بقلم روبرت رابيل
أثار مفهوما الجهاد وتكفير المسلمين أو غير المسلمين ردود فعل متباينة ومخيفة في أوساط العديد من دول الغرب حيث يتصدران غالبا العناوين العريضة ويتم تقديمهما من دون سياق إلى من قد لا يكون له تفاعلات شخصية معهما.
وفي إطار النقاش العام في الولايات المتحدة وأوروبا، يعادل الجهاد والتكفير "الحرب المقدسة" وقطع رؤوس "الكفار" على التوالي. ولكن هذه التصورات مترسخة في الافتراض بأن هذه المصطلحات كما تُعرّف عنها الجماعات الإرهابية تعكس أيضا وجهتيْ نظر السنة والشيعة عموما بشأنها. ونتيجة لذلك، يسيء هذا التفسير الخاطئ إلى كل من فهم العامة للإسلام باعتباره دينا متعدد الأوجه والفهم الأمني الأميركي للتهديدات الإرهابية التي تحركها مفاهيم الجهاد والتكفير الخاصة والمتطرفة.
الجهاد في سنوات الإسلام الأولى
في اللغة العربية، "الجهاد" يعني عموما "الاجتهاد" أو بذل "جهد حثيث"، والمجاهد هو الشخص الذي يجتهد أو يشارك في الجهاد. وكثيرا ما يتسع معنى هذه الكلمة ليشمل الجهاد في سبيل الله، وذلك لأجل تمييز العبارة عن استخدامها ما قبل الإسلام والتأكيد على أن بذل "الجهد الحثيث" يتم بتوكيل من الله. غير أن الدلالات الدينية على نحو خاص للكلمة تحمل درجات مختلفة من المعاني حتى في القرآن، حيث أن معنى الجهاد يتغير بالتزامن مع البيئة الاجتماعية ـ السياسية المتغيرة التي طور خلالها النبي محمد الإسلام.
فخلال الفترة "المكية" الأولى للإسلام، ركزت رسالة النبي محمد عن الجهاد على نشر الإسلام مقابل نظام سائد اتسم إلى حد ما بالوثنية وعبادة الأصنام وتعدد الآلهة. وعقب هجرة النبي القسرية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في العام 622 وتوحيد أمته، اتخذ الجهاد معنى نشاطيا متخصصا في الدفاع عن الدين ونشره. وبالفعل، يتعارض معنى الجهاد "السلبي" في الآيات القرآنية المكية الأولى مع المعنى "الإيجابي" و/أو "العدائي" للجهاد في الآيات القرآنية المدنية.
وبناء عليه، تطور الجهاد إلى مفهوميْ النزاعات الداخلية والخارجية على السواء. واستنادا إلى حديث يتكرر غالبا (رغم أنه غير مقبول عالميا) للنبي محمد، يمكن للجهاد أن يكون عبارة عن مقاومة ميول المرء الآثمة (ما يعرف أيضا بـ"الجهاد الأكبر") أو مكافحة الظلم، الذي يعرف بـ"الجهاد الأصغر". هذا وتفترض العديد من الإشارات إلى الجهاد في مجموعة الحديث النبوي، صحيح البخاري، وبشكل ملحوظ، أن الجهاد يعني عملا مسلحا.
وكان انتشار الإسلام خلال سلالتيْ الأمويين (661 ـ 750) والعباسيين (750 ـ 1258) قد أدى إلى بروز مفهوم للجهاد باعتباره شكلا من أشكال الحرب يرتبط بانقسام العالم بين دار الإسلام ودار الحرب. وتصور الفقهاء حربا دائمة بين المسلمين وغير المسلمين إلى أن يسود دار الإسلام بفعل ترسيخ الشريعة الإسلامية الشرعية من الناحية الدينية حيث يحل الإسلام محل المعتقدات الأخرى ويستحدث نظاما اجتماعيا ـ سياسيا عادلا.
في هذا السياق، طور الجهاد أشكالا هجومية ودفاعية. ورمى الجهاد الهجومي إلى توسيع رقعة انتشار الإسلام باعتباره فرض الكفاية. غير أن الجهاد لم يقتض اعتناق الإسلام بالقوة - فقد ذكر القرآن على وجه الخصوص أن "لا إكراه في الدين". أما الجهاد الدفاعي فقد جعل إقدام كل مسلم على مقاومة أي اعتداء خارجي بمثابة فرض عين. وعلى وجه الخصوص، لم يتوقع الفقهاء أن يشن المسلمون حربا لا متناهية في أي من الحالتين، وسمحوا بإبرام هدنات ومعاهدات سلام مع الأطراف الأخرى.
ووسط هزيمة الخلافة العباسية عام 1258 على يد الحاكم المغولي هولاكو واعتناق نخبة المغول لاحقا الديانة الإسلامية، تحول الجهاد إلى حد كبير إلى دعم للتمرد على القادة الإسلاميين الصوريين. وأكد أبرز علماء القرون الوسطى ابن تيمية أنه من المسموح التمرد على حاكم يعجز عن إنفاذ القانون الإسلامي، ليخلص إلى القول بأن الجهاد ضد المغول كان مباحا باعتبارهم مسلمين سطحيين لم يحكموا وفق القانون الإسلامي. ويرى البعض أن استنتاج ابن تيمية يشكل انقساما في وجهات النظر بشأن متى يعتبر الجهاد مقبولا ـ فاعتبارا من القرن الرابع عشر، وفيما واصل الإسلام السائد الترويج للإذعان للسلطة السياسية كوسيلة لمنع الفتنة ضمن الأمة الواحدة، عمد العلماء المنشقون إلى دعم الجهاد في وجه أي حاكم فاسد حتى ضمن دار الإسلام.
خلاصة القول، كان الجهاد في عصور ما قبل الحداثة، واستنادا إلى السياق، يشير إلى (أ) مسعى إلزامي للدفاع و/أو نشر دار الإسلام؛ (ب) ميزة أساسية للتخلص من حكم فاسد؛ (ج) وسائل ذاتية التنظيم للترويج لحرب فردية. ولم يمس هذا الجهاد المتعدد المعاني أكثر تشددا سوى في القرن الماضي، بعد أن كان قد تطور في بادئ الأمر كرد على الحكومات الاستعمارية.
الجهاد في وجه الاستعمار
على خلفية الحركات الإسلامية الأولى المعادية للاستعمار، طور العالم الهندي ـ الباكستاني السني أبو العلاء المودودي (1903 ـ 1979) تعريف الجهاد إلى كونه حركة تحرير على امتداد العالم من أجل السماح بهيمنة الإسلام وتحقيق العدالة للجميع. وكتب المودودي:
"الإسلام يتطلب الأرض ولا يقتنع بقطعة أو جزء منها، وإنما يتطلب ويستدعي المعمورة الأرضية كلها، ولا يتطلبها لتستولي عليها وتستبد بمنابع ثروتها أمة بعينها، بعدما تنتزع من أمة أو أمم شتى، بل يتطلبها الإسلام ويستدعيها ليستيفد الجنس البشري بأجمعه من الأيديولوجيا وبرنامج السعادة أو بالأحرى من "الإسلام" الذي يمثل برنامج سعادة البشرية جمعاء. ولهذه الغاية، يرغب الإسلام في تسخير جميع القوى التي يمكن أن تحقق ثورة ويتمثل مصطلح مركب لاستعمال كل هذه القوى في "الجهاد".
وعليه، يصبح الجهاد ثورة عالمية شاملة. كما أعاد المودودي تفسير عبارة الجاهلية كي تتناسب مع ثورته العالمية: وإذ كانت تستخدم أساسا للإشارة إلى العرب ما قبل الإسلام، باتت تعبر عن أي زمان أو مكان لم تتحقق فيه الدولة الإسلامية. بعبارة أخرى، قسم المودودي العبارة بين عالم إسلامي مقدر إلهيا وعالم جاهل يجب السيطرة عليه من خلال الجهاد. ونتيجة لذلك، استلزم الجهاد حسب المودودي اللجوء إلى جميع الوسائل والقوى الممكنة لإحداث ثورة عالمية شاملة تؤدي إلى تحقيق نظرته لعالم إسلامي.
