أحلام أكرم
هزتني وأبكتني القصة التي نشرتها الكاتبة فاطمة القباني في 25-9-2018 عن الفتاة ذات الثلاثة عشر عاما .. التي قتلتها عشيرتها لأنها لم ُتصدّق الطبيب الذي فحصها وأكد عذريتها .. وأن سبب إنتفاخ بطنها يعود إلى ان لدينها غشاء بكارة سميك ولهذا لم تأتيها الدورة الشهرية لمدة 6 أشهر بحيث تكون لديها تراكم وبطن منفوخة وأعراض الحمل .
لم تقتنع العشيرة بكلام الطبيب .. وقتلوها بالسم .
القصة ُتذكرني بقصة ترتبط أيضا بالعذرية .. التي قدسناها وإعتبرناها أقدس من حياة المرأة الإنسانه .. وهل يختلف تصرف حتى المتعلمين في مجتمعاتنا عن تصرف العشيرة الجاهل ؟؟؟
القصه عن إمراة متعلمة أحبت شابا .. جاءته بعثة لإكمال دراسته في الطب في أمريكا .. وتركها على أمل العودة بعد سنوات للإرتباط بها شرعا ..
وإنتظرته وعاد .. وبالفعل وفى بوعده وتقدم للزواج منها .. وتم كتب الكتاب والإحتفال بالزواج .. ولكنه وحين إختلى بها في ليلة الدخله أحضر ميكروسكوب الأطباء .. وطلب منها أن يفحصها للتأكد من عذريتها .. أكّد لها بأنه لن يتركها حتى وإن لم تكن عذراء ... ُصعقت الفتاة الراشدة من طلبه .. وهاتفت والدتها لتخبرها بطلبة الغريب .. وماذا تفعل .. كان جواب الأم أن إقبلي الفحص درءا لفضيحة الإنفصال في الليلة الأولى .. ورفضت العروس النصيحة . وفضلت الإنفصال على الإهانة برغم وثوقها من أن الفضيحة ستُركّز على الشك في عذريتها.
هي إمرأة متعلمة إستطاعت أن تقف بوجه الفضيحة المجتمعية لثقتها بنفسها ولإستقلالها المادي .. ولكن ماذا عن الآلاف اللواتي لا يستطعن الوقوف امام رياح العشيرة والعائلة و المجتمع .. كلهم سلطة عزرائيل التي تقف مترصدة لقبض روح الفتاة .. خوفا من العار ؟؟
ُترى ما هو تصنيف العار .. أليس القتل أحدها ؟؟ وما الذي أوصل المجتمعات العربية إلى هذا المستوى من التزييف والإنفصام الأخلاقي . بحيث تؤيد حق الرجل في كل ألاعيبة ونزواته وممارساته الجنسية بينما تقتصر كل اخلاقياتها ومطلبها الأكبر في الفضيلة في جسد المرأة ؟
هل هي الثقافة الذكورية فقط ؟ أم هو مجتمع يتخبط في فهمة للفضيلة والرذيلة بحيث أختلط كلاهما في ذهنيته وربطهما في جسد المرأة ؟؟ وما الذي يساهم في تجذير هذه الثقافة وعدم إستطاعتنا التخلص منهاا ووأدها ...؟؟
أتساءل بمنتهى الصدق والموضوعية ..
لماذا تستنفر المساجد كما حدث في السودان مؤخرا.. لمجرد وقوف فتاة في برنامج " شباب توك" تتحدث عن حقها في إختيار ما تريد إرتداءه.. ووصف خطباء هذه المساجد القناة الإعلامية والفتاة بأنهما ُيروجان للإنحلال الأخلاقي .. بينما تصمت كل هذه المساجد حين ُتذبح فتاة في عمر الورد أو أي عمر غسلا للعار الموهوم؟
هو ذات الصمت لمساجد كل الدول العربية عن جريمة القتل تلك بحيث تحللها ضمنا وُتغلفها بالصمت والكتمان تحت راية الستر المجتمعي .. وُتحلل عملية القتل .. بل وتنتهك آدميتها في إعتبارها رمزا موحدا للإنحلال الأخلاقي لكل المجتمعات بينما تنخر دودة النفاق والفساد فيها..
قبل ان نتحدث عن الحداثة علينا أن نكون صادقين في أن ثقافتنا ترتبط إرتباطا وثيقا بالدين. وأن هناك مشاكل كبيرة في ُصلب التراث الديني وكلها تحتاج إلى مواجهة صادقة بدون تجميل .. وإعادة صياغة المناهج التعليمية التي ُتروّج أن طهارة المجتمع ترتبط بجسد المراة وأن أهم خصائص الأمة الإسلامية طهارة العرض .. بينما والمفروض إرتباط هذه الطهارة بالقيم الأخلاقية للمجتمع.
قبل أن نتحدث عن بناء ُبنية تحتية لتحديث الدول العربية .. علينا أن نتحدث عن مسؤوليتنا الجماعية في بناء ُبنية تحتية إنسانية من خلال حرية التعبير والنقد لكل ما يتصل بعوراتنا المجتمعية لبناء إنسان سوي يحترم إنسانية المرأة وحقها في الحياة وإختيار ما تريد من الحياة .. حبس المرأة في زنزانة النصوص والأحاديث المُلفقة لن ُيقدم حلا للفقر الذي يأكل من روح الإنسانوعقله .. ولن يكون حلا للتخلف الذي تنعم به أغلب دول المنطقة العربية.
ايلاف