كيف نتعامل مع الدين؟ - مقالات
أحدث المقالات

كيف نتعامل مع الدين؟

كيف نتعامل مع الدين؟

طارق حسن

انتهت داعش أم لم تنته. قُطع دابر الإخوان أم لم يقطع. تم تدجين حماس أم بقيت على مراوغتها. اختفت الحوادث الطائفية أم لم تختف. فى النهاية يبقى الدين وتبقى قضية الدولة والمجتمع هى كيف نتعامل مع الدين؟ وما هو موقع الدين فى الدولة والمجتمع؟

يولد الإنسان بالدِّين، وعلى مر التاريخ اندثرت جماعات وأمم ومجتمعات وأفكار وأيديولوجيات. إنما بقى الدين، وتبقى المشكلة، ليست مع الدين فى حد ذاته. إنما تحديدا مع رجال الدين ومؤسسات الدين ومنظمات الدين؟

ناديت كما ناديت بالوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين. فلم تفعل سوى إدخال رجال ومؤسسات ومنظمات الدين إلى ملعب السياسة. صاروا مرجعيات للعمل السياسى والوطنى.

قلت كما تقول دائما لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين، لكنك أمسكت فى قضية الدين، ولم تمسك رجال ومؤسسات ومنظمات الدين.

تقاوم الإرهاب والتطرف والعنف بوسطية الدين، لكنك لم تفعل سوى مشاركة خصومك فى استعمال الدين سياسيا. صرت لونا من الدين كما هم باختلاف مسمياتهم ومواقعهم ألوانا من الدين.

الصراع بالدِّين صار سيدا. الدول بذاتها صارت مجموعة دينية أو طائفية. الدين الواحد انقسم أديانا فى يد الأطراف المتصارعة. بينما لم يثبت ولا مرة أن مثل هذه الطرق والسياسات ذات جدوى فاعلة بحسم فى القضاء على مثل هذا النوع من الشخصيات والمؤسسات والمنظمات التى تمتطى صهوة الدين فى محاولتها السيطرة على الدول والمجتمعات.

فى كل الحالات ثبت أن نجاحك فى هزيمة خصومك لا يكون أبدا بالانضمام إلى بازار شخصيات ومؤسسات وفرق ومنظمات التلاعب بالدِّين. ثبت فى كل الحالات أيضا أنك تخطئ فى التوجه لعنوان المشكلة. إن اعتبرت أن المشكلة فى نوع الدين أو أنها تبدأ من الدين، أو أن حلها يعتمد على صنف تأويل الدين الذى تقدمه وتصارع به. واختلف معى كما أردت أن تختلف. لكنك متفق معى حتما أن الأمور تؤخذ بنتائجها وأن نتيجتنا الواضحة أننا نبقى أسرى مضاعفات مشكلات التطرّف والإرهاب والعنف والطائفية أقول لك: قضيتك المحددة هى رجال الدين ومؤسسات الدين ومنظمات الدين. من هنا تنبع المشكلة. ومن هنا يكون الحل.

استقلالية الدولة عن رجال ومؤسسات الدين ومنظمات الدين هى الأساس.

تقول لى: لكنهم موجودون بالمجتمع وجزء من تكوينات المجتمع. وأنك إن عزلتهم قسمت المجتمع وفتحت بابا لاضطراب المجتمع. وهذا صحيح.

أقول لك: المشكلة برمتها تتعلق بعدم الأخذ بنظم الدولة الوطنية الحديثة فى تنظيم العلاقة بين الدولة والمكونات الاجتماعية المختلفة ومن بينها الدينية.

لن أذهب بك إلى فرنسا، تراها لا تناسبك فهى لا تعترف بأى دين ولا تمول حكومتها دينا. دعنى أذكرك ببلجيكا، ولعلمك لكنك لا تدرى اختار لك البريطانيون قديما النموذج البلجيكى، الذى تسير عليه حتى الآن. الدولة البلجيكية تعترف بعدد من الأديان وتدعمها.

إنما اسأل نفسك. لماذا لست كبلجيكا؟

لماذا تأتى نتيجتك غير نتيجة بلجيكا؟

تعرف ما الفرق: بلجيكا تأخذ بنظم الوطنية الحديثة فى إدارة الدولة والمجتمع وأنت لا. فى بلجيكا لا توجد مرجعيات دينية محصنة دستوريا للعمل السياسى والوطنى. فى بلجيكا رجال ومؤسسات ومنظمات الدين من مكونات المجتمع لا من أجهزة الدولة والإدارة التنفيذية. الدين حرية أتباعه إنما ليس مسموحا لأحد بالتلاعب بالدِّين من أجل السيطرة على السلطة والمجتمع. فى بلجيكا لا توجد دولة أو حكومة تقدم دينا على دين، ولا تخلط عمل الدولة بالدِّين. فى بلجيكا الدولة دولة والدين دين كلاهما مستقل بذاته وفِى موقعه الصحيح ومكانته التى تليق به. والعلاقة بين الدولة والدين وأتباعه تسرى كما هى على الكل، منتظمة فى إدارة حديثة تقوم على احترام ورعاية الحريات الفردية سياسيا واجتماعيا.

ليتك تدرك الآن لماذا ترسب فيما تنجح فيه بلجيكا. ليتك الآن تأخذ القضية بجد مثلما تأخذها بلجيكا. ساعتها ربما تكون قد عثرت على إجابة لسؤالك الكبير: كيف نتعامل مع الدين؟

المصرى اليوم

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث