تناقض مواقف الإخوان المسلمين تجاه موضوع الربا - مقالات
أحدث المقالات

تناقض مواقف الإخوان المسلمين تجاه موضوع الربا

تناقض مواقف الإخوان المسلمين تجاه موضوع الربا

بقلم بابكر فيصل

تبرأ رئيس "مجمع الفقه الإسلامي" في السودان عبد الرحيم علي، في لقاء أجرته معه قناة "النيل الأزرق" التلفزيونية مؤخرا، من إجازة المجمع لأية معاملة ربوية مع إقراره في الوقت نفسه بإصداره فتوى بجواز استلام الحكومة لقروض ربوية لمشروعات تنموية وفقا لحدود الضرورة، كما أنه عزا أسباب الضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد "للبعد عن الله وللتعامل بالربا والاحتكار وغيره".

لا أود مناقشة الآراء الفقهية المتعلقة بقضية الفوائد المترتبة على القروض سواء كانت تلك القروض ممنوحة لحكومات أو لأفراد عبر مؤسسات مالية أو دول، فقد تناولت ذلك الأمر في مقال سابق حول شعار "الاقتصاد الإسلامي" الزائف الذي أطلقه الإخوان المسلمون وصدقه البعض، وأوضحت أن تلك الفوائد ليست هي الربا المقصود في الفقه الإسلامي.

أريد فقط في هذه السطور طرح التناقضات التي يتسم بها خطاب جماعة الإخوان المسلمين حول موضوع الربا كما تم تعريفه من طرفهم، وذلك عبر الكشف عن التضارب الصارخ بين أقوالهم وأفعالهم في هذه القضية؛ وهو الأمر الذي يؤكد أنهم قد استثمروا موضوع الربا بطريقة دينية من أجل تحقيق مكاسب سياسية وحزبية خالصة.

لم يكن تصريح رئيس مجمع الفقه الإسلامي هو الأول من نوعه فقد قال سلفه عصام البشير، قبل سنوات نفس الكلام. وأوضح البشير حينها أنهم أباحوا تعامل الحكومة بالربا نظرا لعدم كفاية موارد الدولة المالية واحتياجها للتمويل الخارجي. وكذلك برر وزير الاقتصاد الأسبق عبد الرحيم حمدي، مؤخرا التعاملات الربوية في القروض بقوله إن "الضرورات تبيح المحظورات"، وأكد وجود ضرورات للتعامل بالقروض الربوية.

غير أن التناقض والتمويه في كلام الرجال الثلاثة، وجميعهم من القيادات البارزة لجماعة الإخوان المسلمين في السودان، يبدو جليا لكل متابع لمجريات سير الاقتصاد السوداني؛ إذ إن الاقتراض الحكومي من الدول والمؤسسات المالية الخارجية قد شهد أكبر ارتفاع له في فترة كان فيها الاقتصاد يعيش أفضل أحواله بسبب الطفرة البترولية التي فاقت مداخيلها 70 مليار دولار. بالتالي، لم تكن هناك ضرورة تبرر الاقتراض.

أحصى كاتب هذه السطور أكثر من 50 مشروعا في مجالات البنية التحتية والكهرباء والمياه، على رأسها أكبر مشروعات إنتاج الكهرباء التي تتباهى بها الحكومة السودانية وهو "سد مروي"، التي تم تمويلها بواسطة قروض ربوية من العديد من الدول التي يأتي في مقدمتها الصين والهند وبعض صناديق التنمية العربية في الكويت والسعودية وأبوظبي، وقد جاء ذلك التمويل في أوج فترات ازدهار الاقتصاد السوداني.

ومع ذلك لم ينبس رجال الدين وفقهاء الهيئات السلطانية في "مجمع الفقه الإسلامي" و"هيئة علماء السودان" وغيرها ببنت شفة. ولم يدينوا الحكومة الإخوانية بسبب تعاملها في القروض الربوية دون أن تكون هناك ضرورة تبيح لها ذلك الفعل المحظور بحسب مفاهيم جماعة الإخوان المسلمين لقضية الربا!

هذا ما كان من شأن تناقض "إخوان" السودان في قضية الربا، أما "إخوان" مصر فلم يكونوا أقل تناقضا منهم.

أبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وقف النائب البرلماني المعارض عن جماعة الإخوان المسلمين في مجلس الشعب محمد مرسي، الذي أصبح رئيسا لمصر في ما بعد، معلنا رفضه القاطع للمعاملات الربوية ورفضه لاستثمار أموال المعاشات في البنوك لأنه ربا "ويمحق الله الرِبا". كما اعترض على قرض البنك الدولي الذي حصلت عليه مصر بقيمة 2 مليار دولار قائلا لوزير المالية حينها: "إنه الربا بعينه يا سيادة الوزير".

كذلك قال الشيخ السيد عسكر، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين وعضو مجلس الشعب المصري السابق عن حزب "الحرية والعدالة" ومفتي الجماعة إنه لا يوافق على أي اتفاقية قرض بربا وإن الله حرم الربا وذكر العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتحريم الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وذلك أثناء جلسة لمجلس الشعب لمناقشة اقتراض مبلغ 300 مليون دولار لتجديد وإنشاء شبكات للصرف الصحي.

وبمجرد وصول محمد مرسي إلى كرسي الحكم واعتلائه عرش مصر المحروسة، بدأ في التفاوض مع صندوق النقد الدولي على قرض مالي بقيمة 4.8 مليار دولار بفائدة سنوية تبلغ 1.1 في المئة.

دافع مرسي عن مفاوضات حكومته مع صندوق النقد الدولي وقال أمام حشد جماهيري كبير خلال الاحتفال بذكرى عبور تشرين الأول/أكتوبر إنه لا يمكن أن يسمح "بأن يأكل المصريون الربا"، ثم شرع بجرأة يُحسد عليها في محاولة نفى الرِبا عن قرض الصندوق قائلا إن منح الصندوق فترة سماح تصل لأكثر من ثلاث سنوات (36 شهرا)، مع فائدة ضئيلة ينفي الربا عن القرض باعتبار أنه "لن تجر به منفعة".

نسى مرسي أو تناسى حينها أن ارتفاع نسبة الفائدة أو انخفاضها لا ينفي الربا كما تفهمه جماعة الإخوان المسلمين، كما أن حجته تلك أصبحت أكثر هشاشة عندما أصدرت حكومته أذونات خزانة بنسب فائدة تراوحت بين 14 ـ 16 في المئة وهي نسبة مرتفعة كثيرا عن نسبة فائدة الصندوق، وهي بالقطع "تجرُّ منفعة".

إن محاولة الدكتور مرسي العبثية لنفي الربا عن قرض صندوق النقد وكذلك فتوى مؤسسات الدين السودانية بإباحة التعامل بالربا للضرورة، تعكسان طبيعة المأزق الكبير للإخوان المسلمين والمتمثل في إقحام الدين في قضايا معاصرة لم يعرفها التاريخ الإسلامي بهدف المزايدة على الحكومات التي لا يسيطرون عليها، واللعب على عاطفة الجمهور المسلم بغرض تحقيق مكاسب دنيوية يأتي في مقدمتها الوصول للحكم؛ حتى إذا ما تسلموا السلطة وواجهوا حقائق الواقع عملوا على الالتفاف عليها بطلب الفتاوى الجاهزة من علماء الـ"تيك أواي".

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*