إبراهيم درويش:
الشك والكراهية للعالم الإسلامي التي أشعلتها هجمات 9/11 لم تخفت مع مرور الوقت، بل على العكس أصبحت “الإسلاموفوبيا” كما تعرف عادة، جزءا رئيسيا من السياسات في معظم مراكز السلطة الكبرى في العالم
في مقال تحت عنوان “إسلاموفوبيا والصدام الجديد للحضارات”، كتب جدعون رخمان في صحيفة “فايننشال تايمز” مقالا يقول فيه إنه مضى عشرون عاما على هجمات إيلول (سبتمبر) عام 2001 التي نفذها انتحاريون في نيويورك وواشنطن ولم تعد والحالة هذه فكرة تنظيم السياسة الدولية بناء على منظومة الحرب على الإرهاب مناسبة. إلا أن الشك والكراهية للعالم الإسلامي التي أشعلتها هجمات 9/11 لم تخفت مع مرور الوقت، بل على العكس أصبحت “الإسلاموفوبيا” كما تعرف عادة، جزءا رئيسيا من السياسات في معظم مراكز السلطة الكبرى في العالم -من الولايات المتحدة إلى دول الاتحاد الأوروبي إلى الصين والهند. وفي نفس الوقت فالدول التي كان ينظر إليها مراكز للاعتدال الإسلامي، خاصة تركيا وإندونيسيا والباكستان تشهد صعودا في الراديكالية الإسلامية. والصورة في مجملها تظهر أن العالمين الإسلامي وغير الإسلامي باتا لا يتسامحان مع بعضهما البعض. ذلك أن الساسة في كلا العالمين يميلون لمداعبة الأراء القائمة على الخوف من الآخر.
وأهم تطور مثير هو ما يجري في الصين وقرار السلطات فيها سجن مليون مسلم من أقلية الإيغور يعيشون في إقليم تشنجيانغ (أو سنجان) في شمال-غرب البلاد حيث تم حشرهم في معسكرات اعتقال جماعية ضمن جهود “إعادة تثقيفهم”. ويقول الكاتب إن هذه السياسة تبدو وكأنها رد مفرط جدا على تهديد ثانوي لإرهاب محلي. وتدفعها سياسة الحزب الشيوعي الحاكم القائمة على رهاب من عدم انسجام السياسة والمجتمع في إقليم مع تعاليم الحزب. ومع أن هذه السياسة وضعت موضع التطبيق في بداية عام 2017 إلا أنها لم تلفت انتباه المجتمع الدولي إلا قبل فترة قصيرة.
بطء المجتمع الدولي في شجب السياسة الصينية في تشينجيانغ نابع من مخاوف الدول إغضاب القوى العظمى الصاعدة. ولكنها تعكس على ما يبدو العداء المتزايد للأقليات المسلمة في ذلك الجزء من العالم.
ودعت لجنة في الأمم المتحدة الصين لإطلاق سراح المعتقلين المسلمين الذين احتجزوا بدون ذريعة. وكانت تركيا أول دولة تقوم هذا الشهر بشجب سياسة بيجين.
ويرى الكاتب أن بطء المجتمع الدولي في شجب السياسة الصينية في تشينجيانغ نابع من مخاوف الدول إغضاب القوى العظمى الصاعدة. ولكنها تعكس على ما يبدو العداء المتزايد للأقليات المسلمة في ذلك الجزء من العالم. فالهند التي يحكمها حزب بهارتيا جاناتا المتطرف منذ خمسة أعوام تقريبا لم يخف المتشددون فيه موقفهم من الإسلام كدين غريب. ومع أن نسبة 14% من الهنود هم مسلمون إلا أن لا تمثيل لهم في حزب بهارتيا جاناتا ولا من بين أعضائه المنتخبين وعددهم 282 برلمانيا. وزاد الخوف من الإسلام بعد مقتل 44 جنديا في كشمير. ومع قرب موعد الانتخابات فهناك فرص لزيادة التوتر الطائفي.
وبنفس السياق أدت المشاعر المعادية للمسلمين في بورما إلى تشريد أكثر من 700.000 مسلم بعد قيام الجيش بحملة قمع وتقارير عن اغتصاب وقتل. ويعيش معظمهم اليوم كلاجئين في الدولة الجارة بنغلاديش. ويقول الكاتب إن مأساة اللاجئين المسلمين لم تكن قضية تحظى باهتمام في الغرب.
ومنذ هجمات 9/11 مات عدد كبير من المدنيين جراء عملياته إطلاق النار في المدارس الأمريكية أكثر من هجمات الإرهابيين المسلمين، إلا أن الخطاب المعادي للإسلام الذي يطلقه السياسيون أصبح أكثر وضوحا. ففي مرحلة ما بعد 9/11 زار جورج دبليو بوش مسجد واشنطن وأكد أن “الإسلام هو دين السلام”، وبعد 15 عاما أصدر دونالد ترامب أمرا بحظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة.
صعود الخطاب المعادي للمسلمين خارج العالم الإسلامي يترافق مع تحولات في دول إسلامية كانت حتى وقت قريب محصنة من الراديكالية الإسلامية.
وعانت أوروبا في السنوات الأخيرة من الإرهاب الإسلامي خاصة فرنسا. وقد أدى الخوف من الإرهاب الذي ترافق مع موجة اللاجئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتزايد “الإسلاموفوبيا” وصعود أحزاب اليمين القومي المتطرف. وأصبحت الأحزاب التي عادت المهاجرين المسلمين في السلطة في كل من هنغاريا وإيطاليا والنمسا وبولندا. وهناك معارضة مؤثرة تقوم بتشكيل النقاش في كل من ألمانيا وفرنسا. ويرى الكاتب أن صعود الخطاب المعادي للمسلمين خارج العالم الإسلامي يترافق مع تحولات في دول إسلامية كانت حتى وقت قريب محصنة من الراديكالية الإسلامية. وقال إن رجب طيب أردوغان الذي نظر إليه مرة كنموذج للاعتدال أصبح حاكما شموليا وترك نفسه أسير نظريات المؤامرة المعادية للغرب. ويخشى العلمانيون الأتراك من جهود أردوغان أسلمة تركيا.
وأصبح الوضع أكثر سوءا في الباكستان التي تستخدم قانون التجديف لمحاكمة الأقليات. فقد اغتيل حاكم إقليم البنجاب سلمان تاسير لأنه انتقد القانون عام 2011. وأصبح قاتله بطلا بين الإسلاميين. ودافع عمران خان وحزبه الوسطي عن قوانين التجديف.
وأصبحت الحملة ضد قوانين التجديف سلاحا سياسيا في إندونيسيا التي تعد أكبر دولة إسلامية تعدادا للسكان. ويشير إلى حالة باسوكي تاجهاجا بيرناما (أهوك) والحاكم المسيحي السابق لجاكرتا والذي سجن عام 2017 بعدما تمت إدانته بناء على قانون التجديف. ويعد أهوك من تلامذة الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو (جوكوي). ولكنه اختار مسلما محافظا ليكون نائبه في انتخابات نيسان (إبريل) خوفا من إغضاب الإسلاميين. ويختم الكاتب بالقول إن نقاشا جرى في مرحلة ما بعد 9/11 عن “صدام الحضارات” بين العالمين الإسلامي وغير الإسلامي. ولم يعد الموضوع شعبيا ولكن هناك شيء يشبه “صدام الحضارات” يبرز مع ذلك.
ترجمة القدس العربي