يوم عاشوراء... هل صام النبي محمد مع اليهود في يوم الغفران؟ - مقالات
أحدث المقالات

يوم عاشوراء... هل صام النبي محمد مع اليهود في يوم الغفران؟

يوم عاشوراء... هل صام النبي محمد مع اليهود في يوم الغفران؟

محمد سمير

بعد خروج بني إسرائيل من مصر، ترك موسى قومه، أثناء تجوّلهم في سيناء، وصعد ليقابل الرب على جبل سيناء، ولما وجد الشعب أنه تأخر عليهم، طلبوا من أخيه هارون أن يصنع لهم تمثالاً للرب ليتقدمهم في المسير، فجمع منهم الحلي الذهبية وسبك منها عجلاً، حسبما يرد في الإصحاح 32 من سفر الخروج.

يشير هذا الحدث إلى تأثر العبرانيين بعبادة العجل أبيس في مصر القديمة، البلاد التي غادروها لتوهم. ووقعت الترجمة العربية غير الدقيقة للتوراة في خطأ لم يصححه أحد حتى الآن، إذ تقول إن اليهود عبدوا العجل. لكن الحقيقة أن خطيئة اليهود لم تكن أنهم عبدوا عجلاً، وإنما أنهم جعلوا للرب (يهوه) تمثالاً يصوره في شكل عجل، لأن الرب نهى عن تمثيله في أية صورة.

وأتى غضب الرب على الشعب الإسرائيلي بسبب ذلك وكاد أن يفنيهم لولا تدخل موسى، كما يذكر سفر الخروج، فغفر لهم وقال لموسى: "وَالآنَ اذْهَبِ اهْدِ الشَّعْبَ إِلَى حَيْثُ كَلَّمْتُكَ. هُوَذَا مَلاَكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ. وَلكِنْ فِي يَوْمِ افْتِقَادِي أَفْتَقِدُ فِيهِمْ خَطِيَّتَهُمْ". ومن هنا أتى يوم الغفران، أحد أهم الأعياد اليهودية.

مملكة يهودية

بعد مئات السنين من حادثة العجل، وتحديداً عام 622 م، هاجر النبي محمد من مكة إلى يثرب (طيبة أو المدينة المنورة لاحقاً) التي كانت تحوي قبائل يهودية عدة.

يذكر إسرائيل ولفنسون في كتابه "تاريخ اليهود في بلاد العرب" البطون والقبائل اليهودية التي سكنت يثرب قبل قدوم العرب إليها. يقول: "كان ممّن يسكن المدينة، حتى نزلها الأوس والخزرج، من قبائل بني إسرائيل بنو عكرمة وبنو ثعلبة وبنو محمر وبنو زعورا وبنو زيد وبنو النضير وبنو قريظة وبنو بهدل وبنو عوف وبنو القصيص" وآخرون.

وكانت البطون الكبرى تتمثل في بني قينقاع وبني قريظة وبني النضير. ولاحقاً نزلت على هذه المملكة اليهودية قبيلتان عربيتان هما الأوس (حلفاء بني النضير وبني قريظة) والخزرج (حلفاء بني قينقاع).

وكان يهود يثرب قبل ظهور النبي محمد إذا تصادموا مع العرب لسبب أو لآخر، يتوعدونهم بالملك المقدس الذي ينتظرونه ويأتي ليوحدهم وينتصرون به عليهم، أي المسيا أو الماشيح، وهو الأمر الذي تحدثت عنه الآية القرآنية {وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} (البقرة 89(

لذلك، لما ظهر النبي محمد في مكة، ظن الأوس والخزرج أنه هو ذلك الملك المقدس الذي يتحدث عنه اليهود.

المسيح العربي

ارتقب اليهود مجيء ذلك النبي العربي بفرحة لا تخلو من ريبة، إذ وفقاً للعقيدة اليهودية، انتهت النبوة مع هدم الهيكل، وهو ما تؤكده المشناه (كتب الأحكام والتعاليم والتفاسير والفتاوي والوصايا الخاصة بالشريعة اليهودية).

