عندما أطيح الرئيس محمد مرسي التابع لجماعة الإخوان المسلمين، في انقلاب عسكري في تموز من 2013، تهلل الأقباط المسيحيون فرحاً. إذ نظروا إلى اللواء عبد الفتاح السيسي الذي بدأ بإزاحة مرسي وأصبح لاحقاً مصر رئيس الجديد، بصفته مخلّصاً. وكان بيشوي أرمانيوس، وهو مهندس كهربائي في الثلاثين من عمره، وهو من إحدى ضواحي القاهرة، بين كبار المعجبين به. فخرج إلى الشوارع مع آلاف المصريين دعماً للواء بحال متفكّراً: "كنّا نصلّي من أجل حدوث تغيير."
"ولم ينقذ السيسي مصر من العدم الذي كان مرسي يقودنا إليه."
"ولم ينقذ السيسي مصر من العدم الذي كان مرسي يقودنا إليه."
في الأيام الأولى بعد إطاحة مرسي، شارك أقباط كثيرون قناعة بيشوي، حتى إن أشخاصاً مثل الكاهن مكاري يونان زعم أن السيسي "أُرسل من السماء." لكن عدم قيام السيسي بمعالجة المظالم المزمنة سبّب خيبة أمل. إذ يشير أقباط كثيرون إلى أن الرئيس لم يفِ بوعد المساواة الذي قطعه قبل ثلاث سنين. وفي علامة من تصاعد الاستياء، ازدادت الاحتجاجات في المجتمع المسيحي في الشهور الأخيرة إلى درجة غير مسبوقة. وبعد أن كانت الأقباط ذات يوم عاموداً من الدعم للنظام، صاروا الآن يشكلون تحدياً للحكومة في القاهرة.
والأقباط أكبر أقلية في المنطقة، ويشكلون حوالي عشرة بالمئة من سكان مصر البالغين 92 مليون نسمة. وقد واجهوا تحت قادة مستبدين متعاقبين تمييزاً نظامياً، ويشعر كثيرون بأنهم يعاملون كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. وفرْض قيود على بناء كنائس نقطة مؤلمة دائمة. وقد اضطر الأقباط منذ فترة طويلة إلى التعامل مع الإجراءات البيروقراطية الشاقة للحصول على الوثائق اللازمة ليبنوا أو يجددوا أو حتى يرأبوا صدعاً في مرحاض كنيسة. وغالباً ما تكون إشاعات عن بناء كنيسة جديدة كافية للتسبب في احتجاج غاضب وحتى في عنف الغوغاء.
تدهورت علاقة الدولة بالكنيسة بشكل حاد في السبعينيات من القرن العشرين في عهد الرئيس أنور السادات الذي دلّل القوى الإسلامية علناً، حتى إنه نفى البابا شنوده الثالث، رئيس الكنيسة القبطية. ورغم أن العلاقات تعافت بعد موت السادات، لم يتحسن وضع الأقباط ملموساً. وبقيت مسألة بناء الكنائس ورقة مساومة. يقال إن الرئيس مبارك، الذين حكم البلاد من 1981 إلى 2011، وافق على بناء عشر كنائس أثناء العقد الأول من ولايته. وبمعدل سنوي مماثل، وافق خلفه محمد مرسي على بناء كنيسة واحدة فقط.
مرّر البرلمان المصري في آب الماضي قانوناً طال انتظاره ينظم بناء الكنائس. ليس في القانون الجديد شيء يسوّغ الاحتفال به. فكما يقول مراقبو حقوق الإنسان إن القانون يعزز سيطرة السلطات ويتضمن أحكاماً أمنية تخاطر بإخضاع القرارات حول بناء الكنائس لأهواء الغوغاء العنيفين. ورغم أن بعض رجال الدين وافقوا على القانون، إلاّ أنه أثار موجة من الانتقاد من الأقباض المتنفذين الذين يحتجون بالقول إن القانون يحافظ على هيمنة الدولة على المجتمع المسيحي. وأدان إسحق إبراهيم، وهو باحث بارز في مؤسسة "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، مشروع القانون مدعياً أنه "يعطي الأغلبية القوة لتقرير إن كان للأقلية الحق في عقد ممارساتهم الدينية."
وتصاعد العنف الطائفي قضية إشكالية أخرى. فقد وصل العنف ضد الأقباط ذروته في آب من عام 2013 عندما هاجم الرعاع ما يزيد على مئتين من ممتلكات المسيحيين. وتعهدت السلطات لاحقاً بإعادة بناء الكنائس والبيوت المهدمة، لكن لم يتم الوفاء بهذه الوعود إلاّ جزئياً. ونتيجةً لذلك، تبقى كنائس في حالة خراب، ويبقى المسيحيون عرضة للخطر. وقبل أسبوعين، تحت مهاجمة خمسة عشر منزلاً في مدينة سوهاج من قبل أشخاص بلغ عددهم حوالي ألفين.
ومما يجعل الأمور أسوأ، فإن الذين يهاجمون المسيحيين أو كنائس الأقباط غالباً ما يفلتون من العقاب. ولم تفعل جلسات المصالحة_ وهي الأسلوب المفضل لدى السلطات لحل الخلافات بين الطوائف _ شيئاً لتخفيف مشاعر الظلم، حيث عادة ما تسمح هذه الجلسات للجناة بالإفلات من العقاب. وتهدف هذه الجلسات، من وجهة نظر رسمية، إلى تعزيز السلام المجتمعي خارج النظام القانوني، لكن الحقائق على أرض الواقع لا تنسجم مع ذلك الهدف. وقد أدان تقرير نشرته "المبادرة المصرية" ممارسة تعزيز التمييز وتفاقم الخلافات الدينية.
