حين يتساءل الدواعش بأي ذنب يقصفون! - مقالات
أحدث المقالات

حين يتساءل الدواعش بأي ذنب يقصفون!

حين يتساءل الدواعش بأي ذنب يقصفون!

منصور الحاج:

 

في الحادي عشر من شهر آذار/مارس الجاري، نشر تنظيم "الدولة الإسلامية"، المعروف بـ"داعش"، إصدارا مرئيا حمل عنوان "معاني الثبات من الباغوز" تساءل فيه أربعة دواعش عن الجرم الذي اقترفوه ليستحقوا القصف من قبل قوات التحالف الدولي في آخر معاقلهم في قرية الباغوز السورية. وبالطبع، لم يكن تساؤل الإرهابيين عفويا ولم يكن القصد منه الحصول على إجابات منطقية بقدر ما كان محاولة يائسة منهم للظهور في صورة الضحايا والأبرياء والادعاء بأن الأمم قد "تكالبت عليهم" لا لشيء سوى لمنعهم من تطبيق الشريعة الإسلامية.

وبالنظر إلى الخطاب الإعلامي لداعش منذ إعلان ما يسمى بـ"الخلافة الإسلامية" يلاحظ أن التنظيم يمر بأسوأ مراحله فبعد أن كان قادته يتغنون في إصداراتهم بأن خلافتهم "باقية وتتمدد" ويتباهون بتزايد أعداد ولاياتهم الوهمية في الأمصار ويدعون المسلمين من مختلف بقاع الأرض إلى الهجرة من "ديار الكفر" إلى "دار الإسلام" ويحرضون من حالت دونهم السبل على تنفيذ عمليات إرهابية تفجيرا ودهسا وباستخدام الأسلحة النارية والسموم والسكاكين، وبينما كانوا يعدون العدة ويمنون أنفسهم بالانتصار على "جيوش الكفر" في "دابق،" يصدر التنظيم تسجيلا بائسا لا يحمل أي تهديد (على غير العادة) يعلن فيه مقاتلوه بأنهم في انتظار "إحدى الحسنيين" وهم في قرارة أنفسهم يعلمون أنهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الموت أو الاعتقال.

وبافتراض أن أولئك الدواعش جهلة وأغبياء ومغسولو الأدمغة ويؤمنون فعلا بأن قوات التحالف تقصفهم بسبب إيمانهم بالشريعة الإسلامية ورغبتهم في العيش في كنف الخلافة، فلا غضاضة في تبيان الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها التنظيم ودفعت المجتمع الدولي للتصدي له ووضع حد لإرهابه.

هل نسيتم، يا أيها الدواعش، مئات التفجيرات المدمرة والهجمات الانتحارية وعمليات الإعدام الجماعية والخطف والنهب التي ارتكبها تنظيمكم وراح ضحيتها آلاف الأبرياء وتشرد أمثالهم قبل وبعد إعلان خلافتكم؟ وهل سألتم أنفسكم عن الجرم الذي ارتكبه مسيحيو الموصل والأقباط في مصر وخارجها حتى يقتلوا وتهدم كنائسهم؟ وهل فكرتم مرة في الذنب الذي اقترفه أتباع الطائفة الأيزيدية حتى يشردوا ويتم استغلال نسائهم جنسيا وتحويل أبنائهم إلى قتلة وإرهابيين؟ تتساءلون بأي ذنب تقصفون ونسيتم تحريض قادتكم لـ"أنصار الخلافة" حول العالم على استهداف الأبرياء وتفجير المنشآت وترويع الآمنين!

إن كانت شريعتكم تبرر لكم فعل كل ذلك، فشريعة المجتمع الدولي توجب عليه مواجهتكم واستئصال شأفتكم وقطع دابركم لكونكم متطرفين ومؤدلجين تؤمنون بأنكم تنفذون رغبة ربكم وترتكبون أفظع الجرائم باسمه وتتلذذون بقتل كل من يخالفكم بدم بارد وتصوير ذلك ونشره وكأن في قتل البشر بطريقة وحشية ما يدعوا للفخر والاعتزاز.

يا أيها الدواعش، لقد خذلكم من أقنعكم أن تستحلوا دماء الناس وأعراضهم وأموالهم فها أنتم تشربون من ذات الكأس التي سقيتهم بها من عاديتم، وها أنتم تهجرون وتقصفون وتحاصرون ولن ينفعكم دعاؤكم ولا صلواتكم ولا استجداءاتكم فقد أزفت آزفتكم وأفلت شمس خلافتكم المزعومة.

يا أيها الدواعش، عليكم مراجعة أنفسكم وإعادة النظر في عقيدتكم وفتاوى مشائخكم وتعليمات أمرائكم والتخلي عن أوهام قدرتكم على أعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإقامة خلافة وتطبيق شرائع وعقوبات عفى عليها الزمن ولم تعد صالحة لهذا العصر.

يا أيها الدواعش، عليكم تجاوز خزعبلات اعتقادكم بأنكم "الطائفة المنصورة" و"الفرقة الناجية" فنحن في القرن الحادي والعشرين ونعيش في عصر حقوق الإنسان والتكنولوجيا والبحث العلمي والبناء والتعمير والتقارب والتواصل والتآلف والتكامل من أجل مستقبل أفضل للجنس البشري.

لا تظنون أنكم الوحيدون الذين يقف المجتمع الدولي ضد مغامراتهم الهمجية وطموحاتهم العشوائية، فالعالم يتصدى أيضا لإيران ويعارض رغبتها في امتلاك القنبلة النووية بسبب سياساتها العدائية وانتهاكها لحقوق الإنسان ودعمها للجماعات المتطرفة ورفعها شعارات تحرض على العنف وتعزز الكراهية. كما يقف النظام الدولي أيضا ضد النظام في كوريا الشمالية ويسعى إلى تجريده من قدراته النووية بسبب سياساته تجاه الشعب الكوري وتهديداته المتكررة لدول العالم.

يا أيها الدواعش، لقد خذلكم من أقنعكم أن تستحلوا دماء الناس وأعراضهم وأموالهم

انتهزوا فرصة زوال "خلافتكم" لمراجعة أنفسكم والتفكير في الخلل الواضح في عقيدتكم والعمل على تحرير عقولكم بالقراءة خارج كتب التراث ومؤلفات ابن تيمية وعبد الوهاب ومحاولة تنقية قلوبكم من الغل والحقد والكراهية من خلال الاطلاع على كتب علم النفس والاجتماع والتعرف على تجارب الشعوب التي نهضت وتطورت بعد عقود من الحروب والصراعات وتعلمت أن حل النزاعات لا يتم إلا عبر الحوار وأن الخيارات الصفرية لن تقود إلا للدمار ولن تجلب سوى الويلات للشعوب والمجتمعات.

لقد آن الأوان أن يضع المسلمون عموما والجماعات الجهادية على وجه التحديد حدا لصراعاتهم الأزلية مع الآخر والعمل على التوصل لتسوية أبدية للتعايش المشترك بالحوار والتقارب والتفاهم فالعاقل من اتعظ بغيره والحمقى فقط هم من يصرون على السير في نفس الطريق ويتوقعون الوصول إلى وجهة مختلفة. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث