كريمة كمال
ما جرى ومازال يجرى فى الأسبوع الماضى لا يجدى معه ولا يفلح معه سياسات التهوين من الأمر.. ما جرى للأقباط فى العريش ليس تمييزا ضد الأقباط سواء من الدولة أو من المجتمع كما اعتدنا سنوات طوال.. ما جرى فى العريش للأقباط هو مثيل لما جرى لمسيحيى العراق، هو تطهير مذهبى، هو بلا أى مواربة ولا محاولة إفلات من التوصيف هو قتل على الهوية.. ما جرى ويجرى مرعب إلى أقصى حد.. هو لا يطول الأقباط وحدهم لكنه يطول أيضا الدولة المصرية فى سيناء.. هذه النقلة النوعية فى الصراع الدائر فى سيناء تعنى أن من يحاولون السيطرة على الأرض يخلون هذه الأرض من غير المسلمين.. تعنى أنهم يخطون خطوة جديدة نحو تشكيل مجتمع هذه الأرض بما يتفق مع ما يريدونه لها أن تكون، دولة إسلامية صرف، لذا إذا ما خرجت علينا وزيرة الهجرة لتقول لنا إن نقل المواطنين الأقباط من العريش هو إجراء احترازى للسيطرة على الإرهابيين فإننا لا يمكن أن ننكر حقيقة ما جرى من أن هؤلاء «المواطنين» قد تم قتلهم وحرقهم، وجاءت الرسالة واضحة «دمك حلال لنا إن لم ترحل». فروا بملابسهم فقط فقد تم استهداف من يحملون أى متعلقات حقائب سفر أو أثاث، بل تم استهداف من يقدم لهم أى مساعدة بل حتى السيارات التى يمكن أن تنقلهم.. هل هذا إجراء احترازى أم تراجع أمام من يسيطر على الموقف؟
مقالات متعلقة.
لذا فإذا ما خرجت علينا وزيرة التضامن بقولها لمسيحيى العريش فى ملجأهم فى الإسماعيلية «اعتبروا نفسكم فى رحلة للإسماعيلية» فإن علينا أن ندرك أن محاولة التهوين من الأمر تزيد من الغضب ولا تقلل منه تماما، كمحاولة الحديث الآن عن العودة القريبة، فهى إن كشفت عن شىء فهى تكشف عن محاولة بائسة لتصوير الأمر بأقل من فداحة حقيقته، ولتدرك الوزيرة مدى هذه الفداحة أقول لها إن ما جرى فى العريش قد أقلق المسلمين على مدى سيطرة الدولة، أما الأقباط فإن معظمهم قد استكانوا لفكرة فى نظرى قاتلة، وهى كما قالت إحدى الهاربات من جحيم الذبح والقتل والحرق «لقد أصبحنا نعيش على يقين أن الكنيسة هى كنيسة شهداء، وأن من يموتون ضحايا هم شفعاء لنا فى السماء»، هذا الاستسلام المرعب واللجوء للتمسك بالسماء هو ما يكشف قدر تضاؤل الأمل فى نفس كل قبطى فى حادث تلو الآخر حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من قتل على الهوية.. الأمر مرعب إلى أقصى حد، ولكى نعطى مجرد لمحة أكتب ما نشره «مينا ثابت»، الباحث على الفيس بوك، حيث قال (نقدر جهود الأصدقاء والإعلاميين والصحفيين، ولكن برجاء ملاحظة خطورة موضوع إظهار هوية الضحايا والعائلات المهاجرة، واحد من الأسر عمل مداخلة مع قناة وفى النص ذكر تفصيلة عن محل سكنه، والنهارده الإرهابيين راحوا بيته ودوروا عليه وأهالى العمارة «مسلمين» كانوا فى منتهى الرعب لأنهم خايفين من حرق العمارة كلها، أرجوكم راعوا حياة الناس(.
كل هذه التصريحات لا تجدى فى تهوين الأمر، مثلها مثل التصريحات التى خرجت لتقول «لم نقل لهم اخرجوا» وكان المطلوب أن يبقوا ليقتلوا ويذبحوا ويحرقوا.. الأمر مرة أخرى ضحاياه الأقباط هذا حقيقى، لكن تدفع ثمنه الدولة من هيبتها، لذا أقول للدولة المصرية بكل مؤسساتها ألا يجب أن ندرك الآن أننا كلنا نواجه عدوا شرسا يجب أن نتكاتف فى مواجهته جميعا؟ ألم يحن الوقت لتركز الدولة كل قوتها لمواجهة هذا الخطر بدلا من أن تشتت قوتها فيمن يحمل يافطة أو من يعارض لتسجن هذا وتخرس ذاك؟ ما يجرى فى العريش حرب تزداد ضراوة يوما بعد يوم، وهى العدو الحقيقى الآن وليس من تخترعهم آلة النظام الإعلامية كل يوم لنا من أعداء، فهل آن الأوان لنكف عن اختراع أعداء وهميين ونلتفت للعدو الحقيقى؟
قالت إحدى النازحات «رسموا السيوف على البيوت فتركناها لهم بكل ما فيها» فهل نصر على ما نحن فيه حتى يأتى اليوم الذى نتركها كلها لهم بكل ما فيها؟.