«جرس الكنيسة» هو صوت المساواة - مقالات
أحدث المقالات

«جرس الكنيسة» هو صوت المساواة

«جرس الكنيسة» هو صوت المساواة

سحر الجعارة

ستدق أجراس الكنائس دائماً لتنشر المحبة، وتدعو للصلاة، وتبشر القلوب بقدوم الأعياد، ستدق أجراس الكنائس رغم أنف المتطرفين والسلفيين، وستنتصر «ثقافة التسامح» عند الأقباط على حزب الكراهية وميليشيات الإرهاب، لتبقى مصر المدنية هى الوطن الآمن للجميع.

سيرتفع صوت الأطفال بالترانيم فى عيد الميلاد المجيد: «دقى دقى يا أجراس».. دون ذعر أو ألم.. لقد اعتاد الصغار صوت الانفجارات ورائحة الدم ومشاهد الترويع والتهديد فأتقنوا التحدي، وحملوا العذاب المحفور على صليبهم بإيمان من يدرك أن «جرس الكنيسة» هو صوت المساواة، هو جزء أصيل من «هوية الأقباط».. فى وطنهم.

إنه «الجرس»، الذى اختلف عليه السادة أعضاء مجلس النواب عند مناقشة قانون «بناء الكنائس»، وحاولوا الالتفاف حول النص على الطراز المعمارى للكنيسة، وعدم النص على وجود: (صليب وقبة ومنارة بها «جرس») أعلى مبنى الكنيسة، لتكريس الطائفية والعنصرية.. فى دولة لا تعترف بنسبة الأقباط الحقيقية بين المواطنين، وتصنفهم -ضمناً- «أقلية دينية».. وتعتبر حقوقهم «منحة» وليست حقاً!

إنها الدولة نفسها التى جعلت بناء الكنائس خاضعاً لـ«جهات أمنية»، تخشى دائماً من اندلاع «الفتنة الطائفية»، فتمنع بناء الكنائس فى قرى مصر النائية أكثر مما تحميها.. حتى لجأ أقباط قرية «الفرن» بمحافظة المنيا للصلاة فى الشارع، بعد أن منعهم الأمن من الصلاة فى جمعية بالقرية، فاخترع المحافظ اللواء «عصام البديوى» فكرة جديدة، لدولة دينية عنصرية متعسفة، وقال فى مداخلة تليفزيونية، إن الترخيص ليس للصلاة ولكنه خاص بدور العبادة، لافتاً إلى أن الإخوة الأقباط كانوا يريدون إقامة الصلاة فى مكان ويعتبرونه مكاناً للعبادة وبالتالى كان يجب عليهم الحصول على ترخيص!

إنه مشهد صادم، لدولة مضطربة، تسمح لمسلميها بافتراش الشوارع والميادين للصلاة، وتفرض على الأقباط «الصلاة بترخيص».. دولة لم تفلح فى غلق منابر «تكفير الأقباط»، ولم يكف علماء المؤسسة الدينية التابعة لها عن الحديث عن مفاهيم «أهل الذمة وفرض الجزية».. ولم يمل إعلامها من إحصاء أعداد الشهداء والمصابين بالكنائس التى تنفجر بالمصلين.. ولم تكف نخبتها عن الطنطنة بكلام ممل عن «المواطنة» وقانون الطوارئ والمجلس القومى لمواجهة الإرهاب والتطرف، أو عن الاتجار بحقوق الأقباط!

وحدها «القوات المسلحة» تبقى هى الاستثناء، فتتولى إعادة بناء ما تهدم من كنائس بتكليف مباشر من القيادة السياسية، لترد الروح إلى كل ملهوف للصلاة وممارسة شعائره الدينية.

فى كفر «الواصلين» بمركز «أطفيح» يتكرر المشهد الموجع، فالكنيسة هناك عبارة عن مبنى من دون صلبان أو قبة أو جرس أو منارة وتمَّ فرض «هذه الشروط المجحفة» على أقباط القرية لمجرد السماح لهم بالصلاة.. وتنازل الأقباط يأساً من البحث عن «الترخيص»، وبالفعل أقاموا الصلوات فيها منذ 15 عاماً دون أى صدام مع المتطرفين.. حتى تكرر نفس «سيناريو الهلاك»: شائعة مغرضة (الكنيسة تعتزم تركيب جرس يدق فى أرجاء الكفر)، لتتداعى دعوات التحريض وتتجمهر «ميليشيات الإرهاب» عقب صلاة الجمعة «للأسف»، حتى تصل المسيرة الغاضبة إلى كنيسة «الأمير تادرس»، فيقتحموها، ويخربوا كل ما فيها من أيقونات وصلبان!

هل لديك -الآن- كلمة «مواساة» للأقباط قبيل عيدهم؟.. هل تحمل بعضاً من «العبارات الفخمة» لتبرير جريمة المتطرفين؟.. هل أنت شخصياً قاطعت من يحرم تهنئة الأقباط فى عيدهم أو الأكل فى منازلهم؟

حين قامت فصائل التكفير والإرهاب بتفجير مسجد «الروضة» بالعريش، أقيمت صلاة الغائب على أرواح الشهداء فى كل مساجد الجمهورية، فيما كانت الكنائس تدق أجراسها الحزينة لتعلن أن «وحدتنا فى صلاتنا».. كل بحسب شريعته وطقوسه، وعلاقته بربه التى لن يصلها «المكان» ولن يقطعها صراخ المتطرفين: (بالطول بالعرض هنجيب الكنيسة الأرض)!

كانت الكنائس المصرية (الأرثوذكسية، والإنجيلية، والكاثوليكية) تدرك مسئوليتها فى الدفاع عن حرمة المساجد وقدسيتها، ليس لأن أبناءها تيتموا ونساءها ترملوا، أو لأنهم ذاقوا مرارة التهجير القسرى و«القتل على الهوية».. لكن لأنهم ببساطة يتقنون «فن المحبة» ولأنهم لا يعرفون «لغة داعش».. وهم أول من يتصدى لمن يحاول المساس بعقيدة المسلمين.. فلم نسمع يوماً عن «تنظيم إرهابى مسيحى».. أو عمليات مسلحة انتقامية أو إرهاب مضاد.

ولهذا لن يتغلب لون الحداد على ألوان الفراشات فى العيد، سوف تدق أجراس الكنائس فى قداس «عيد الميلاد المجيد»، مساء 6 يناير المقبل، بكاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة.. ومن هناك تجسد مصر شخصيتها الحقيقية.. وتحطم أصنام التراث الفقهى المفخخ بفتاوى القتل.

وهناك سوف يصلي البابا «تواضروس» الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، من أجل كل المقهورين، يمنحنا نفحة نور من قلبه النبيل، ويهدى الأمل والأمان إلى شعب اعتاد أن يطلب «المدد الروحى» من السيدة «العذراء» البتول ومن «آل البيت».

فدعونا نهزم الخوف بصلاة موحدة: «صلاة المحبة».

الوطن

 

 

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث