نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس ألقى أمس أحد الخطابات الصهيونية جدا التي ألقيت في يوم ما في الكنيست، بالتأكيد من قبل سياسي أجنبي. بالنسبة لأغلبية الإسرائيليين الخطاب تبنى الرواية الصهيونية من دون زيادة أو نقصان، وطرح دعما أمريكيا غير مشروط لكل القرارات التي اتخذتها إسرائيل. وبالنسبة ليهود ومسيحيين مثل بنس نفسه فإن الخطاب كان حسب رأيه حلمًا تحقق، مسرعا لقدوم المسيح ويوم القيامة. وبالنسبة للفلسطينيين، كم هذا غير مفاجئ، الأمر يتعلق بصفعة أخرى، ذنب التجاهل أضيف إلى جريمة الاعتراف بالقدس، مبرر آخر لتخلي محمود عباس عن إدارة ترامب، ومحاولته العقيمة أمس في بروكسل لإيجاد بديل دُولي آخر.
في أثناء انتقاده للفلسطينيين لأنهم غابوا عن طاولة المفاوضات، عرض بنس نظرية صهيونية مرتبة حول الحقوق الدينية والتأريخية لليهود في أرض إسرائيل، وكأن الفلسطينيين لم يوجدوا في أي يوم. لقد عبر عن تأييده تماهيه مع «الثمن الفظيع» الذي اضطرت إسرائيل لدفعه في الحروب، لكن الاحتلال الذي مر عليه نصف قرن لم يذكره، ولا نريد التحدث عن المعاناة التي يسببها. لقد دفع ضريبة كلامية لعملية السلام لكنه أوضح أن الولايات المتحدة في عهد ترامب لن تتخذ أي موقف خاص بها في أي موضوع يتعلق بالحل الدائم، ومن المعروف أن الفلسطينيين يمكنهم نسيان أن الولايات المتحدة ستضغط على إسرائيل من أجل التنازل. عندما اعترف بالقدس، قال بنس، فإن ترامب فضل «الواقع على الخيال»، وهذا ادعاء يمكن بسهولة أن يبرر أيضا الدعم الأمريكي لضم يهودا والسامرة لاحقًا.
ما هو الغريب في أن بطلي الدبلوماسية المؤيدة للاستيطان، السفير رون ديرمر والسفير ديفيد فريدمان، راقبا من الشرفة برضا ما يقوم به البطل المسيحاني الخاص بهم. وما هو الغريب في أن التحالف القوي بين الأمريكيين المسيحانيين والصهاينة المتدينين والمستوطنين والرافضين للفلسطينيين مهما كانوا، قد احتفل بأجمل ساعاته. فرسان السيف والتوراة، مثلما سمت برباره توخمان كتابها عن إزهار الصهيونية.
لقد حدث في بريطانيا العظمى ـ استولوا أولا على مكتب رئيس الحكومة في القدس، وبعد ذلك البيت الأبيض في واشنطن وأخيرا قاموا بتحطيم الفلسطينيين.
في الأساس كان هذا يوم عيد لنتنياهو، الذي تجول كعريس في هودجه متفاخرا بعروسه الجميلة ومهرها السخي بعد سنوات من المعاناة في ظل رؤساء ديمقراطيين لم يتفقوا معه، وحتى لم يتحملوه، فان نتنياهو حظي أخيرا بالراحة والإرث لدى إدارة عدوانية محافظة، رأيها بالمسلمين أسوأ منه. لقد توصل إلى ثنائية كاملة من جهته. الولايات المتحدة وإسرائيل ضد كل العالم، وهناك من يصفونها بالعزلة غير الحذرة المحاطة بالأخطار. في الوقت الذي تلاحقه التحقيقات في الشرطة والحوانيت المغلقة في أيام السبت تُضعضع قاعدته، فإن نتنياهو يمكنه الادعاء بهدوء أنه حقق انتصارا تأريخيا على اليساريين الذين تنبأوا له منذ سنوات بالهزيمة السياسية والأيديولوجية. برحابة صدره، مكن أمس بنس من استخدام منصة مقر رئيس الحكومة من أجل مهاجمة اليسار في بيته، لِمَ لا، فكلهم يساريون.