وما يثير الاهتمام هو أن العالم المقدر إلهيا الذي تحدث عنه المودودي يستثني الشيعة. ففي كتابه الردة بين الأمس واليوم، وصفهم الكاتب بالكفرة، مشيرا إلى أئمة الشيعة الجعفريين الذين، "ورغم آرائهم المعتدلة (نسبة إلى جماعات أخرى من الشيعة)، يغرقون في الكفر كما الكريات البيضاء في الدم أو كما السمك في الماء". وقد عول اثنان من قادة "الإخوان المسلمين" ـ هما حسن البنا وسيد قطب ـ على هذا التفسير للجهاد وتركيزه على بناء دولة إسلامية.
سيد قطب وإسلاموية "الإخوان المسلمين"
استشهد قطب بكل من المودودي وابن تيمية ليبرهن أن دولة جاهلية تسيطر على أي مجتمع مسلم يعيش في ظل حكام فاسدين. وبالتالي، يتوجب على المسلمين الصالحين فرض حاكمية الله على المجتمع. واعتبر قطب أن العالم الحديث بأكمله غارق في الجاهلية، قائلا:
"إذا نظرنا إلى مصادر وأسس أساليب الحياة المعاصرة، يتضح أن العالم بأسره غارق في الجاهلية وأن كل وسائل الراحة المادية المدهشة والاختراعات العالية المستوى المتوافرة لا تقلص من قدر هذا الجهل. فهذه الجاهلية تقوم على عصيان حاكمية الله على الأرض. كما تنقل إلى الإنسان إحدى أعظم سمات الله، وبخاصة الحاكمية، وتجعل بعض الرجال أسيادا على آخرين".
واستنادا إلى قطب، تتطلب هذه الجاهلية المعاصرة المعاملة نفسها التي استأصل النبي من خلالها الجاهلية الأصلية واستبدلها بدولة إسلامية. ويمثل هذا الجدل من منتصف القرن انحرافا جذريا عن نظرة القيادة التقليدية القائمة منذ وقت طويل. وفي هذا الإطار، يمسي القادة المسلمون كفارا جراء افتقادهم إلى التقوى، ولا بد من طردهم من المجتمع. وقد أدان قطب هذه القيادة ورفض مطالبها سواء بالإسلام أو بالسلطة السياسية.
بعدها، زعم قطب أن الجهاد بموجب الظروف الحالية مشروع ومبرر ضد القيادة. وفي كتاباته، لاسيما "معالم في الطريق"، أعاد قطب تفسير مفاهيم الإسلام التقليدية من أجل إباحة وتشريع الاستيلاء على الدول باللجوء إلى العنف. وبات مفهومه الفريد للجهاد مكونا أساسيا لكامل أيديولوجيته باعتباره المحفز لإعادة حاكمية الله على البشرية من خلال التحول السياسي. إشارة إلى إن هذا التعريف التوسعي للجهاد هو الذي أثر في الجماعات السنية اللاحقة الأكثر تطرفا وأجج عددا من المساعي الحديثة القائمة على الدين والرامية إلى إحداث تغيير سياسي.
على سبيل المثال، برر قتلة الرئيس المصري أنور السادات الجهاد ضد الفساد و/أو القادة المسلمين السطحيين وضرورة إقامة دولة إسلامية في كتابهم الفريضة الغائبة. وحاول كاتبه محمد عبد السلام فرج أن يبرهن بأن العلماء المسلمين البارزين أهملوا الجهاد و"لا شك في أنه لا يمكن القضاء على طغاة هذا العالم إلا بقوة السيف". واستند فرج إلى كتابات ابن تيمية وابن خاطر، من بين مصادر أخرى، للتأكيد بأن الجهاد كعمل مسلح هو ركن الإسلام. كما أعلن أن الحكام الذين "لا يحكمون بما أنزله الله" هم كفار ومرتدون. ودعا المسلمين إلى بذل كل الجهود الممكنة لإقامة حكومة إسلامية وإعادة الخلافة ونشر دار الإسلام.
