تجمع حشد من جنسيات مختلفة، أغلبهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، أمام مدخل كاتدرائية القديس بطرس في الرباط، يتهافتون بحماسة للحصول على تذاكر لحضور زيارة البابا فرنسيس الى المغرب السبت والأحد.
ويقول المهاجر من الكونغو برازافيل إيرنولد كومبا (27 عامًا) "نحن محظوظون! البابا يحل بإفريقيا ويجمع حوله جاليات من مختلف الآفاق في بلد مسلم. إنه لأمر رائع".
ويزور البابا المغرب بدعوة من الملك محمد السادس الذي يحمل أيضًا صفة "أمير المؤمنين"، وتندرج هذه الزيارة في إطار "تطوير الحوار بين الأديان" بحسب وثيقة للصحافة عممتها السلطات المغربية.
يغلب المهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء على الحاضرين خلال قداس أول يوم أحد في زمن الصوم عند الكاثوليك، بينما يظهر وسطهم بعض الأوروبيين من السياح أو "المهاجرين القدامى" كما يصفهم الأب دانيال المسؤول عن أبرشية الرباط منذ 13 سنة.
ويستقبل المغرب منذ التسعينات شبابًا من إفريقيا جنوب الصحراء جاؤوا لمتابعة الدراسة مستفيدين من منح جامعية. وأضيف إليهم لاحقًا مهاجرون يأملون العبور إلى أوروبا في قوارب الهجرة غير النظامية التي تربط سواحل المملكة الشمالية بجنوب اسبانيا، أو برًا عبر جيبي سبتة ومليلية الاسبانيين شمال المغرب.
ويرى الأب دانيال أن المهاجرين من جنوب الصحراء "يعطون نفسًا جديدًا للكنيسة"، ويضيف متحمسًا "لم يسبق أن رأيت كنسية شابة بمعدل سن بين 30-35 سنة". وساهم هؤلاء في إنقاذ الكنائس الموجودة في المغرب من الإهمال. وتراجع عددها، منذ استقلال المغرب عن الحماية الفرنسية الاسبانية، من 200 إلى 44 حاليًا. وبرحيل الأوروبيين الذين كانوا يعيشون في المملكة آنذاك تراجع عدد المسيحيين عشر مرات، ويتراوح حاليا ما بين 30 ألفًا إلى 35 ألفًا.
"من كل الشعوب"
يوجد من ضمن الحاضرين القداس 42 مرشحًا للتعميد وفق تقاليد الكنيسة الكاثوليكية ينادى على أسمائهم واحدًا تلو الآخر. ويتحدرون جميعًا من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء "جوليان من ساحل العاج، جازون من غينيا بيساو، إيفيت من الغابون، جان بيار من غينيا كوناكري"...
ويشير أسقف الرباط المونسنيور لوبيز روميرو مخاطبًا الحاضرين بلكنة تطغى عليها الاسبانية إلى هذا التنوع "قدمتم من كل الشعوب ومن كل البلدان". وتعلو ترانيم على إيقاع موسيقى إفريقية، قبل تلاوة تراتيل باللغة البرتغالية ثم الصلاة بالعربية. وتعلق السائحة القادمة من باريس فلورانس (37 سنة) "إنه لأمر مثير للإعجاب رؤية كنيسة مفعمة بالحيوية".
وينصت المؤمنون بإمعان للتراتيل التي تذكر إحداها "المأساة، الحزن والظلم" الذي تعرضت له شعوب الرحل المطرودة من مصر. ويعاني كثير منهم قساوة الاغتراب في حياتهم اليومية، ويلجأون إلى الكنيسة بحثًا عن روابط "الأخوة" كما يسميها المهاجر القادم من ساحل العاج جان باتيست. وتستطرد مواطنته الطالبة ليزي (20 سنة) التي تستعد بحماس للمعمودية، "لم أكن مؤمنة كثيرًا" قبل أن أغادر أبيدجان، لكن "كل شيء تغير" بالنسبة إليها عندما حلت بالمغرب لمتابعة دراستها في الحقوق.
"فرصة فريدة"
تقول سيرفين (24 سنة) إن "بعض المسلمين يعتقدون أننا لا نعبد نفس الرب وأننا سنذهب إلى الجحيم، لكنني آمل أن تكون زيارة البابا فرصة للجمع بين كل الطوائف والأديان". وتشارك هذه الطالبة الكونغولية في الترنيم منتظرة قدوم البابا "على أحر من الجمر". بينما يشعر إيرنولد كومبا المكلف بالتدريب على الإنشاد أن "الضغط يرتفع" باقتراب موعد الزيارة.
ويرى أسقف الرباط في هذه الزيارة "فرصة فريدة لنرفع من قيمة ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا". ويمثل "استقبال البابا دليلاً على الانفتاح بالنسبة لبلد مسلم" في رأي السائح الفرنسي كزافيي (45 سنة)، الذي يعتنق البوذية ويحضر هذا القداس مرافقًا صديقته.
ويوافق محمد على "وجود شيء من الحرية في المغرب مقارنة ببلدان عربية أخرى". وقد اعتنق هذا السبعيني المسيحية بعد أن أقنعته خطب "الأخ رشيد"، وهو مغربي ينشط برامج تبشيرية على قناة فضائية متخصصة تبث من مصر.
ويوضح أن العيش كمسيحي في المغرب "ليس دائمًا سهلا" لكنه يؤكد مفتخرًا أنه "لا يتخفى". في حين يفضل المشرفون على أبرشية الرباط "ألا يظهر المسيحيون المغاربة في مقدمة المشهد، نظرًا لحساسية الموضوع". وينص الدستور المغربي على أن "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية".
ويتمتع المسيحيون الأجانب المرتبطون بكنائس "رسمية" بحرية تامة في ممارسة شعائرهم تحت حماية السلطات. أما المغاربة الذين يعتنقون المسيحية فيضطرون إلى التخفي. وهم معرضون للملاحقة إذا جاهروا باعتناق دين آخر غير الإسلام، بموجب قانون يجرم التبشير وتصل عقوبته إلى الحبس ثلاث سنوات.
وكالة الأنباء الفرنسية