الحسيني محمد
نشرت مجلة «ذي أتلانتك» تقريرًا عن القمع المتزايد للمجال الثقافي في مصر، وخصت بالذكر «حرب مصر على الكتب»، وهو عنوان التقرير. ويذكر الكاتب بعض الحوادث الأخيرة، ويحلل أسباب خوف النظام المصري من الكتَّاب وكتبهم.
يبدأ التقرير بالإشارة إلى حادثة إغلاق مكتبة «الكرامة» في حي دار السلام منذ عام، حيث كان الأطفال يأتون بحثًا عن ملجأ بعيد عن حيهم الملوث، أو فقط عن مكان هادئ لحل فروض المدرسة. اقتحمت قوات الأمن المكتبة، وثلاثة فروع أخرى لها باعتبارها مساحات تحريضية. ويرجع قرار الحكومة – بشكل كبير – لعمل مؤسس المكتبات، جمال عيد، المحامي الحقوقي الذي يتميز بصوته العالي والمميز، والذي أسس هذه المكتبة وخمس مكتبات أخرى من ماله الخاص بعد الثورة المصرية العنيفة.
عند اقتحام مكتبة دار السلام، منع عيد والمتطوعون في المكتبة الأطفال من إلقاء الحجارة على قوات الأمن، ما كان سيزيد الأمر تعقيدًا. وخوفًا من التصعيد، أغلق ثلاثة فروع أخرى للمكتبة. وما زالت الفروع الستة كلها مغلقة حتى الآن، كما لم يسترد سوى جزء من الكتب التي صادرتها الشرطة.
يقضي عيد أيامه الآن في الدفاع عن المصريين المعتقلين ظلمًا. وكونه واحدًا من أشهر المحامين الحقوقيين في مصر (لديه مليون متابع على تويتر)، منع من السفر بقرار حكومي منذ فبراير (شباط) من العام الماضي، وجمدت ممتلكاته. يقول عيد لـ«ذي أتلانتك»: «تعارض الدولة حقوق الإنسان، وهي ضد كل الأصوات الحرة، وأنا أستوعب هذا المنطق. لكن ما يحزنني حقًا هو لماذا قد تستهدف بالتحديد المكتبات التي تخدم الآلاف من الأطفال؟ لقد أصابتهم بالأذى».
يحكم النظام القمعي للسيسي بنفس هذا المنطق، وهو القائد العسكري الذي صار رئيسًا، بحسب التقرير. وعد السيسي بالاستقرار السياسي والانتعاش الاقتصادي في البداية، لكن أيًا من هذا لم يتحقق، ويبدو أنه لم يعد محكمًا قبضته على السلطة كما كان، إذ أظهر استطلاع رأي أجري العام الماضي عن تراجع شعبيته بعدما انخفض الدعم الحكومي وزاد معدل التضخم بشكل مهول.
يقول الكاتب إن السيسي لجأ إلى تكميم أفواه المعارضة، وإلى شحذ مؤسساته الأمنية، والمؤسسة العسكرية الاقتصادية، كي يطمئن بأنه لن يواجَه في الانتخابات القادمة في 2018. واستخدم أدواته الأمنية المتعددة لقمع السياسيين المعارضين -بمن فيهم الإخوان – بغضب يزداد كلما بقي في الحكم أكثر. ويحذر محللون من انهيار الاقتصاد المصري حال استمراره في التركيز على قمع المعارضة بدلًا من الاقتصاد.
تعد حرية تداول المعلومات وحرية الصحافة مكونين رئيسين لأي نظام ديمقراطي. لكن لا يظن النظام – وقطاعات عريضة من المجتمع – هذا، بل العكس تمامًا. يظنون أن في أوقات الأزمات علينا أن نتوحد جميعًا.
يصف التقرير شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بالشهر الغريب، حتى بالمقاييس القمعية للنظام الحالي. إذ تواجه شيرين عبد الوهاب – إحدى نجمات الغناء – محاكمة في شهر ديسمبر (كانون الأول)، لأنها ألقت نكتة عن التلوث الشديد لنهر النيل في حفل لها. منعت السلطات أيضًا عرض فيلم «حادثة هيلتون النيل» – الحائز على جائزة مهرجان صندانس – في مهرجان محلي للأفلام، ويحكي الفيلم عن التحقيق في مقتل مطربة في ملهى ليلي في الفندق، ويخوض في الفساد الخفي لنخبة القاهرة من السياسيين. برر منظمو المهرجان إلغاء العرض بـ«أسباب خارجة عن إرادتنا». كما اقتحمت الشرطة مركزًا فنيًا كان يعرض الفيلم الأسبوع الماضي.