ووفق النهج التفكيري الذي وضعه المودودي وقطب وفرج، حول الإسلاميون السنة السياق والأنظمة التي تعين بموجبها تحقيق الجهاد، تفويض الجهاد ـ وهو مفهوم كان يرتبط سابقا بالموجبات المجتمعية ـ إلى موجب فردي للمسلمين كافة. وتواجه هذه الآراء بشكل مباشر تركيز المفكرين الإسلاميين السائد حول الإذعان للسلطة السياسية، بغض النظر عن كيفية حكم الدولة، وحصر الجهاد كعمل عدائي فقط في حال الإعلان عنه في ظل ظروف محددة من قبل خليفة مسلم شرعي ومعترف به.
تركيز الجهاد في السلفية الجهادية
في حين واصلت التعريفات التقليدية للجهاد السيطرة على العديد من المسلمين، تطور التوسع الجديد لدور الجهاد في الإسلام ضمن فصائل مدرسة الإسلام السلفية المتشددة التي تسعى إلى إقامة دولة إسلامية مثالية من خلال العودة إلى المعتقدات والممارسات الأصلية للأجيال الأولى من المسلمين ـ "الأسلاف الصالحين". هذه الفصائل هي التي أثرت في أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. فقد حول بن لادن تركيز قطب على الهيكليات الاستعمارية إلى غضب على "غطرسة الولايات المتحدة الاستبدادية السافرة"، لا سيما إبان تدخلها في السعودية ـ ركيزة العالم الإسلامي. وقد وجه بن لادن رسالته إلى المسلمين في العالم أجمع، ناشرا تفسيراته التي تطورت في شبه الجزيرة العربية إلى حركة صغيرة عدديا ولكن عالمية.
وعليه، طور بعض السلفيين عقيدة تركز على أفضلية الجهاد. ويؤكد هؤلاء "الجهاديون السلفيون" أن وحده الجهاد في سبيل الله يمكنه أن يفضي إلى دولة إسلامية. في المقابل، تسعى السلفية الهدوئية إلى إقامة دولة إسلامية من خلال تعليم الأفراد وتلقينهم العقيدة الدينية، كما هي حال نموذج الوهابية في السعودية. ويعمل السلفيون الناشطون ضمن أنظمة سياسية قائمة لتقريبها من دولة إسلامية مثالية، على غرار النموذج الذي قدمه اشتراك "الإخوان المسلمين" السابق في الانتخابات في مصر. وفي حين يسعى كل فصيل إلى تطبيق الإسلام على نطاق أوسع وبالاستناد إلى آرائه الخاصة، وحدهم الجهاديون السلفيون يلجؤون إلى نسخة عنيفة من الجهاد في مسعى لتحقيق هذه الغايات.
بروز الجهاد كإرهاب إلى الواجهة
غير أن العنف سمح للجهادية السلفية بخلق نطاق رؤية كبيرة الحجم لنظرتهم للعالم دوليا. فتركيز "القاعدة" على الولايات المتحدة كان الهدف منه تحقيق غاية بحد ذاتها: ألا وهي تقليص الدعم الأميركي لأنظمة "مرتدة" في الشرق الأوسط تحول دون إقامة الدولة الإسلامية المنشودة. وعليه، كون تنظيم "القاعدة" بقيادة بن لادن و"الدولة الإسلامية" (داعش) الذي يمثل أحد فروعه بشكل مثير وجهات نظر عامة في العالم الغربي حول معنى "الجهاد" وشكله.
