تسفي برئيل
الشرطي الذي دفع بعنف مريم شريات مدري، الطالبة التي تبلغ 32 سنة في علوم الحاسوب في جامعة أمير كبير في طهران، تم تخليده في لافتات ملونة وفي افلام قصيرة في اليوتيوب. هذا الشرطي والطالبة هما الآن رمزا ثورة النساء في إيران. في الصورة يظهر الشرطي وهو يقوم بضرب الطالبة التي تجرأت على رفع الغطاء عن رأسها، والتلويح به مثل العلم، بعد ذلك قام بضربها، لكن الجمهور الذي وقف حولها قام بحمايتها إلى حين تم ادخالها إلى سيارة لنقلها إلى مستشفى من اجل العلاج.
شريات مدري لم تصل إلى المستشفى. فالسيارة التي أقلتها اوقفت من قبل الشرطة على بعد امتار من موقع الحادثة وتم اعتقال الطالبة في المعتقل المركزي في طهران، دون علاج طبي ودون السماح لها برؤية المحامي. فقط في يوم الاربعاء الماضي بعد نحو اسبوعين من اعتقالها تم اطلاق سراحها بكفالة بلغت 5 آلاف دولار. بلدية طهران سارعت إلى الاهتمام بالتصعيب على النساء الاخريات تقليد شريات مدري.
حدادون سريعون قاموا بصنع ادوات لاستخدامها في تحويل الخزائن الفولاذية الموضوعة في الشوارع والتي تستخدم لموزعات الهواتف والكهرباء، إلى منصات للمتظاهرين ضد فرض ارتداء الحجاب. وستقدم ضد شريات مدري كما يبدو لائحة اتهام مشددة تستند إلى المادة في القانون التي تحظر على تنفيذ اعمال غير اخلاقية أو الزنا. اذا تمت ادانتها فيتوقع أن يحكم عليها بعقوبة شديدة تصل إلى عشر سنوات، وهي عقوبة تساوي عقوبة ادارة بيت للدعارة.
نضال النساء الإيرانيات ضد ارتداء الحجاب يجري الآن اساسا في الشبكات الاجتماعية تحت عنوان «بنات شارع الثورة» على اسم احد الشوارع الرئيسية في طهران. سوية مع عنوان تويتر «ماذا كنت سأفعل لو كنت هناك»، الذي يشارك فيه رجال ونساء يذكرون بالتفصيل كيف كانوا سيتصرفون لو كانوا في الاماكن التي قامت فيها الشرطة بالتنكيل بالنساء المتظاهرات. هذه الحسابات التي تستخدم منصة لكتابة الانتقادات اللاذعة على سياسة الشرطة تخلق الفضاء العام البديل وتجمعات الاحتجاج التي تحاول تجنيد المشاركين في النشاطات العامة ضد النظام واثارة ردود الفعل في الغرب، الذي حتى الآن بقي صامتا، على الاقل في المستوى الحكومي. حقوق الانسان بشكل عام وحقوق النساء بشكل خاص لا تقف على رأس سلم الاولويات للرؤساء ورؤساء الحكومات في الاتحاد الاوروبي، ولا سيما في الولايات المتحدة. الذرة والصواريخ والتدخل في سوريا والإرهاب، هذه يمكنها أن تؤدي إلى فرض عقوبات على إيران، وليس الاعدام بالجملة أو اعتقال نشيطات ضد ارتداء الحجاب.
يوم المرأة، قصة غربية
احتجاج النساء في إيران لم ينتظر الموعد الرسمي ليوم المرأة العالمي. فكل يوم هو يوم مناسب للاحتجاج. في كل يوم يتجدد النضال لتحرير المعتقلات السياسيات. يبدو أنه حسب رأي النساء الإيرانيات فان يوم المرأة العالمي هو «قصة غربية»، للواتي حقوقهن مضمونة، أو على الاقل نضالهن يحظى برعاية القانون والجمهور، مقابل النساء في إيران اللواتي يعرضن حريتهن وحياتهن للخطر في هذا النضال.
