صليب السلام في ولاية ميريلاند الأمريكية يثير جدلا بشأن الفصل بين الكنيسة والدولة - مقالات
أحدث المقالات

صليب السلام في ولاية ميريلاند الأمريكية يثير جدلا بشأن الفصل بين الكنيسة والدولة

صليب السلام في ولاية ميريلاند الأمريكية يثير جدلا بشأن الفصل بين الكنيسة والدولة

جيمس جيفري - العاصمة واشنطن

 

تدخلت المحكمة العليا الأمريكية لحل نزاع حول موقع صليب يبلغ ارتفاعه 12 مترا في تقاطع طرق بولاية ميريلاند، بعد أن تسبب في إثارة جدل كبير حول الرموز الدينية في الحياة العامة.

ربما لم تسمع الكثير عن النزاع حول صليب السلام Peace Cross، وهو صليب مصنوع من الغرانيت طوله 12 مترا (40 قدما)، أقيم في منتصف تقاطع طريق مزدحم في ولاية ميريلاند.

ولأن الموقف معقد وربما يحتاج إلى مساعدة محام وعالم دين (لاهوت) لفهم التداعيات المحتملة للنزاع حول الصليب، الذي يعد نصبا تذكاريا يعود للحرب العالمية الأولى وعمره 96 عاما، فقد وصل هذا النزاع الآن إلى المحكمة العليا.

ويرغب ثلاثة من سكان ميريلاند وجمعية الإنسانية الأمريكية، وهي منظمة أهلية غير هادفة للربح تتبنى الأفكار العلمانية، في إبعاد النصب التذكاري من الأرض العامة.

وحجتهم في هذا الطلب هو أن وجود الصليب يتعارض مع مبدأ )الفصل بين الكنيسة والدولة) المنصوص عليه في التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة، ما يسمى بند التأسيس.

وينص التعديل الأول من الدستور الأمريكي "لا يُصدر الكونغرس أي قانون خاص تتبناه الدولة ينتهج دينا من الأديان أو يمنع حرية ممارسته".

يسيطر صليب السلام على المشهد تماما ويكون في استقبال كل من يقترب من بلدة بلادنسبرغ في ميريلاند.

يقول روي سبيكهاردت، الرئيس التنفيذي لجمعية الإنسانية الأمريكية: "يبدو الأمر وكأنك تدخل مدينة مسيحية تماما".

ويضيف :"إنه (الصليب) ضخم للغاية بحيث يمكن رؤيته من مسافة نصف ميل. ويتسبب فقط في شعور غريب، القاعدة مغطاة بالشجيرات، لذلك يجب أن تكون جريئا بما يكفي لإلقاء نظرة فاحصة وأنت تعبر الطريق السريع، لتدرك أخيرا أنه نصب تذكاري للحرب."

ولكن هناك أكثر أهمية من الصليب نفسه. فبعد سماع الحجج في القضية، يمكن أن يؤثر قرار المحكمة العليا المقرر في يونيو/تموز المقبل، على جميع التفسيرات القضائية المستقبلية لمبدأ التأسيس.

تزداد المخاطر بسبب مخاوف البعض من أن إدارة الرئيس دونالد ترامب، تأخذ البلاد في اتجاه ديني أكثر تشددا.

إدارة الرئيس دونالد ترامب، تأخذ البلاد في اتجاه ديني أكثر تشددا على نحو متزايد

فقد أعلن الرئيس ترامب، في اليوم الوطني للصلاة 2 مايو/آيار، عن قاعدة جديدة تسمح للعاملين في مجال الرعاية الصحية برفض أداء الخدمات التي تتعارض مع معتقداتهم الدينية، وقد أشاد البعض بهذه الخطوة، بينما أدانها آخرون.

"هذه هي أخطر محاولة لإدارة ترامب حتى الآن لتحويل الحرية الدينية إلى سلاح"، كما تقول راشيل ليزر، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمؤسسة أمريكيون متحدون لفصل الكنيسة عن الدولة.

نتيجة لذلك، تحول صليب السلام من مجرد مصدر نزاع حول حركة المرور على مسافة 30 دقيقة فقط بالسيارة من واشنطن، إلى مصدر توترات متزايدة حول مبدأ الحرية الدينية بالنسبة للحركات العلمانية التقدمية التي على خلاف متزايد مع الدين التقليدي.

خلال العقود القليلة الماضية، هيمن ما يسمى (اختبار ليمون)، نسبة إلى الناشط ألتون ليمون، على التفسير القانوني أو الفقه القانوني الخاص بالنص الدستوري (مبدأ التأسيس)، وجاء هذا المسمى من قضية سابقة في المحكمة العليا،حددت الاتجاه العام للحكم على الإجراءات الحكومية ووصفها بأنها غير دستورية إذا كانت تفتقر إلى غرض علماني وكان لها تأثير أساسي في دعم الدين أو تؤدي للتدخل المفرط للحكومة في ممارسة الشعائر الدينية.

