بقلم دانيال بايبس
المصنف الإنجليزي الأصلي: The Rise of Western Civilizationism
ترجمة: محمد نجاح حسنين
يزيد فوز فيكتور أوربان الساحق في الانتخابات البرلمانية يوم الأحد، وحصوله على 134 مقعداً من أصل 199 في البرلمان المجري، من أغلبيته الحاكمة ويدعم سياسته الصارمة في استبعاد المهاجرين غير الشرعيين، وخاصةً من هم من الشرق الأوسط. ويصور نجاحه واقعًا جديدًا عبر أوروبا وفي أستراليا: حيث برز نوع جديد من الأحزاب، مما أزعج المشهد السياسي وأثار الجدل العنيف.
تشمل الأمثلة على هذه الظاهرة الأعضاء الثلاثة الآخرين لمجموعة فيسيغراد (بولندا والتشيك وسلوفاكيا) بالإضافة إلى حكومة النمسا التي يبلغ عمرها أربعة أشهر. ويرى جريت فيلدرز، زعيم حزب الحرية في هولندا، أوروبا الغربية في أعقاب مجموعة فيسيغراد: "في الجزء الشرقي من أوروبا، تشهد الأحزاب المعادية للأسلمة والمناهضة للهجرة زيادةً في الدعم الشعبي. وتنمو المقاومة في الغرب أيضاً".
في فرنسا، برزت الجبهة الوطنية باعتبارها ثاني أقوى حزب في الانتخابات الرئاسية في العام الماضي، وفي إيطاليا يمكن أن يؤدي الوضع المشوش إلى حكومة تشبه حكومة أوربان، في حين أن حزب كوري برناردي المحافظ وحزب أمة واحدة الذي أسسه بولن هانسون قد تركا بصماتهما على المشهد الأسترالي. في الواقع، سرعان ما أصبحت الأحزاب ذات التفكير المماثل قوةً كبيرةً في حوالي عشرين دولة.
مقاعد الانتخابات العامة فازت بها الأحزاب الحضارية في أوروبا.
تكمن المشكلة المبدئية في كيفية تسميتهم بشكل عام. حيث تعمل وسائل الإعلام على كبح جماح هذه الأحزاب في ظل التجاهل المتكرر من اليمين المتطرف للعناصر اليسارية، خاصة في السياسة الاقتصادية والاجتماعية. وتعد تسميتهم بالقوميين أمر خاطئ، لأنهم لا يسعون للدعوة إلى السلاح ولا يثيرون المطالب بشأن أراضي الجيران. ويفتقد الشعبويون هذه النقطة لأن الكثير من الأحزاب الشعبوية مثل حزب (فرنسا الأبية) تتبع سياسات عكسية تقريبا.
الأفضل هو التركيز على العناصر المشتركة الأساسية: رفض التدفق الهائل للمهاجرين وخاصةً المهاجرين المسلمين. حيث يتسبب المهاجرون غير المسلمون في توترات، خاصةً القادمين من إفريقيا، ولكن يجد المرء بين المسلمين، دون غيرهم برنامجًا، وهو البرنامج الإسلاموي، ليحل محل الحضارة الغربية بأسلوب حياة مختلف جذريًا. وتعد هذه الأحزاب من الأحزاب التقليدية مع وجهة نظر مؤيدة للمسيحية، مؤيدة لأوروبا ومؤيدة للغرب. إنهم متحضرون. (لهذا التعريف أيضًا ميزة استبعاد أحزاب مثل حزب الفجر الذهبي النازي الجديد في اليونان، الذي يحتقر الحضارة الغربية التقليدية).
يتفاعل الرأي المستنير بشكل عام مع الذعر نحو الأحزاب الحضارية، وليس بدون سبب ولكن لأنهم يحملون الكثير من الأثقال. فالبعض لديهم أصول موضع شك. إن الأحزاب المتحضرة، التي يتألف معظمها من المبتدئين السياسيين الغاضبين، تتميز بأعداد مفزعة من المتطرفين المناهضين لليهود والمسلمين، ومحبي النازيين، والسواعد المتعطشة للسلطة، والأوغاد الاقتصاديين، والمُحرفين التاريخيين، ومُنظري المؤامرة. وبعض وجهات النظر المناهضة للديمقراطية، والمناهضة للاتحاد الأوروبي، والمشاعر المعادية للولايات المتحدة. وهناك عدد كبير للغاية - وخاصةً أوربان - يحبون الديكتاتور الروسي فلاديمير بوتين.
بوتين (إلى اليسار) وأوربان يتحدثان بوِد.
كما تجلب الأحزاب المتحضرة منافع هامة على الساحة السياسية: الواقعية والشجاعة والمثابرة والنقد الحضاري الضروري إذا كان للغرب أن يبقى في شكله التاريخي. لذلك، وعلى عكس العديد من الأصدقاء والحلفاء، فإنني أؤيد العمل مع معظم الأحزاب الحضارية، التي تدعو إلى التعاون في الأمور المهمة بدلاً من الرفض والتهميش.
وتقود أربعة أسباب هذا القرار: أولاً، تشكل الأحزاب المدنية خطرًا أقل من خطر الإسلامويين. فهم تقليديون ودفاعيون. وهم ليسوا عنيفين، فهم لا يسعون للإطاحة بالنظام الدستوري. وأخطائهم قابلة للتصحيح. ويمكن القول أنهم أقل خطورةً حتى من الأحزاب المؤسسية التي سمحت بالهجرة والتهرب من التحديات الإسلاموية.
ثانياً، تستجيب تلك الأحزاب للحقائق السياسية. حيث ألهم إغراء السلطة بالفعل بعض الأحزاب الحضارية حتى تنضج وتعتدل، على سبيل المثال، تم فصل مؤسس حزب الجبهة الوطنية في فرنسا من حزبه من قبل ابنته بسبب معاداته المستمرة للسامية. ويستلزم هذا النوع من التطور معارك بين الأفراد، وانقسامات حزبية، ومآسي أخرى. وعلى الرغم من قسوة الأمر إلا أنه جزء من عملية النمو، لذا فهو يلعب دوراً بناءً. ومع اكتسابهم الخبرة الحاكمة، سوف تتطور الأحزاب وتنضج.
ثالثًا، لا يمكن تجاهل الأحزاب التي تركز على الحضارة باعتبارها زائلة. لقد ظهرت بسرعة وشعبيتها ترتفع بشكل مطرد لأنها تمثل مجموعةً كبيرةً ومتناميةً من الرأي. ومع اقترابها من السلطة بلا هوادة؛ فمن الأفضل إشراكها وإدارتها بدلاً من استنكارها والنفور منها.
أخيراً، والأهم من ذلك، أن الأحزاب المتحضرة لها دور حيوي في طرح قضاياها في المقدمة: فبدونها، تتجاهل الأحزاب الأخرى عادةً تحديات الهجرة والإسلامويين. وتميل الأحزاب المحافظة إلى التغاضي عن هذه القضايا، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن داعميهم من كبار رجال الأعمال يستفيدون من العمالة الرخيصة. كما أن الأحزاب اليسارية في كثير من الأحيان تعزز الهجرة وتغض الطرف عن الإسلاموية.
تفتقر بريطانيا العظمى إلى حزب حضاري لأن نيجل فراج قرر أن حزب استقلال المملكة المتحدة لن يتعامل مع الهجرة والإسلاموية.
ولتقدير دور الأحزاب الحضارية، على النقيض من بريطانيا العظمى والسويد، فإن الدولتين الأوروبيتين هما أكثر تراخيًا في التعامل مع الأشكال العنيفة والعدوانية الإجرامية من الإسلاموية. وفي غياب مثل هذا الحزب، لن يتم التطرق إلى هذه القضايا في بريطانيا العظمى، وتحرز الهجرة والاسلامويين تقدماً دون عوائق تقريباً. وربما يقدم رؤساء الوزراء تحليلات ممتازة، لكن كلماتهم تفتقر إلى النتائج العملية وتبقى مشاكل مثل عصابات الاستمالة الجنسية دون حل.