صحيح أن النساء في إيران يمكنهن قيادة السيارات والعمل في معظم المهن وحتى لهن متنزهات خاصة، إلا أن مكانتهن القانونية مثل نصيبهن في الميراث والحق في اصدار جواز سفر مستقل أو القدرة على الحصول على الطلاق، كل ذلك بعيد عن الوضع في الغرب. ومع ذلك، بالتحديد الحجاب، وليس الحقوق الاساسية، تحول إلى مركز النضال، بالضبط مثل طموح النساء في السعودية للحصول على رخصة القيادة، وليس الحاجة إلى الحصول على إذن من الوصي الذكر من اجل السفر إلى الخارج، أو عدم القدرة على العمل في معظم المهن، تطور ليصبح رمزا للنضال. النتيجة هي أن التنازل من جانب النظام عن رموز السيطرة على النساء، وليس تغييرات قانونية، هو الذي اعتبر في الغرب خطوة للامام وحسن نية وعملية نحو الديمقراطية والتنور.
هكذا مثلا حظي ولي العد السعودي محمد بن سلمان بالثناء الكبير من زعماء في الغرب بسبب الغاء الحظر على قيادة النساء والذي سيدخل إلى حيز التنفيذ في شهر حزيران القادم.
هذا في الوقت الذي فيه مكانة المرأة في السعودية ما زالت من الأدنى في الدول الإسلامية. فقط في السنة الماضية سمح للنساء بالعمل كمساعدات للمحامين. والسماح لهن بالعمل في محلات بيع الملابس النسائية اعتبر انجازا وبرهان على الليبرالية.
مؤخرا عندما استبشرت النساء في السعودية أنه يمكنهن الوصول لمشاهدة المباريات في ملاعب كرة القدم وحتى التجند لوظائف محدودة في الجيش، احتفلوا في المملكة والاصدقاء في الغرب بالانفتاح المدهش الذي اظهره ولي العهد السعودي. ولكن حقيقة أن المرأة في السعودية المتزوجة من غير سعودي لا يمكنها منح اولادها الجنسية السعودية، أو يتم سحب حقوقها عند الطلاق، لا يتم طرحها اطلاقا للنقاش في اللقاءات بين كبار السياسيين في الغرب وبين القيادة السعودية.
يناضلن على الجوهر
في تركيا الصورة تتغير. فمكانة المرأة فيها ليست نموذجا لليبرالية، بل الامر أبعد من ذلك. في العام 2017 تم قتل 409 نساء على أيدي اقاربهن الرجال (مقابل 328 في 2016). هذه ليست معطيات رسمية لأن الحكومة لا تقوم بنشر توزيع حالات القتل. المعطيات التي توجد والتي جمعت من قبل المنظمات النسائية والتي تبادر في كل مرة إلى القيام بمظاهرات احتجاج ضد العنف في العائلة، آخرها التي جرت في هذا الاسبوع في انقرة وتم تفريقها بعنف من قبل الشرطة التي اعتقلت على الاقل 15 امرأة. المظاهرات، حتى لو كانت من اجل حقوق المواطن، محظورة في تركيا استنادا إلى انظمة الطواريء التي تم تفعيلها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز 2016. ولكن مقابل رموز النضال في السعودية وفي إيران، سياقة السيارات وارتداء الحجاب، ففي تركيا النضال هو على الجوهر وليس على الرموز.
صحيح أن تركيا توجد في المكان الاول من حيث عدد الشركات التي وقعت على وثيقة المباديء للامم المتحدة، التي تؤيد تعزيز النساء، إلا أن النساء يسيطرن على 28 في المئة من قوة العمل، حوالي 19 في المئة منهن يعملن بوظيفة جزئية. تركيا ملزمة بالمساواة في مكانة المرأة حسب المعايير التي يضعها امامها الاتحاد الاوروبي كشرط لقبولها في الاتحاد. لكن النساء في تركيا يجدن صعوبة في الطلاق من ازواجهن حتى لو عانين من العنف في البيت.