لا يوجد تأييد كبير لاختبار ليمون، خاصة في المحكمة العليا، حيث تم وصفه بأنه "مخز" وكذلك "غير متماسك" و"فوضوي".

وعلق رئيس المحكمة العليا الراحل أنتونين سكاليا، على اختبار ليمون بأنه يشبه "الوحش في فيلم الرعب في وقت متأخر من الليل الذي يخرج من قبره دائما بعد قتله ودفنه".

يقول لوك غودريتش، نائب رئيس وكبير مستشاري صندوق بيكيت للحرية الدينية، وهي مؤسسة تهتم بممارسة القانون العام وتساعد في القضية، "إن أربعة قضاة آخرين على الأقل، ربما يمثلون أغلبية حاسمة في قرار لجنة القضاة وتضم تسعة منهم، أشاروا إلى أن الوقت قد حان لتغيير الفقه القانوني الحالي بطريقة مهمة".

والعقبة الوحيدة هي: لا أحد من القضاة يوافق على البديل المطروح.

ويوضح روي سبيكهاردت، "لقد حضرت حوالي عشر مرافعات شفهية في هذه الأنواع من قضايا المحكمة العليا، ولم أر القضاة مترددين مثلما هو الحال هنا".

من السهل التعاطف مع مأزق القضاة، لأن المشهد الديني المتغير في الولايات المتحدة يجعلهم عالقين بين المطرقة والسندان.

يقول غودريتش: "تُظهر الأبحاث أن القليل من الناس يكشفون عن انتمائهم الديني وعدد أقل يحضر قداسا، لذا فمن المؤكد أن هناك مستوى مستمرا من انتشار الفكر العلماني".

"لكن في الوقت نفسه، هناك تنوعا دينيا متزايدا، حيث يرتبط عدد أكبر من الأشخاص بأقليات دينية مثل الهندوسية والبوذية والسيخ، وكل ذلك يعقد مهمة حماية الحريات الدينية في ظل وجود فرصة أكبر للصراع".

على مر السنين، غالبا ما انتهت النزاعات حول الحرية الدينية إلى المحاكم . في ولاية تينيسي، مُنعت جماعة إسلامية من الحصول على تصريح لبناء مسجد في مدينة مورفريسبورو، الواقعة في الحزام الإنجيلي وتُشكل فيه البروتستانتية المحافظة جزءا رئيسيا من الثقافة. وتمت تسوية القضية في عام 2014 في محكمة المقاطعة الفيدرالية لصالح بناء المسجد.

ومن أبرز القضايا الدينية أيضا ما قام به خباز في كولورادو، حين رفض تجهيز كعكة زفاف لزوجين مثليين لأنهما يخالفان مبادئه المسيحية، عام 2017، وقضت المحكمة العليا لصالح الخباز. وبعد ذلك واجه الخباز دعوى قضائية أخرى لرفضه تجهيز كعكة لشخص أراد الاحتفال بالذكرى السنوية لتغيير جنسه.

ومؤخرا قرر اتحاد الحريات المدنية الأمريكي (ACLU) مقاضاة ولاية ميشيغان لاتفاقها في عملية تبني الأطفال مع مجموعات دينية لا توافق على وضع الأطفال في منازل الأزواج المثليين من نفس الجنس أو من هم غير متزوجين. ووافقت الولاية، الأسبوع الماضي، على تسوية القضية مع اتحاد الحريات المدنية.

يقول غودريتش "هناك بعدان لكل هذا بُعد قانوني والآخر ثقافي اجتماعي". "من الناحية الاجتماعية الثقافية هناك عداء متزايد تجاه المعتقدات التقليدية، والحريات الدينية تصبح أكثر هشاشة. لكن من الناحية القانونية، حتى الآن تميل المحاكم إلى اتخاذ قرار لصالح الحريات الدينية".

أعضاء المحكمة العليا الأمريكية منقسمون حول البديل الجيد لتفسير جديد لمبدأ التأسيسي والفصل بين الدين والدولة

وأشار إلى أن شركته القانونية فازت بحوالي 90 في المائة من القضايا في المحكمة العليا على مدار السنوات السبع الماضية. "نتوقع مواصلة الانتصارات، ولكن هناك بالتأكيد جوانب في البُعد الاجتماعي والثقافي التي تجعل هذه الانتصارات أكثر هشاشة."

لكن هذه الانتصارات لا تطمئن جمعية الإنسانية الأمريكية وغيرها الكثير، ويتفاقم الإحباط بسبب المخاوف من أجندة إدارة ترامب.