وفي مناسبات أخرى، قامت الحكومة المصرية نفسها بارتكاب العنف ضد الأقباط. وكان أكثر مثل وحشية مذبحة ماسبيرو في تشرين الأول من عام 2011 عندما قُتل 28 من المتظاهرين المسيحيين بشكل وحشي على أيدي قوّات الأمن في وسط القاهرة. فقد دهست الدبابات بعضاً منهم. ومما جعل الحديث أكثر فظاعة هو أن المحتجين كانوا يتظاهرون ضد إحراق كنيسة في مدينة أسوان في الجنوب وصار ذلك الحادث منذ ذك الوقت رمزاً لمعاملة الدولة للأقباط، وأدى إلى ظهور حركة شباب ماسبيرو _ وهو اتحاد قوي للنشطاء الأقباط.
ورغم سجل الدولة السيّئ في حقوق الإنسان، إلاّ أن أغلبية المسيحيين احتشدوا وراء السيسي عندما سيطر على البلاد في عام 2013. فكان كثيرون مثل بيشوي متوتري الأعصاب حول حكم الإسلامي للرئيس السابق، حيث كانوا يخشون من تفاقم وضعهم غير المستقر.
ومع فشل السيسي في الارتقاء إلى مستوى التوقعات، يتساءل كثيرون عن أهداف الرئيس. لقد اندلعت احتجاجات هذا الصيف بعد سلسلة من الهجمات رفيعة المستوى. ففي حدثٍ تمّت تغطيته إعلامياً على نطاق واسع، تم تجديد امرأة مسيحية في السبعين من عمرها من ملابسها على أيدي رعاعٍ يتألفون من نحو 300 رجل، وقاموا بسحلها عبر شوارع قريتها، ما أدّى إلى غضب الأقباط على الصعيد الوطني. وفي حزيران هاجم رعاع إسلاميون عائلات قبطية في محافظة المنيا في الجنوب، وحرقوا روضة أطفال يديرها مسيحيون، وتم قتل كاهن قبطي أورثوذوكسي في سيناء. وفي تموز، قُتلت راهبة مسيحية من دير معروف في القاهرة القديمة، وتمّ الإدعاء أنها أصيب برصاصة طائشة على الطريق السريع بين القاهرة والإكندرية. كما طُعِن صيدلي حتى الموت وقُطع رأسه في مدينة طنطا.
تسببت الهجمات غضباً هائلاً. إذ نظّم الأقباط عبر البلاد وفي الشتات احتجاجات في تحدٍّ للنظام. وسافرت عائلات عائلات الضحايا من عبر البلاد إلى القاهرة في شهر آب لمطالبة الحكومة بالدفاع عن حقوقهم، وفي واشنطن ناشد الأقباط الولايات المتحدة الضغط على الحكومة المصرية في تعاملها المتسم بالإهمال مع العنف الطائفي. ومما زاد الطين بلّة أن عدداً من المثقفين الأقباط وقعوا عريضة في أيلول معبّرين عن معارضتهم للنظام عندما قام الرئيس السيسي بزيارة نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي صفوف الكنيسة، يتصاعد الانشقاق. فقد قام المطران الأنبا مكاريوس من محافظة المنيا بمقاطعة جلسات المصالحة على نحو متكرر. وفي مرحلة ما، اتهم النظام بمعاملة الأقباطِ على أنهم "قبيلة غير مرغوب فيها". ومؤخراً، قام المطران بتذكير الرئيس السيسي في تغريدة على تويتر بأن الأقباط مصريون أيضاً.
كما تعرّض رئيس الكنيسة القبطية، البابا تواضروس الثاني، على دعمه للسيسي. وقالت نفس العريضة التي انتقدت السيسي: "رغم العلاقة الدافئة بين النظام الحالي والكنائس المصرية، إلاّ أن المواطنين المسيحيين العاديين يعانون من التمييز." وأدت الإصلاحات الحكومية التي نفذت في الخمسينيات من القرن الماضي إلى جعل البطريرك الممثل الرئيسي للأقباط في السياسة، ما شلّ المجتمع المدني القبطي الذي كان ذات يوم مفعماً بالحياة. والآن، أدّى فشله في مناصرة حقوق الأقباط إلى مزيد من الاستياء. وانزعج وائل اسكندر الكاتب من ميول البطريرك الموالية للحكومة، حتى إنه شكك في إخلاص البابا للعقيدة القبطية. إذ كتب: "لم يُظهر البابا والكنيسة القليل جداً من المحبة إلاّ تجاه النظام."
يعكس وضع الأقباط غير المريح في المجتمع المصري انحدار البلد في عهد الرئيس السيسي. وفي الشهور الأخيرة شهد الاقتصاد المصري أزمة عملة بينما تواصل الحكومة التعامل مع الإسلاميين المتعطّشين للدماء. حملت ثورة 2011 وعداً بالتغيير، لكنها لم تصل إلاّ إلى الركود _ وليس للمسيحيين فقط. فقد ضرب الاقتصاد جيوب الجميع. وتعاني أقليات مثل الشيعة وأهل النوبة الملحدين والمثليين هناك اضطهاداً أكبر من أي وقت مضى. ويمثّل الأقباط أقليّة من حيث العدد، لكن معظم المصريين يشاركون معاناتهم.
النص الانجليزى
http://foreignpolicy.com/2016/12/09/how-egypts-copts-fell-out-of-love-with-president-sisi/
فورين بوليسى