ورغم أن معرفة يهود الجزيرة العربية بالتلمود محلّ جدل بين الباحثين، يقول ولفنسون إن "العقلية اليهودية لا تلين أمام شيء يزحزحها عن دينها وتأبى أن تعترف بأن يوجد نبي من غير بني إسرائيل، بل يعتقدون عقيدة راسخة أنه بعد أن ختمت صحف التوراة وكتب العهد القديم انقضى عهد بعث الرسل وظهور الأنبياء، سواء كانوا من بني إسرائيل أو من غيرهم كما يعتقد المسلمون أنه لن يبعث نبي بعد الرسول محمد".

وكانت العقبة أمام افتراض أن النبي محمد هو الماشيح تتمثل في نص كتب الأنبياء على أن الماشيح سيكون من نسل داود، (صموئيل الثاني: 7-14). وكان محمد لا ينتمي إلى داود لا من جهة أبيه ولا من جهة أمه، وبالتالي فمسأله أن يكون الماشيح أو الملك النبي المنتظر كان مقطوع ببطلانها من وجهة النظر اليهودية.

ولكن ذلك لم يمنعهم من الاستبشار به. ففي تلك الرقعة الحافلة بالأديان الوثنية من كل جهة، كان ظهور دعوة توحيدية، أياً مَن كان صاحبها، يُعَدّ أمراً يستحق التشجيع بالنسبة لليهود، لا سيما وأن هذا النبي كان يؤمن بربهم ويتوجه في قبلة الصلاة نحو بقايا هيكلهم في القدس (بيت المقدس)، قبل تحويل القبلة نحو الكعبة، فضلاً عن أنه يعترف بتوراتهم وأنبيائهم وكثير من أمور شريعتهم.

النبوة العربية

يفسر الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون (1135-1204) الآية 13 في الإصحاح الأول لسفر التثنية قائلاً: "لا يسمح لأي نبي أن يأتي بجديد... وبناء عليه، إن جاء أحدهم، سواء من الأمم، أم من إسرائيل، وفعل خوارق ومعجزات، وقال إن الله أرسله ليضيف فريضة أو ينقص فريضة، أو أن يقدم تفسيراً لفريضة لم نسمع به، أو أن يقول إن الفرائض التي فرضت على إسرائيل ليست أبدية وإنما مؤقتة، فهذا نبي كذب".

ويقول إسرائيل ولفنسون في كتابه المذكور: "كان يهود يثرب يتشوقون لرؤية الرجل الذي ينشر دعوة دينية تتفق في جوهرها مع عقائدهم، وكانوا يعتقدون أن ظهور رجل ليس من بني إسرائيل يدعو إلى توحيد الإله وإلى تعاليم التوراة وإلى تمجيد إبراهيم وموسى إنما هو ظاهرة غريبة في التاريخ البشري".

ويذكر ابن هشام في سيرته أنه عند قدوم النبي إلى يثرب "كان أول من رآه رجل من اليهود، فصرخ بأعلى صوته: يا بني قيلة (يقصد الأوس والخزرج) هذا جدّكم قد جاء".

الخدعة اليهودية

وصل النبي محمد إلى يثرب في يوم كان يصوم فيه اليهود. وتحكي الرواية الإسلامية ما حدث نقلاً عن ابن عباس: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه" (البخاري 2004 – مسلم 2659، 2658).

إذا صحت هذه الرواية، ربما مثّل هذا اللقاء فرصة لليهود المتوجسين من الدعوة الجديدة لاختبار صاحبها، لأن جواب هؤلاء النفر من اليهود انطوى على خدعة، سيمتد أثرها منذ ذلك الحين حتى اليوم بعد مرور أكثر من 1400 عام.

فقد ذكر هؤلاء اليهود أن ذلك اليوم كان عيد نجاة بني إسرائيل من الفرعون أي عيد الفصح (بيسح بالعبرية أي العبور)، في حين أن ذلك اليوم كان يوم الغفران (يوم كيبور بالعبرية) أي عيد غفران خطيئة عبادة الرب في صورة العجل الذهبي.