يقول فريد إيدوردس، أحد المشتكين في دعوى إزالة صليب السلام: "كانت الأمور تسير بشكل جيد في الفصل بين الكنيسة والدولة وتحظى باحترام أفضل، ثم فجأة، وفي لحظة وجدنا أنفسنا في الوضع الحالي (كنتيجة لانتخابات 2016) ".

وأضاف: "أحد الأسباب التي دفعت الإنجيليين إلى انتخاب ترامب، على الرغم من الخلافات حول أسلوب حياته الشخصية، كانت لأنهم كانوا يأملون في أن يدعم القضاة المحافظين. لذلك صوتوا رغما عنهم".

يقول رود دريهر، مؤلف كتاب (خيار بينيديكت: استراتيجية للمسيحيين في أمة ما بعد المسيحية)، إن "هذا لم يكن نفاقا كما يبدو".

ويوضح دريهر: "إنهم (الإنجيليون) يعلمون أنه في السنوات القادمة، حين تصبح البلاد أقل تمسكا بالمسيحية بشكل متزايد، فإن القضاة المتعاطفين (معهم) سيوفرون الحماية الوحيدة المتاحة للمؤمنين المعادين للثقافة ".

تعود التوترات حول مبدأ التأسيس إلى نشأة الولايات المتحدة عندما وصل إليها أنصار مذهب بروتستانتي سعيا وراء التحرر الديني من الاضطهاد في إنجلترا.

تعود التوترات حول مبدأ التأسيس إلى نشأة أمريكا، عندما جاء الحجاج والبورتانيون هربا من الاضطهاد في إنجلترا

يقول دوغلاس لايكوك، أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة فرجينيا: "في المملكة المتحدة لديك كنيسة راسخة تتسامح مع الآخرين".

ويضيف "هذا نهج واحد للعلاقات بين الكنيسة والدولة، وليس خطأً واضحا. لكنه كان مرفوضا في التأسيس الأمريكي".

ومع ذلك، "كان هناك دائما أمريكيون أرادوا شيئا يشبه النظام البريطاني، بدعم حكومي للمسيحية، أو للكنيسة الانجيلية والتسامح مع الآخرين".

لكن المشكلة كما يقول إنه "كما كان متوقعا أثناء التأسيس، فإن بعض هؤلاء الأشخاص لا يريدون حقا التسامح مع الآخرين".

ظهر هذا في القرنين في القرنين 19 و20 في مبررات ساقوها حول وجوب تقييد الكاثوليك قانونيا، ويمكن رؤيته الآن أيضا في المبررات حول سبب وجوب تقييد المسلمين.

يقول لايكوك: "فعلت الحكومات الأمريكية الكثير من هذه الأمور، قبل أن تبدأ المحكمة العليا في تنفيذ بند التأسيس بجدية بحيث لا يمكن التراجع عنه".

ويستشهد بعدم اتخاذ الحكومة إجراءات لاستبدال الأسماء الدينية لبعض الأماكن، مثل جسد المسيح في تكساس، فضلا عن اسم القديس فرانسيسكو أو سان فرانسيسكو، وجميع أسماء القديسين الأخرى.

ويضيف: "هذا بالإضافة إلى وجود جملة نحن نثق في الرب على العملة ولم يتم إزالتها حتى الآن".

وكما يرى فهناك حاجة إلى استثناء أمور صغيرة جدا لا تتطلب اتخاذ إجراء قضائي، في حين أن هناك أشياء مرتبطة بالدين متجذرة في التاريخ ومحمية فقط لمرور الزمن عليها.

أما بالنسبة لموقف صليب السلام في ميريلاند، فهو يرى أنه قضية لا يجب التغافل عنها.

ويقول "عدم وجود شكوى لا يعني أن الصليب لم يضر. معظم الناس ليس لديهم مشكلة معه، لكن الأقلية كانت دائما منزعجة للغاية من ذلك ".

ويضيف: "إنهم يعانون في صمت، ربما لأن التقاضي أمر باهظ الثمن، وهناك سبب أخر وهو أن المشتكين ربما يتعرضون لتهديدات بالقتل وما هو أسوأ من جيرانهم المسيحيين المتدينين".

لكن في نفس الوقت، يرى دريهر أن الكثير من المسيحيين يشعرون أنهم أقلية مضطهدة.

ويقول: "المعركة ليست فقط بين الكنائس والدولة". "ونظرا لأن وسائل الإعلام تعاني من الجهل التام فيما يتعلق بالمسائل الدينية، فإنها ستصور هذه الصراعات على أنها مجرد أغلبية مستنيرة ضد أقلية متعصبة".

يبدو أن كلا الجانبين في قضية صليب السلام في ميريلاند، قد ابتعدا عن سماع الحجج بشكل إيجابي.

ولكن يبدو أننا بحاجة إلى معجزة للخروج بقرار يرضي الأطراف المتنازعة حول وجود الصليب.

بي بي سي

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث