أنتوني زورشرمراسل أمريكا الشمالية
هل يعتقد دونالد ترامب ان الإسلام هو دين اصلا ؟
سؤال بسيط لا لبس فيه وجه الى سيباستيان غوركا، احد نواب مساعدي الرئيس الامريكي الجديد، في مقابلة اذاعية اجريت معه الاسبوع الماضي. ولكن اجابته لم تكن صريحة بأي حال من الاحوال.
قال غوركا "الأمر ليس نقاشا حول الاسلام وعما اذا كان دينا ام لا، الامر يتعلق بالارهاب الاسلامي المتطرف. نحن مستعدون ان نكون صريحين حول التهديد (الذي يشكله هذا الاسلام). لن نتجاهله كما فعلت ادارة أوباما."
ولكن هل الاسلام دين ؟
مضى غوركا للقول "اعتقد ان عليكم توجيه هذا السؤال له (ترامب)، ولكني استطيع القول إن هذا التشكيك يعد قراءة خاطئة لكل ما قاله (ترامب) في الاشهر الـ 18 الاخيرة."
ولكن نظرة متأنية لما ادلى به ترامب من تصريحات في تلك الفترة تزيد الأمر تعقيدا، وكذلك تفعل وجهات النظر التي يعبر عنها مستشارو الرئيس الجديد.
دأب ترامب على التحذير من المخاطر التي يشكلها "الارهاب الاسلامي المتطرف"، وهو موقف ينظر اليه كثيرون على انه انتقاد مباشر للرئيس باراك اوباما الذي رفض باصرار استخدام هذا التعبير.
وهاجم ترامب اوباما وهيلاري كلينتون بوصفهما "مؤسسي" تنظيم الدولة الاسلامية، كما تشاجر علنا مع والدي عسكري امريكي مسلم قتل في العراق. ودعا في مناسبات عدة الى فرض حظر مؤقت على دخول المسلمين الى الولايات المتحدة، كما دعا الى تأسيس قاعدة بيانات للمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة.
يقول منتقدون إن هذه السياسات والمواقف تشير الى ان معاداة الاسلام تقع في قلب فلسفة ترامب السياسية.
يقول خالد بيضون، الاستاذ في جامعة ديترويت، "من البداية الى النهاية، كشفت حملة 2016 الانتخابية عن ان مشاعر معاداة الاسلام ما زالت حية وقوية ومؤثرة سياسيا اكثر من اي وقت مضى. بالنسبة لترامب، لم يكن ذم المسلمين وتحميلهم مسؤولية افعال ليست لهم علاقة بها مجرد شعار انتخابي بل كان عبارة عن استراتيجية اعتمدها بنجاح."
ولم يفعل ترامب الكثير في اغلب الاحيان لتبديد هذا الاستنتاج، فقد قال في مقابلة اجريت معه في آذار م مارس 2016 "أظن ان الاسلام يكرهنا."
ولكنه اتخذ في مناسبات اخرى موقفا اكثر اعتدالا، داعيا للتفريق بين المسلمين بشكل عام والقلة من "الناس السيئين والخطرين" الذين يعتنقون ايضا الدين الاسلامي.
فقد قال في ايلول / سبتمبر 2016 "أحب المسلمين، واعتقد انهم بشر رائعون."
واذا كانت الادارة الامريكية هي انعكاس للزعيم الذي يجلس في المكتب البيضاوي، فلا ينبغي ان يفاجأ احد بأن آراء ترامب المتناقضة حول الاسلام تجد صداها في فريق المستشارين الكبار الذين عينهم والذين يحيطون به.
المعادون
يتمترس في خندق معاداة الاسلام في ادارة ترامب اولئك المسؤولون الذين يعتمدون اكثر الآراء التي عبر عنها الرئيس تطرفا.
من هؤلاء مستشار الأمن القومي مايكل فلين، والمستشار الاقدم ستيف بانون ووزير العدل المعين جيف سيشنز.
فعلى سبيل المثال، وصف فلين الدين الاسلامي بأنه "آيديولوجية سياسية تختبئ وراء الفكرة القائلة إنه معتقد ديني"، وهو الموقف الذي دفع الى توجيه الاسئلة الى غوركا في الاسبوع الماضي.
كما شبه فلين الدين الاسلامي "بسرطان خبيث"، كتب تغريدة قال فيها إن الخوف من المسلمين "خوف منطقي."