لكن لا يوجد ما يزعج الطبقة الحاكمة أكثر من الكلمة المكتوبة، بحسب قول الكاتب. يصف خالد فهمي موجة المنع والإغلاق الأخيرة – التي شملت حجب مئات المواقع – بـ«أزمة الذعر غير المبرر»، إذ حولت قوانين الطوارئ فعلًا بسيطًا كالقراءة إلى شيء خطير. وفهمي هو مؤرخ مصري شهير يعمل أستاذًا في جامعة كامبريدج، ويضيف في حديثه للكاتب: «تعد حرية تداول المعلومات وحرية الصحافة مكونين رئيسين لأي نظام ديمقراطي. لكن لا يظن النظام – وقطاعات عريضة من المجتمع – هذا، بل العكس تمامًا. يظنون أن في أوقات الأزمات علينا أن نتوحد جميعًا».
ينتقل التقرير لقصة الجامعي جمال عبد الحكيم، الناشط السياسي اليساري، والذي نال حكمًا بالسجن خمس سنوات بموجب قانون مكافحة الإرهاب، لحيازته نسخة من كتاب كارل ماركس «القيمة والربح والاستغلال»، وقت القبض عليه من منزله في بداية هذا العام. كما اقتحمت الدولة دار ميريت للنشر في وسط المدينة قبل عدة أيام، والتي تبرز الكتاب الناشئين وتعد ملجأً للثوريين؛ احتجزت السلطات عاملًا متطوعًا واتهمته بحيازة كتب غير مرخصة وبيعها.
كانت هذه الخطوة الأخيرة من بين مجموعة من قرارات الإغلاق لمكتبات عدة في الشهور الأخيرة؛ أجبرت مكتبة «البلد» على إغلاق أبوابها في نوفمبر، وهي مكتبة عصرية ذات طابع يساري، عادة ما يقصدها رواد الأدب القاهريون. وأغلقت سلسلة مكتبات «ألف» وصودرت ممتلكاتها في نفس الشهر، بدعوى الاشتباه في علاقة مالكها بالإخوان المسلمين.
حافظ الحكام المعاصرون لمصر على تقديم نسخة مقبولة ومحافظة من الإسلام ليتبناها الجموع، والآن أكثر مما مضى. يفضل السيسي الإسلاميين المحافظين الذين يمكنه التحكم بهم، عن العلمانيين المنشقين – وأغلبهم من الكتاب – الذين يهددون حكمه. عمل بجانب السلفيين المتشددين لتحقيق أهداف سياسية قصيرة المدى، بينما كان يتحاكى عن معركته ضد الإرهاب للزعماء الأجانب.
وبالإضافة لمطاردة نظام السيسي للإخوان المسلمين؛ قام بحبس الآلاف من الشباب وآخرين ممن اعتبرهم من المنشقين؛ فخلف هذا القمع الوحشي 40 ألف سجين من قطاعات سياسية مختلفة. وطبقًا لفكرة «الأمن أولًا» التي يتبعها نظام السيسي، فإن الكتاب والمعارضين الآخرين يمثلون خطرًا كبيرًا، إذ إنهم يملكون القدرة على جعل العامة يشككون في سياساته.
تطبق هذه السياسة أيضًا في الهيئة العامة للكتاب، دار النشر الرسمية للدولة. وتقول سهير المصادفة – رئيس إدارة النشر في الهيئة – للكاتب: «أنشر الكتب التي أضمن أنها لا تحتوي على أفكار تقود للعنف المسلح». كما نفت أن يكون الحجب منتشرًا في مصر، وتفاخرت بدلًا من ذلك بالتراث الأدبي العظيم مقارنة بكتّاب اليوم الأصغر سنًا، والأكثر تجريبية. وتضيف: «أنا أيضًا ضد نشر أي كتب مسؤولة عن لحظة الانحلال الحضاري التي نمر بها في مصر، هذه الكتب مكانها الأرصفة».
يذكر الكاتب أيضًا قضية أحمد ناجي، الروائي الحائز على جائزة القلم، والذي تورط في مشكلة قضائية تشبه كتابات كافكا. ويرى ناجي أن مصر غرقت في مستنقع ثقافي، لكن من منظور مختلف تمامًا. في 2014، نشر فصلًا من روايته «استخدام الحياة» في صحيفة أدبية تابعة للدولة كان يعمل بها، وتسبب في حبسه بعد نشرها بعامين لأنها اعتبرت مخلة، ما تسبب في ذعر أخلاقي حول كلماته المليئة بالتعابير الجنسية.
قضى ناجي عامًا في الحبس لـ«خدشه الحياء العام» بلغته العامية الكئيبة والجنسية جدًا، والتي كانت ساخرة وتجلب الهدوء في نفس الوقت، مثل شخصيته. أفرج عن ناجي لكنه يبقى محبطًا لعدم استطاعته السفر بسبب حصوله على حكم بالسجن عامين مع وقف التنفيذ. وينتهي التقرير بحديث خالد فهمي المتفائل بكون هذه الفترة القمعية تخلق بالفعل مجالًا مزدهرًا من المقاومة الضرورية لنقد السلطة. ويضيف: «هناك تلقٍ نقدي وصحي للكتب بين جمهور القراء، وتفاعل أكثر من السابق. لم يزد عدد القراء لكن زاد عمقهم».
مترجم عنEgypt's War on Booksللكاتب FARID Y. FARID