أبونا :
يتجه المسيحيون في العراق، وفي دول شرق أوسطيّة عدّة، إلى خطر "الزوال"، ما لم يكن هنالك "تغيير" في العقليّة وطريقة التفكير، كما وفي السياسات الحكوميّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة. بهذه الكلمات، أصدر البطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل ساكو صرخة تحذيريّة جديدة بشأن مستقبل المسيحيين، وهم المكوّن الأصيل من المجتمع العراقي.
وفي خطابه الافتتاحي لسينودس الكنيسة الكلدانيّة، الذي يعقد خلال الفترة ما بين 21 إلى 27 آب 2022، دعا غبطته إلى إعادة كتابة القواعد الأساسيّة للعيش المشترك، بدءًا من الدستور، وذلك بحسب القيم والمُثل التي أكدها عليها البابا فرنسيس خلال زيارته إلى بلد الرافدين في آذار 2021.
كما تطرّق غبطته، في تحيته للأساقفة الحاضرين في السينودس الكلداني، إلى العديد من المواضيع الأساسيّة، منها: المسؤولية الكنسيّة؛ قوّة الكنيسة في الخدمة؛ المرافقة بروح أبويّة؛ الدعوات الكهنوتيّة والرهبانيّة من الرجال والنساء؛ والليتورجية.
وفي الجلسة الافتتاحيّة للسينودس، وجّه الأساقفة الكلدان نداءً إلى السياسيين العراقيين، مستذكرين 20 عامًا من العنف وعدم الاستقرار ومرحلة الانسداد السياسي الحاليّ، مع انعكاساته "السلبيّة" على الوضع الاجتماعي والاقتصادي. ومن هنا جاءت دعوتهم إلى "الإسراع" في تشكيل حكومة وطنيّة جديدة قادرة على تعزيز الإصلاحات الضروريّة.
وفيما يلي خطاب البطريرك ساكو:
مرة جديدة في هذا العام، نحن مدعوون إلى السينودس السنوي، مستنيرين بالروح القدس. يأتي مجمعنا كجزء من تأمل الكنيسة الكاثوليكيّة حول السينودوسيّة، على ضوء سينودس 2023، سائرين معًا في الشركة والرسالة. عسى أن تساعدنا هذه المناسبة في تعميق هذه النقاط في كنيستنا وأبرشياتنا ورعايانا.
1. إننا مدعوون لتحمّل مسؤوليتنا الكنسيّة والإنسانيّة والوطنيّة بروح المسيح. إنها تتضمّن علاقة حيّة مع يسوع، الذي تكرّسنا من أجله، تمامًا كما كرّس ذاته: "وأكرّس نفسي من أجلهم ليكونوا هم أيضًا مكرسين بالحق... عرفتهم باسمك وسأعرفهم به لتكون فيهم المحبة التي أحببتني إياها وأكون أنا فيهم" (يوحنا 17: 19، 26). هذه العلاقة مع المسيح، القائمة على الحق والمحبة والروح، تسمح لنا، كما ولمؤمنينا، بروحانيّة ناضجة، وتشجعنا على إتمام رسالتنا بسخاء ونكران الذات، بعيدًا عن المصلحة الذاتيّة والرغبة في السيطرة والشهرة.
2. إنّ قوّة الكنيسة والأبرشيات تكمن في الخدمة، وليس في المظاهر بحد ذاته. لا يمكن للإدارة أن تمارس بدون سلطة، لكن يجب ألا تؤدي إلى الاستبداد والديكتاتورية. لهذا السبب يحذر يسوع: "تعلمون أن الذين يعدون رؤساء الأمم يسودونها، وأن أكابرها يتسلطون عليها. فليس الأمر فيكم كذلك. بل من أراد أن يكون كبيرًا فيكم، فليكن لكم خادمًا".
إنّ مفهوم السلطة في الشرق لا يساعد على نشر ثقافة المغفرة!
ترتكز سلطتنا على كوننا رسلًا من خلال الشركة، التي تمتد إلى جميع أعضاء شعب الله (الكنيسة)، والكهنة والرهبان والراهبات، والعلمانيين، بغض النظر عن الجندر والطبقة الاجتماعيّة، متحدون في عمل الكنيسة، حتى لو كانت مسؤوليّة اتخاذ القرارات تقع على عاتقنا. هذا يفتح لنا آفاقًا جديدة، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها بلادنا. يجب أن يكون الأسقف قادرًا على قراءة علامات الأزمنة، وتقييمها على ضوء الإيمان، كما فعل الأنبياء والرسل في نشر الإنجيل، ولكي تصبح نداءات الله مصدر رجاء.
3. المرافقة الأبوية لمساعدينا، أي كهنتنا. تكمن المرافقة الأبويّة -وليست السلطويّة- كما يفعل الأب مع الأبناء، في معاملتهم معاملة إنسانيّة ومُحبّة، باحترام، وفي الحفاظ على كرامتهم، لكن يحققون الكاريزما الخاصة بهم بالدراسة، والتنشئة، وتقديس النفوس. من هنا تأتي الحاجة إلى تثقيف روحانيتهم وثقافتهم وعملهم الرعوي. من غير المقبول أن تكون هناك انقسامات: هذا هو الخطر الأكبر على وحدة الأبرشيّة والشهادة الكهنوتيّة. عندما يحدث هذا، يجب التعامل معه بدقة ووجهًا لوجه. ستظل الصعوبات والمشاكل موجودة دائمًا، كما في أيام الرسل، لكن يجب أن تصبح فرصًا لتنميّة المحبّة والصداقة وتقوية الثقة. الانضباط مهم لأن الاضطراب مدمّر.
4. أهميّة الدعوات الكهنوتيّة والرهبانيّة. يقوم مستقبل كنيستنا على الدعوات (الكهنوتيّة والرهبانيّة بجميع أنواعها). إنّه واجب على الأسقف أن يعطي الأولوية للدعوات.
5. الليتورجيا. يجب الالتزام بالقواعد التي وضعها سينودس الأساقفة الكلداني بخصوص هويتنا الشرقيّة الأصيلة. على الكاهن المحتفل أن يفهم أن الطقوس هي صلاة، وليست مجرد ممارسة جامدة ورتيبة؛ أي أن من يصلي يجب أن يعيش الطقوس. هذه الطقوس هي الاحتفال بحضور الله، وعلى الكاهن والمؤمنين اكتشاف ذلك والاستفادة من عمقه اللاهوتي. لذلك يجب التحضير للقراءات والترانيم والموسيقى والصلوات والعظات كما أشار إليه السينودس. بالتالي، أود أن أوجه انتباهكم إلى الحاجة إلى تشجيع كهنتنا الذين يخدمون في بلدان الشتات حتى يطوروا، بقدر ما يستطيعون، العلاقات مع الكنائس الرسوليّة الأخرى، وخاصة مع المسيحيين المهاجرين من العراق ودول الشرق الأوسط.
6. سيختفي مسيحيو العراق، وربما مسيحيو الدول الأخرى، قريبًا إن لم يطرأ تغيير في العقليّة، وفي السياسات الوطنيّة. إنّ الموروث الإسلامي يجعل من المسيحيين مواطنين من الدرجة الثانية، ممّا سمح بمصادرة ممتلكاتهم. هناك العديد من الأمثلة. يجب إعادة كتابة الدستور والقوانين بعيدًا عن المحسوبية والمحاباة، وبناء نظام ديمقراطي يقوم على المواطنة! في هذه الأوقات الصعبة، تتمثل مهمتنا في التعاون مع مواطنينا لخلق بيئة مواتية للعيش في احترام للتنوّع، والحق في المواطنة الكاملة، كما أكد على ذلك البابا فرنسيس في خطاباته خلال زيارته لبلدنا (5-8 أيار 2021)، لمساعدة شعبنا على الانفتاح نحو الرجاء، وتسليحهم بالإيمان لمواجهة التحديات بنفس شجاعة المسيح.