أما بانون، الذي كان يدير موقع برايتبارت الاخباري القومي قبل ان يعينه ترامب في موقع بارز في حملته الانتخابية، فوصف الاسلام بأنه "أكثر اديان العالم تطرفا"، وحذر من ان المسلمين يشكلون "طابورا خامسا هنا في الولايات المتحدة."
لا يتفق سيشنز - الذي يعد مهندس سياسات ترامب حيال الهجرة والمهاجرين - مع هذا الرأي كليا، ولكنه قال "هناك آيديولوجية سامة، آمل انها صغيرة جدا في صفوف المسلمين. لا يتفق معظم المسلمين مع هذه الافكار الجهادية والعنفية بالتأكيد، وينبغي علينا التوصل الى طريقة افضل للتفريق بينهما."
الواقعيون
بالتأكيد هناك مسؤولون في البيت الابيض لا يتفقون مع الآراء المذكورة آنفا. فوزير الدفاع جيمس ماتيس قال في معرض دفاعه عن ضرورة ان تدخل الولايات المتحدة في تحالفات مع العالم الاسلامي إن الجماعات الجهادية "ترتدي لباسا دينيا كاذبا."
وكان ماتيس، قبل انضمامه الى فريق ترامب، من الجمهوريين الذين عارضوا مقترح الرئيس الجديد بمنع دخول المسلمين الى الولايات المتحدة شأنه شأن نائب ترامب مايك بنس. وقال آنئذ إن المقترح المذكور "يسبب لنا ضررا كبيرا الآن، وهو يبعث برجات خطيرة الى النظام الدولي."
كما قال ماتيس اثناء جلسات الاستماع التي سبقت تعيينه في منصبه الوزاري إنه حارب جنبا الى جنب مع عسكريين امريكيين مسلمين.
من جانبه، أكد راينس بريبس، امين عام البيت الابيض الذي ينظر اليه على انه المنافس الاكبر لبانون في اسداء المشورة للرئيس، ان فكرة تسجيل اسماء المسلمين في قاعدة بيانات لن تنفذ، كما اعتمد خطا اقل حدة تجاههم بشكل عام.
فقد قال مرة "هناك بعض من اوجه ذلك المعتقد تسبب اشكالا، ولكنها لا تمثل المعتقد بشكل عام."
ليس النقاش حول موقف البيت الابيض تجاه المسلمين اكاديميا فحسب. ففي الدعاوى القضائية التي اقيمت من اجل الطعن في شرعية المرسوم الذي اصدره ترامب والذي منع بموجبه مواطني 7 دول اسلامية من دخول الولايات المتحدة، اشار مناوئو ترامب الى خطابه وخطاب مساعديه العدائي كبرهان على ان المنع المذكور موجه للمسلمين بشكل مناف للدستور الامريكي.
كان رؤساء امريكيون سابقون يحرصون على التأكيد على ان مشاكلهم ليست مع الدين الاسلامي، اذا كان فقط من اجل موازنة استخدامهم للقوة العسكرية في او ضد دول اسلامية.
فالرئيس جورج بوش الابن قال مباشرة عقب هجمات 11 ايلول / سبتمبر إن "وجه الارهاب لا يمثل الدين الاسلامي الحقيقي. هذا العمل لايمثل الاسلام. ان الاسلام هو السلام." ولكنه استتبع ذلك بغزو افغانستان والعراق.
كما ادلى الرئيس باراك اوباما بتعليقات مماثلة، إذ قال في احدى المناسبات "إنه من الضروري علينا ان نقف مع الغالبية العظمى من المسلمين الذين يسعون الى تحقيق نفس الاهداف التي نسعى اليها، النظام والسلام والثراء."
ولكن اوباما امر في عام 2016 بالقاء اكثر من 26 الف قنبلة على دول اسلامية منها سوريا والعراق وافغانستان وليبيا واليمن والصومال وباكستان.
لا يتمتع ترامب بنفس الدفاعات الخطابية التي كان يتمتع بها اسلافه في هذا المجال، ولذا سينظر الى افعاله كرئيس من خلال منظار التصريحات التي ادلى بها ومستشاروه في السابق.
كان الرد الغاضب على مرسوم منع دخول المسلمين نموذجا واحدا لذلك، ولكنه بالتأكيد لن يكون النموذج الأخير.
نقلا عن البى بى سى