المنظمات الإسلامية الأميركية ومحاربة معاداة السامية - مقالات
أحدث المقالات

المنظمات الإسلامية الأميركية ومحاربة معاداة السامية

المنظمات الإسلامية الأميركية ومحاربة معاداة السامية

بقلم منصور الحاج

في لفتة إنسانية رائعة تلت حادثة إطلاق النار داخل معبد يهودي في مدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا يوم الأحد الماضي وراح ضحيته 11 شخصا، بادرت منظمات ومراكز إسلامية بجمع آلاف الدولارات في وقت قصير للمساهمة في مساعدة أسر الضحايا الذين سقطوا في الهجوم الذي صنفته السلطات الأميركية على أنه جريمة كراهية. وقد حظيت تلك المبادرة بترحيب كبير من قبل الأقلية اليهودية وشرائح أخرى من المجتمع الأميركي فضلا عن التغطية الإعلامية الواسعة على مدى الأيام الماضية والتي عكست حجم الصدمة التي تعرض لها سكان المدينة الذين ينحدرون من أعراق وإثنيات مختلفة ويعرف عنهم تعدد خلفياتهم واهتماماتهم السياسية والاجتماعية والثقافية.

إن الاهتمام الإعلامي بالمساعدة التي قدمها المسلمون إلى جيرانهم وأبناء عمومتهم من اليهود أمر ايجابي لا يجب الترحيب به فحسب، وإنما البناء عليه من أجل أن تلعب المنظمات الإسلامية وغيرها دورا أكبر في محاربة ظاهرة معاداة السامية في المجتمعات الإسلامية داخل الولايات المتحدة وخارجها. فبحسب طارق المسيدي، وهو المدير المؤسس لمنظمة CelebrateMercy الإسلامية لم يكن هناك تعاون بين المسلمين واليهود قبل الحادثة وأن هذه هي "المرة الأولى التي وضع فيها الطرفان خلافتهم الجيوسياسية والمتعلقة بالسياسات الدولية جانبا والعمل معا من أجل شأن إنساني".

من جانبها، اعتبرت الناشطة الأميركية المهتمة بقضايا الإصلاح الديني شيرين قدوسي أن ما قامت به المنظمات الإسلامية ردا على الجريمة التي وقعت في معبد "شجرة الحياة" "ليس كافيا" وقالت إن "لدى المسلمين الأميركيين القدرة على محاربة ظاهرة معاداة السامية بدلا من التعامل مع الحوادث بعد وقوعها". واقترحت قدوسي في مقال نشره موقع " Clarion Project" أن "يواجه المسلمون جرائم الكراهية بطريقة مباشرة"، من خلال انتقاد أئمة المساجد الذين يصرحون بمعاداتهم لليهود والمؤسسات التي تحميهم، والتضامن مع المسلمين الذين يتعرضون للظلم ويطاردون بسبب اعتراضهم على خطب الكراهية والاستغلال، بالإضافة إلى التنديد بتصرفات الشخصيات الإسلامية المعروفة الذين يروجون لخطاب الكراهية ضد المجتمعات اليهودية.

وعلى الرغم من إشادتها بجهود المؤسسات والشخصيات التي ساهمت في جمع الأموال لصالح ضحايا المعبد، إلا أنها شددت على أن التعصب الحقيقي يكمن داخل المجتمعات الإسلامية. وأشارت إلى أن من الأولى أن يتضامن المسلمون مع أبنائهم الذين ينددون بخطب الكراهية وإساءة استخدام السلطة والنفوذ داخل المؤسسات الإسلامية ثم بعد ذلك، تقول قدوسي "علينا أن نندد بالكراهية ضد اليهود في أي مكان وجدت سواء في عائلاتنا أو خطب صلاة الجمعة أو عندما تصدر من مسلمين أصحاب نفوذ وقوة".

وقدوسي حين أشارت إلى الشخصيات المعروفة في أوساط المسلمين الذين تتهم بالترويج لكراهية اليهود، كانت تقصد على سبيل المثال الناشطة الإسلامية ليندا صرصور التي طالبت المسلمين بالتوقف عن اعتبار الإسرائيليين بشرا، كما قصدت أيضا عضوة الكونغرس في ولاية منيسوتا إلهام عمر لوصفها إسرائيل بـ"الشر".

وتصب مداخلة الأكاديمية عبير كايد، المحاضرة السابقة في جامعة هاورد، على تلفزيون "العربي" التي اعترضت فيها على اعتبار ما حدث في معبد "شجرة الحياة" جريمة كراهية على الرغم من وقوعها داخل مكان عبادة وانتماء المستهدفين إلى ديانة واحدة في هذا السياق.

وبحسب كايد فإن الهجوم المسلح على المصلين داخل المعبد هو "جريمة إرهاب محلي" لأن المشبه به بحسب قولها "أراد الانتقام من اليهود والجمعيات اليهودية لأنهم يسمحون لوصول القافلة المتجهة من أميركا الجنوبية إلى الولايات المتحدة الأميركية". وقالت كايد في المقابلة التي أجريت في 28 من شهر تشرين الأول/أكتوبر "إن سبب الجريمة هو سياسي مباشر لا أدري لماذا يحاول الإعلام أن يحولها إلى كراهية".

وبحسب كايد، فإن السبب في اعتبار ما حدث جريمة كراهية هو لكون "القضية تمس أولا الرأي العام الأميركي وتمس اليهود الأميركيين، فإن التعامل معها يكون بطريقة مختلفة تماما تماما، أولا لقوة اللوبي الصهيوني وللأهمية التاريخية للدور اليهودي في الحياة الأميركية".

في اعتقادي، إن هذا النوع من التصريحات يغذي ظاهرة معاداة السامية وكراهية اليهود في المجتمعات العربية والمسلمة حيث يرتبط كل ما هو يهودي عادة في الذاكرة الجمعية بالمؤامرات والدسائس؛ وتستخدم العديد من المجتمعات كلمة "يهودي" للشتم والاستهزاء بالآخرين.

ومن هنا فإنني أضم صوتي إلى صوت الناشطة قدوسي وكل من يرتجون أن تقوم المنظمات والمراكز الإسلامية بدور ريادي في محاربة الظاهرة، بدلا من المعالجات المؤقتة التي سرعان ما تخفت بعد زوال الاهتمام الإعلامي.

وبالفعل فإن تنظيف البيت الإسلامي أولى، قبل أي محاولة للتقارب أو التعاون مع المراكز اليهودية؛ فما ينشر على مواقع إلكترونية من خطب تروج لمعاداة اليهود يلقيها رجال دين ينتمون إلى منظمات معروفة وبحضور آلاف المصلين كفيل بأن ينسف كل الجهود الشكلية من أجل مد الجسور والتواصل مع الآخرين.

وحتى يتحقق ذلك، فإن من الضروري أن تتضافر جهود وسائل الإعلام والإصلاحيين والمؤسسات الإسلامية ضد دعاة الكراهية ومموليهم ومن يحمونهم حتى يتم فضحهم على رؤوس الأشهاد ولفظهم ومقاطعتهم، وإلا فإن مسلسل الكراهية سيتواصل وستتشرب الأجيال القادمة نفس الخطاب التحريضي لنعود جميعا إلى نقطة الصفر والدوران في دائرة مغلقة.

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث