محمد كمال
البداية كانت مع الثورة الإيرانية عام 1979، والتى تبنت مبدأ تصدير الثورة للخارج، وساهمت فى انتشار ظاهرة الإسلام السياسى بالعالم العربى، واعتبرها بعض الإسلاميين النموذج المبتغى. يُضاف لذلك أن الغرب منذ لحظتها اقتنع بفكرة أن الإسلام السياسى يمثل المعارضة الأساسية بالمنطقة، وهو البديل لنظم الحكم القائمة، وحتى لا يفاجأ بثورة إسلامية جديدة معادية للغرب على غرار النموذج الإيرانى، بدأت الولايات المتحدة التواصل مع قوى الإسلام السياسى، وقامت بالتفرقة بين ما أطلقت عليه الحركات الجهادية العنيفة وتيارات الإسلام السياسى المعتدلة، ووصلت لتفاهمات مع الأخيرة حول التعايش مع الغرب وإسرائيل واقتصاديات السوق، وبدأت تدعو لدمج هذه التيارات فى النظم السياسية العربية، وتحالفت مع حزب العدالة والتنمية بتركيا، وساندت وصول جماعة الإخوان المسلمين للحكم فى مصر. هذه السلسلة من الأفكار والسياسات كانت بدايتها مع الثورة الإيرانية عام 1979.
العلامة الفارقة الثانية كانت عام 2009، وفى إطار ما عرف بالثورة الخضراء أو «الربيع الفارسى»، وهى المظاهرات الضخمة التى اجتاحت العاصمة الإيرانية طهران وعدداً من المدن الأخرى فى أعقاب الانتخابات الرئاسية التى جرت هذا العام، لإعادة انتخاب الرئيس أحمدى نجاد، فى ظل اتهامات بتزوير نتائج هذه الانتخابات. هذه المظاهرات شهدت لأول مرة فى العالم الاستخدام الواسع للإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى للتعبئة وحشد المتظاهرين، وشاركت فيها قطاعات من الطبقة المتوسطة بالأساس، وعبّرت عن التطلعات السياسية لهذه الطبقة أكثر من المطالب الاقتصادية. هذا الربيع الفارسى عام 2009 تكرر بشكل يكاد يكون متطابقاً، وبعد عامين فى إطار ما عرف بالربيع العربى عام 2011، فى مظاهرات من نفس القوى الاجتماعية، تركزت بالأساس فى المدن، وتبنت مطالب سياسية متشابهة، واستخدمت نفس أدوات التعبئة والحشد.
اليوم تشهد إيران موجة جديدة من التظاهرات، ولكنها تختلف عن احتجاجات 2009 من حيث إن المتظاهرين بالأساس من الطبقات الفقيرة وليسوا من الطبقة الوسطى، ومن المناطق الريفية وخارج المدن الكبرى (والتى كانت تمثل تقليدياً القاعدة الشعبية للنظام)، وشعاراتها الرئيسية اقتصادية وليست سياسية، وتشكو من ارتفاع التضخم، وترفض تدخلات إيران الخارجية ليس لاعتبارات سياسية ولكن لأن لها تكلفة مالية يرى المتظاهرون أولوية إنفاقها بالداخل بدلاً من تمويل حزب الله والحرب فى سوريا. ربما يكون وجها التشابه مع مظاهرات 2009 أنها بلا قيادة، وتستخدم تطبيقات تكنولوجيا الاتصالات فى حشد المتظاهرين، وهو ما يؤكد أن هذه الأدوات لم تعد حكراً على طبقات معينة.
المظاهرات الإيرانية الأخيرة تطرح العديد من الأسئلة منها، هل هى قابلة للتكرار فى دولة أخرى بالمنطقة؟ وهل أصبحت القضايا الاقتصادية والأحوال المعيشية تحتل الأولوية على القضايا السياسية؟ وهل الطبقة المتوسطة أصبحت تتسم بالاستكانة وأصيبت بالإجهاد بعد أحداث السنوات الأخيرة، وأصبحت الطبقات الفقيرة هى الهدف ووقود الحركة؟ وما درجة التلقائية فى مثل هذه الاحتجاجات؟ وما مساحة الدور الذى تتيحه للقوى الخارجية؟
المظاهرات الإيرانية جديرة بالدراسة، ليس فقط لأن ما يحدث فى إيران يمتد لخارجها، ولكن أيضاً لأن إيران كانت مختبراً وحقلاً لتجارب- تمت بتأثيرات داخلية وخارجية- ثم وجدناها تتكرر فى دول أخرى.
makamal@feps.edu.eg
المصرى اليوم