صحيح أن تنظيم "الدولة الإسلامية" يتشارك "القاعدة" أيديولوجيتها، لكن التنظيم ركز على هدف بديل قصير الأمد ـ إقامة حكومة إسلامية تعمل وفق مثاليات "الدولة الإسلامية". وكما هي الحال في كتاب الفريضة الغائبة لمحمد عبد السلام فرج، يروج التنظيم بشكل انتقائي لآيات مثيرة للجدل من القرآن واقتباسات من علماء تقليديين ومعاصرين بغية إضفاء الطابع الشرعي على حكمه. وتظهر مراجعة 15 عددا من مجلة دابق التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" صدرت من حزيران/يونيو 2014 ولغاية تموز/يوليو 2016 وثاقة صلة أفكار ابن تيمية المستمرة في إنشاء فهم خاص للجهاد.
كما ركزت منشورات "الدولة الإسلامية" على نشر مقاطع مثيرة للجدل من القرآن الكريم على حساب استبعاد أي مشاعر أخرى. ودائما ما تستشهد مقالات دابق بسورة المائدة 5، الآية 51، التي تقول: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين".
وتنص سورة التوبة 9، الآية 5 على ما يلي:
"فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم".
يبدو جليا أن تنظيم "الدولة الإسلامية" لم يحاول تبرير أهمية دور الجهاد والتكفير فحسب، بل اعتمد أيضا على هذين المفهومين من أجل تطوير أيديولوجيته وتحويلها إلى حركة نصر دينية. بعبارة أخرى، وجدت التفسيرات المتطرفة للجهاد والتكفير التي بدأت مع ابن تيمية في القرن الرابع عشر خواتيمها في أيديولوجية النصر التي أطلقها تنظيم "الدولة الإسلامية" والتي جردت "الآخر" من المسلمين وغير المسلمين من إنسانيته وحقرته واتهمته بـ"الارتداد". واستنادا إلى هذه النظرة للعالم، بات "الآخر" هدفا للقتل، لكن على المراقبين أن يدركوا أن هذا المفهوم هو فرع ديني مستقل عن العقيدة الإسلامية السائدة منذ القرن الرابع عشر.
لا بد من الإشارة إلى أن معظم المؤسسات الدينية الإسلامية أدانت "الدولة الإسلامية" وترفض بشكل قاطع تفسير المنظمة للجهاد، متبنية بدلا من ذلك مفهوم الجهاد الدفاعي. وبدورها، تستشهد هذه الشخصيات أيضا بالقرآن، مسلطة الضوء على تركيز القرآن على الطبيعة الدفاعية للجهاد ـ المثبتة بآيات على غرار الآية 190 في الفصل 2: "وقاتلوا في سبيل اللَّه الَّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن اللَّه لا يحب المعتدين".
إلى ذلك، سمح الجهاديون السلفيون لامتعاضهم من "الآخر" ـ ويمكن تعريفه بأي شخص يعمل خارج التفسيرات السلفية الإطارية للإسلام والذي يعتبر بالتالي "كافرا" ـ بأن يكون الدافع وراء إعلانهم الجهاد. ووفق هذه النظرة للعالم، تحول "الجهاد" إلى أيديولوجية نصر ديني موسعة موجهة نحو إبادة كل من لا يمتثل لها. وما ساعد على انتشار هذه الأيديولوجية كان كل من قدرتها على "التستر" خلف حرمة المقدسات وتاريخ الإسلام الأصلي وكذلك عدم فهم العديد من أبناء الغرب الفوارق الدقيقة الكامنة خلف السلفية الجهادية التي تجعلها خطيرة للغاية.
ونتيجة لذلك، وفي حين أنه يسهل للجهات الخارجية تشريع الخلط الذي يطبقه الجهاديون السلفيون بين الجهاد والإرهاب، إلا أن معناه ليس محددا. فالجهاد مفهوم طيّع يحمل العديد من المعاني المحتملة. مع ذلك، فإن لكل من المفاهيم السنية والشيعية المتطرفة للجهاد تأثير هائل على الغرب. ففي حين أن النسخة السنية هي عبارة عن أيديولوجية نصر دينية غير قادرة على التعايش مع قيم أو مجتمعات الغرب، تلهم النسخة الشيعية أنظمة معادية للغرب بدورها.
روبرت رابيل هو أستاذ متميز للشؤون الحالية في قسم العلوم السياسية في جامعة فلوريدا أتلانتيك.