حسب التوجيهات المقبولة في المحاكم فان الازواج قبل الطلاق يطلب منهم اجتياز عملية فحص ونفقة لمدة عشر سنوات، وكل ذلك من اجل منع النساء من طلب الطلاق. وفي نفس الوقت رئيس الحكومة يشجع النساء على انجاب ثلاثة اولاد على الاقل ومن الافضل خمسة. وفقط هناك وزيرة واحدة في الحكومة التركية، وزيرة الشؤون العائلية. وحتى لأن النساء يشكلن حوالي نصف طاقم التعليم والطلاب في الجامعات، فقط في ثلاث جامعات من بين 111 جامعة، تتولى المرأة وظيفة عميد. في بعض الجامعات لا توجد نساء بدرجة بروفيسور. وضع مشابه يوجد ايضا في البرلمان، في الطاقم الدبلوماسي الاعلى، وفي مجالس الادارة في المؤسسات. «مكان المرأة هو في البيت، ووظيفتها هي الخضوع لزوجها»، كتب في كتاب للتعليم في تركيا عن حياة النبي محمد. عن المطالبة بابعاد الكتاب من المنهاج التعليمي، رد وزير التربية والتعليم إسمت ألمظ بأن الامر يتعلق بدرس اختياري، وأن الوالدين هما اللذان يختاران هذه الدروس. في المقابل اغلقت الحكومة موقع للتعارف يستهدف الرجال الذين يبحثون عن زوجة ثانية.
الفرق بين تركيا والسعودية وإيران يكمن في نوعية العلاقة بين النظام والمواطنين، ولا سيما مع المواطنات. صحيح أن تركيا ليست نموذج للديمقراطية، حتى لو أنها تجري انتخابات ديمقراطية وتعرض نفسها كدولة تلتزم بالمواثيق الدولية. ولكن السعودية في المقابل لا توجد فيها اجراءات ديمقراطية، وحكم الملك تقريبا مفهوم من تلقاء نفسه. تركيا تعتبر نفسها دولة علمانية، رغم أن الرئيس اردوغان يسعى إلى تعزيز روح الدين في الدولة رغم أنه لا يطمح لاعطاء قوة اكبر للمؤسسات الدينية. وتوجد له تفسيرات اصلية لجوهر الديمقراطية، لا سيما في كل ما يتعلق بحرية التعبير وفصل السلطات. ولكن ايضا في الاقسام العلمانية من السكان فان مكانة المرأة ليست مزدهرة.
مقاربة النظام في إيران تخلق مزج بين المقاربة التركية والمقاربة السعودية، ولكن في إيران بالتحديد أثبتت النساء قوتهن السياسية عندما حسمن باصواتهن انتخاب الرئيس. هكذا كان في فترة الرئيس محمد خاتمي وحسن روحاني. هذه الفوارق في اسلوب النظام لا تحول آراء اولئك الموجودين في الغرب الذين يحكمون بأن الدين وحده يملي مكانة المرأة وليس النظام. حسب هذا الحكم المشوه كان يجب أن تكون مكانة المرأة في كل الدول الإسلامية متشابهة. واليكم دولة مثل تونس، التي تمنح حقوق بعيدة المدى للنساء. وفي المغرب تجذرت اصلاحات هامة منحت المرأة حقوق كثيرة ابعد مما هو مقبول في اغلبية الدول الإسلامية. وفي سوريا التي قبل الحرب كانت للمرأة فيها مكانة محترمة، سواء في مؤسسات حزب البعث أو في اجهزة النظام. وفي تركيا والباكستان شغلت المرأة منصب رئاسة الحكومة.
على الرغم من الممارسات المميزة ضد النساء في اغلبية الدول العربية، فان معظم هذه الدول اهتمت بسن قوانين فيها مكانة المرأة مساوية لمكانة الرجل. أي أمر مظهري مهم في نظر هذه الانظمة. الفرق الاساسي هو في الممارسة والتطبيق، التي تستند إلى تقاليد وعادات يتم تغطيتها بغطاء مقدس من الدين. من هنا الاهمية الكبيرة لنضال النساء لتحسين مكانتهن لأنهن في نشاطاتهن يوضحن أن هذا نضال له احتمال للنجاح لكونه نضال سياسي وليس ضد الدين.
هآرتس 9/3/2018