بنس لم يتحدث بشكل جيد فقط، بل أحضر معه البسكويت الجيد، الذي أثار جمهور مشجعيه. لقد خلق أنباء عندما أعلن أن السفارة الأمريكية ستنقل إلى القدس حتى نهاية السنة المقبلة. وقد صادق على أنباء قديمة مرغوبة جدا على نتنياهو عندما قال إن ترامب لن يصادق على الاتفاق النووي «الكارثي»، بالطبع مع إيران. حتى أن بنس كتب فصلا جديدا في التأريخ المزيف عندما ادعى أنه لم يكن هناك أي رئيس عمل من أجل العلاقة بين الدولتين مثل ترامب، وهذا تصريح تعتبر كلمات «مبالغة وحشية» صغيرة عليه.
من خلال اعترافه بالقدس، هكذا يمكننا أن نفهم، فإن ترامب عتم على اعتراف ترومان بإسرائيل وعلى السلاح الدفاعي لكنيدي والسلاح الهجومي لجونسون والقطار الجوي لنكسون والسلام مع مصر لكارتر والتحالف الاستراتيجي لريغان واحتلال العراق لبوش الأب والسلام مع الأردن لكلينتون والدعم القوي لبوش الابن والدعم بعيد المدى لبراك أوباما. في عالم الوهم والتغريدات لولاية ترامب، الذي يصفه نتنياهو بفارس الشعب اليهودي من دون الانفجار من الضحك، أيضا هذا يمكن أن يظهر منطقيا.
الائتلاف صفق لبنس باطمئنان وبحق: خطابات مشابهة وربما أقل حدة كانت ستسمع ايضا في مركز الليكود والبيت اليهودي. بالنسبة للمعارضة، في المقابل، لم يكن لديها خيار سوى الابتسام والتصفيق وكأنهم مسرورون، برغم أن أعضاءها فهموا جيدا قيمة الهدية السياسية التي منحها بنس لنتنياهو والاحتمال الآخذ في التلاشي لتجديد العملية السلمية في المستقبل القريب.
فقط هؤلاء العرب مرة أخرى لم يعرفوا كيف يجلسون بهدوء واحترام الرئيس الأكثر عدائية لشعبهم من بين جميع الرؤساء، لهذا تم طردهم من الكنيست في اللحظة التي رفعوا فيها لافتات كتب عليها إن القدس عاصمة فلسطين. يبدو أن أحدا في مكتب رئيس الكنيست لم يفكر كما يبدو بأن الطرد المتلفز لأعضاء الكنيست العرب فقط لأنهم تجرأوا على رفع اللافتات، سيتم النظر إليه في أرجاء العالم كتصديق لكل الادعاءات التي يطرحونها ضد إسرائيل، ديمقراطيتها الانتقائية وتعاملها مع الفلسطينيين أينما وجدوا. فقط بسبب هذه الحادثة يجب ضخ عشرات ملايين الشواقل لمكتب جلعاد اردان من اجل اجتثاث الغرباء الذين يريدون استغلال ذلك من اجل دعاية رخيصة.
هل خطاب بنس سيتم تذكره كما عرض أمس كنقطة ذروة في العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة ونقطة انعطاف إيجابية للمستقبل، أو حصة أخرى في ماراثون الغباء الذي يشارك فيه الفلسطينيون وإسرائيل منذ العودة إلى صهيون؟ الأيام ستقول ذلك.
المؤمنون المتعصبون بأن بنس هو الآن بطلهم، وفي المقابل لا يجب عليهم الانتظار. لا توجد لديهم شكوك. لو تجرأوا أمس بشكل أكبر لكان يمكنهم تخيل الفرسان الأربعة في يوم القيامة، أو «الترامبو كلبسة»، على اسم أحد الكتب حول الإدارة ـ الذين يطوقون الكنيست في نهاية الخطاب، بعد ذلك سماع الأبواق السبعة التي تبشر بقدوم المسيح، كما ثبت في رؤيا يوحنان، وفي النهاية الانتهاء من حرب يأجوج ومأجوج التي ربما تقف على الأبواب، والتي لم تستطع إسرائيل وواشنطن تمييزها بسبب ضباب الغطرسة المحيط بهما.