في المقابل، لأن الحزب الحضاري في السويد، وهو حزب ديمقراطيو السويد، ضاعف من أصواته كل أربع سنوات منذ عام 1998، فقد غيّر جذرياً سياسات البلاد حتى أن الكتل اليمينية واليسارية في البلاد تحالفت ضده. وبينما نجحت هذه المناورة في استبعاده من السلطة، فقد حدثت بعض التغييرات في السياسة بالفعل، وربما يكون هناك المزيد، وخاصةً كحزب محافظ، أثار المعتدلون فكرةً لا يمكن تصديقها حتى الآن بشأن التعاون مع ديمقراطيو السويد.
يشير هذا إلى تأثير آخر: أن وجود حزب حضاري آخذ في الاتساع يضغط على الأحزاب القديمة اليمينية واليسارية على حدٍ سواء. وتتبنى الأحزاب المحافظة، بدافع خشيتها من فقدان الأصوات الداعمة للأحزاب الحضارية، سياسات للحفاظ على دعمهم. وقد تحرك الحزب الجمهوري في فرنسا بحدة في هذا الاتجاه، أولاً تحت قيادة فرانسوا فيون والآن تحت رئاسة خليفته لوران فاكويز. وانسحب الحزب الديمقراطي الحر في ألمانيا من مفاوضات "جامايكا" لنفس هذا السبب. وقد تظل أنجيلا ميركل مستشارةً ألمانيا، لكن وزير الداخلية، هورست سيهوفر، يبذل قصارى جهده لتطبيق سياسات المتحضرين.
بدأت الأحزاب اليسارية في الإحاطة بالناخبين الذين فقدتهم، لا سيما أولئك العمال الذين أصبحوا في الخطوط الأمامية اقتصادياً وثقافياً. وقاد الحزب الاشتراكي الديمقراطي الدنماركي الطريق عندما أعلن زعيمه، ميتي فريدريكسن، "نريد أن نضع حداً أقصى لعدد الأجانب غير الغربيين الذين يمكنهم القدوم إلى الدنمارك" وقدم خطةً مفصلةً، إن لم تكن خرقاء. وسيقيم الحزب مراكز استقبال خارج أوروبا.
مهاجرون في بودابست، في المجر، في عام 2015.
إنني أعترف بأخطائهم العديدة، لكن الأحزاب التي تركز على الهجرة والإسلاموية ضرورية لأوروبا كي لا تصبح امتداداً لشمال أفريقيا بل لتظل جزءاً من الحضارة الغربية التي أنشأتها. إن إثارتها لقضايا الهجرة والإسلامويين يعوض عيوبها. ويقودني هذا التقييم إلى التشجيع على التعاون مع الأحزاب الحضارية، بدلاً من التحايل المروع عليهم. فمن واقع تجربتي، هم منفتحون للنقاش والتعلم؛ كما أن لديهم شيئاً يعلمونه لغيرهم. على سبيل المثال، يركز حزب آن ماري ووترز "من أجل بريطانيا" على القانون الإسلامي، أو الشريعة، مما يضفى مزيدًا من الوضوح على المشكلات المعقدة.
نعود إلى فيكتور أوربان: على الرغم من عيوبه الخطيرة كزعيم ديمقراطي وتوافقه مع بوتين، إلا أن نجاحه الانتخابي يشير إلى قلق حقيقي وشرعي في المجر بشأن الهجرة والأسلمة، لا سيما في أعقاب الطفرة التي حدثت في كل منهما في عامي 2015-2016. حيث يتصدر أوربان، لكن البعض الآخر لم يتخلف كثيراً. أتوقع خلال عشرين عاماً، أن تكون الأحزاب الحضارية في الحكم على نطاق واسع؛ ولا يقل أهميةً عن ذلك، أن سياساتهم ستكون قد أثرت على منافسيهم المحافظين واليساريين. وسيكون من الحماقة محاولة تجاهل أو نبذ هذه الحركة، ولكن الأفضل بكثير التهدئة والتثقيف والتعلم منها.