي ودليل أمني يرتبط بالحكومات المحلية، وينظم عمله بموجب القانون الرقم 13 لسنة 2011.
وظهر أحد المُختَطَفين في مقطع فيديو نشر في وقت سابق من العام الجاري، وهو يقول "أحذّر جميع المختارين من أن التنظيم يمكن أن يصل إليهم"، مخاطباً الأشخاص المتعاونين مثله مع القوات الحكومية.
خلال الشهر الجاري، أعلن الأمن العراقي بدء حملة عسكرية جديدة لتطهير الصحراء، على طول حدود البلاد البالغة 370 ميلاً مع سوريا، ليكشفوا، في غضون أيام، عن العثور على مصانع لصنع القنابل، مشيرين إلى مقتل عدد من المتشددين.
على الأرض
واستخلصت الصحيفة الأمريكية مما سبق أن تحدي اقتلاع مقاتلي داعش يبدو أكثر صعوبة في الواقع، مستدلةً على ذلك بقول أحد أبرز القادة الأمنيين المشاركين في الحملة ضد داعش، العقيد سعد محمد، "انظر إلى حيث يختبئون، إنها صحارى وكهوف".
أضاف العقيد مشيراً إلى الصحراء الشاسعة في محافظة الأنبار الغربية: "إنها أماكن لا يمكن أحداً أن يسيطر عليها سيطرة كاملة. كم وحدة نحتاج لتأمين كل شبر؟ كثير جداً. لا أحد لديه هذه القدرة".
وأعلنت الحكومة العراقية هزيمة داعش في أواخر عام 2017. في حين حاصرت القوات الكردية، المدعومة من الولايات المتحدة، عشرات الآلاف من أتباع التنظيم في قرية الباغوز السورية في آذار/مارس الماضي. واختبأ الكثير من هؤلاء المقاتلين في أنفاق سرية، بعد معركة استمرت أسابيع في آخر منطقة يسيطر عليها التنظيم. وبينما يبدو المشهد العام هادئاً بالقرب من نهر الفرات حالياً، يستمر تسلل المسلحين الإسلاميين الهاربين عبر الحدود إلى العراق، متنكرين عادةً بهيئة رعاة، لذا يتعذر اكتشافهم في بعض الأحيان، وفق مسؤولين أمنيين.
وأكد خبراء أمنيون أن هنالك مسلحين يتسللون سيراً، لكن الأكثر شيوعاً هو الانتقال بالسيارات عبر الصحراء حيث يتم اكتشافها أحياناً بواسطة طائرات استطلاع تابعة للقوات الجوية العراقية أو لقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة هناك، قبل استهدافهم بضربات جوية.
المواجهة تفاقم الأزمة
لكن الموقف لا ينتهي عند هذا الحد، فعندما يُحاصر مقاتلو داعش، يواجهون بضراوة. قال قائد عسكري عراقي، رفض ذكر اسمه، إنهم "يستميتون في القتال دفاعاً عن حياتهم".
وفي معرض حديثه عن الغارة الأخيرة على مخبأ لداعش بالقرب من بلدة الرطبة الغربية (في الأنباء)، أوضح مسؤول عسكري كبير آخر، اشترط عدم الكشف عن هويته، أن المروحية التي تنقل جنوده استهدفت بقذائف صاروخية حتى قبل أن تصل إلى الأرض، مشيراً إلى أن "هذه معارك صعبة. إنهم لا يستسلمون".
وما خطورة العودة؟
بشكل عام، تتمركز خلايا داعش العائدة في المناطق الريفية البعيدة، بحسب وزارة الدفاع العراقية والمحللين المتخصصين في شؤون هذه التنظيمات.
وهناك أدلة قليلة بشأن قدرة هؤلاء المتسللين في السيطرة مرة أخرى على مساحات كبيرة من الأراضي أو كسب دعم كبير.
لكن الخبراء يحذرون من أن "التنظيم المنخفض المستوى يمكن أن يرهب المجتمعات المحلية ويضطرها إلى غض الطرف عن نشاط المسلحين الذين يتأهبون لخوض معركة طويلة الأجل".
من جهته، أوضح الخبير في "مجموعة الأزمات الدولية"، سام هيلر، للصحيفة أن "الأمر لا يحتاج بالضرورة كسب الناس لإقناعهم بالتعاون مع التنظيم".
أضاف هيلر: "خلال عامي 2013 و2014، لم تكن واضحة للكثير من العراقيين حقيقة داعش البشعة. لكن الآن الأمر مختلف تماماً، بعدما طردت مجتمعات عدة كل شخص على صلة بأعضاء التنظيم".
ورأت الصحيفة أن داعش صوّر نفسه في البداية على أنه جماعة تدافع عن الأقلية السنية ضد قمع سلطات العراق الذي يهيمن عليه الشيعة. غير أن وحشية هذا التنظيم جعلت الكثيرين يستفيقون على حقيقته، وبات أي منتمٍ إليه يوصم بالعار.
كذلك شجعت وحشية التنظيم المواطنين على تبادل المعلومات بشأن أفراده مع أجهزة الأمن العراقية. ومنع هؤلاء أيضاً أقرباء المقاتلين من العودة إلى قراهم في كثير من الأحيان.
وفي هذا السياق، قال أحد شيوخ المجتمع المدني في الأنبار، أحمد السند: "أهالي الأنبار أكثر حرصاً، حتى من الحكومة، على عدم العودة إلى الحياة تحت حكم داعش".