وجاء قرار النبي بأن يصوم المسلمون مع اليهود وصام هو نفسه في ذلك اليوم، وربما في هذه اللحظة حسم اليهود أمرهم تجاه النبي العربي الذي سيقول في ما بعد: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم".

الفصح أم كيبور؟

كان يوم صوم اليهود الذي شهده النبي يوم كيبور، أي عيد غفران خطيئة العجل الذهبي، وليس يوم عيد نجاة بني إسرائيل بقيادة موسى من فرعون (عيد الفصح)، وذلك لأسباب كثيرة، منها أن عيد الفصح ليس عيد صيام، بل إن الصيام فيه حرام، بنص التوراة في سفر الخروج في الإصحاح 12 وفي المشناه في مبحث موعيد (الأعياد).

ويذكر غازي السعدي في كتابه "الأعياد والمناسبات والطقوس لدى اليهود" أنه في عيد الفصح يُفرض على اليهود أكل خبز غير مخمر ناهيك عن قطعة مشوية من عظم الضأن، وبعض النباتات المرة، وكأس ماء مالح "لتذكيرهم بما عاناه أسلافهم أثناء فرارهم من الصحراء"، كما تشمل مائدة الفصح "أربع أقداح من النبيذ يشربها أفراد الأسرة وترمز لوعد الله لليهود بتخليصهم". ويقول إن الفصح هو "عيد خبز الفطير وموسم الحج والعيد الذي يضحى فيه بحمل أو شاه أو جدي من الماعز".

في المقابل، يُعَدّ يوم كيبور يوم صيام حقاً، وتعدد المشناه في صيام هذا اليوم قائمة من المحظورات تمثل طقوس الصيام اليهودي، في مبحث يوما (اليوم)، وتقول: "يُحرم في يوم الغفران الأكل، والشرب، والاستحمام، والدهان، وانتعال الصندل، والجماع".

بشكل عام، لا يكون الصيام في اليهودية إلا في المناسبات الحزينة، ويقول موسى بن ميمون في كتابه الموسوعي "تثنية التوراة"، إن "الصوم هو تذكرة لأعمالنا السيئة وأعمال آبائنا التي كانت كأعمالنا اليوم مما سبب لهم ولنا المعاناة"، ونجاة الشعب كانت مناسبة سعيدة يحتفل بها اليهود في الفصح.

دليل آخر تقدّمه الرواية الإسلامية التي تقول "كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً قال النبي صلى الله عليه وسلم: صوموه أنتم" (البخاري 2005مسلم 2660، 3942.(

وإذا صحت هذه الرواية، لا يمكن أن يكون هذا اليوم غير يوم كيبور لأنه يقع في اليوم العاشر (10 تشري حسب التقويم العبري) وهو سبب تسمية هذا اليوم بعاشوراء، في حين يبدأ عيد الفصح في 15 ويستمر حتى 22 نيسان حسب التقويم العبري، وبالتالي لا يعود من معنى لتسمية اليوم بعاشوراء.

عاشوراء أم كيبور؟

كان صوم عاشوراء بداية الصوم في الإسلام، وهناك خلاف على وجوبه واستحبابه في الفقه الإسلامي، ولكن ما لا خلاف عليه أنه سبق صوم رمضان في العقيدة الإسلامية، وكلمة صوم العربية مأخوذة من كلمة "تسوم" العبرية، فهذا الطقس كان يهودياً في الأساس {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} (البقرة: 138)، والفارق بينهما أن الصوم في الإسلام دوره تعبدياً، في حين يمثل في اليهودية إحياء ذكرى أليمة مثل هدم الهيكل، أو خطيئة عبادة الرب في صورة العجل.

والمثير للدهشة أن المسلمين يصومون عاشوراء في يوم العاشر من محرم، رغم أن النبي وصل إلى المدينة في شهر ربيع الأول، إذ يذكر الواقدي في كتاب المغازي: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من شهر ربيع الأول، ويقال لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول، والثابت لاثنتي عشرة".

ويؤكد ابن كثير تاريخ 12 ربيع أول، إذ يقول في كتابه "البداية والنهاية": "وفي تحديد وفود النبي محمد على يثرب قال الواقدي وغيره: وذلك لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول. وحكاه ابن إسحاق إلا أنه لم يعرج عليه ورجح أنه لاثنتي عشرة ليلة خلت منه، وهذا هو المشهور الذي عليه الجمهور".

إذن تسمية عاشوراء لا علاقة لها بالتقويم العربي، ولا علاقة لها بالعاشر من محرم، وهو ما يتماشى مع فرضية أن عاشوراء هي نسبة إلى العاشر من شهر تشري أي عيد الغفران.

وما يدعم هذه الفرضية أنه بالاعتماد على الخوارزميات الخاصة بتحويل التواريخ نجد أن يوم 12 ربيع أول عام 1 هجرياً (تاريخ وصول النبي إلى المدينة) يوافق في الشهور الغريغورية (الميلادية) 23 سبتمبر عام 622م. وبتحويل التاريخ الأخير إلى التقويم العبري نجد أنه يوافق تماماً 10 تشري 4383)) أي يوم الغفران.

هكذا، يصوم المسلمون خطأ في العاشر من محرم، على اعتبار أن محرم أول شهور السنة الهجرية التي تؤرخ لهجرة الرسول، وأن عاشوراء نسبة إلى اليوم العاشر منه، في حين أن عاشوراء تشير إلى العاشر من تشري وهو ما تؤكده الرواية الإسلامية التي تذكر "كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً قال النبي صلى الله عليه وسلم: صوموه أنتم".

يبقى أن هناك رواية إسلامية أخرى عن صيام يوم عاشوراء تقول إنه كان من عادات أهل قريش قبل الإسلام وإن الرسول صامه قبل وبعد هجرته إلى المدينة. فعن عائشة أنها قالت: "كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك صيام يوم عاشوراء".

لكن هذا مستبعَد لعدة أسباب منها أن النبي لو كان يصومه لما سأل اليهود عن سبب صيامهم فيه، فضلاً عن أن قريش في الجاهلية كانت وثنية، والوثنيون العرب لم يعرفوا الصيام ضمن شعائرهم، أو على الأقل لا يوجد أي دليل على ذلك، ناهيك عن أنه لا يوجد أي سبب يجعل العرب يصومون في يوم لا يقع في تقويمهم أصلاً، إذ لا توجد أية مناسبة في يوم العاشر من محرم ولا العاشر من ربيع أول ولا أي عاشر من أي شهر.

المصادر والمراجع:

1ـ صحيح البخاري، أبو عبد الله محمد البخاري، دمشق، دار ابن كثير، 2002.

2ـ صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج، تحقيق: نظر بن محمد الفاريابي، القاهرة: دار طيبة للنشر والتوزيع، 2006.

3ـ تثنية التوراة: اليد القوية، أبو عمران موسى بن ميمون القرطبي، ترجمة محمد خليل حسين، بيروت، منشورات الجمل، 2016.

4ـ ترجمة متن التلمود: المشنا، القسم الثاني، ترجمة مصطفى عبد المعبود سيد، القاهرة، مكتبة النافذة، 2009.

5ـ الأعياد والمناسبات والطقوس لدى اليهود، غازي السعدي، عمان، دار الجليل للنشر، 1994.

6ـ تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، إسرائيل ولفنسون، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1914.

7ـ السيرة النبوية، ابن هشام، تخريج فؤاد بن علي حافظ، بيروت، دار الكتب العلمية، 2009.

8ـ كتاب المغازي، محمد بن عمر الواقدي، تحقيق: مارسدن جونس، بيروت، عالم الكتب، 1984م، طـ3.

9ـ البداية والنهاية، عماد الدين ابن كثير، دمشق، دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع، 2010، طـ2.

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*