خمسمائة عام على الإصلاح الديني (الأربعاء ٣١ اكتوبر ١٥١٧-الثلاثاء ٣١ أكتوبر ٢٠١٧) - مقالات
أحدث المقالات

خمسمائة عام على الإصلاح الديني (الأربعاء ٣١ اكتوبر ١٥١٧-الثلاثاء ٣١ أكتوبر ٢٠١٧)

خمسمائة عام على الإصلاح الديني (الأربعاء ٣١ اكتوبر ١٥١٧-الثلاثاء ٣١ أكتوبر ٢٠١٧)

مجدي خليل

في ذكرى مُرور خمسمائة عام على بداية حركة مارتن لوثر الشهيرة، قضيتُ مئاتِ الساعات في الشُهور الأخيرة في قراءة وُجهات النظر المُختلفة في قضية الإصلاح الدينيّ، وجمعتُ ما قرأته من صفحات كتب وأبحاث رصينة فكانت ٤٢٨٥ صفحة حتى الآن، تعلّمتُ الكثير جدًا من كلّ حرف فيها، حتى ولو كنتُ مختلفًا مع بعض ممّا جاء في تلك الكُتب. لقد قرأتُ وجهات نظر مُختلفة في الإصلاح، من بروتستانت، وكاثوليك، وأرثوذكس، ومن مُؤرّخين مُستقلين، ومن مُؤرّخين مُسلمين، حتى أكون مُلمًّا بوجهات النظر المختلفة لهذا الحدث العظيم الذي غيّر وجهَ العالم كلّه، وما زلنا نعيشُ آثاره حتى اللحظة.

لم أقرأ في كل هذه الصفحات لقس إنجيلي مصري إلا ١٢٦ صفحة فقط للقس رفعت فكري، في كتاب صغير بعُنوان (الإصلاح الديني بين الغرب والشرق). وبدايةً، أشكرُ الأخ العزيز القس رفعت فكرى لأنّه الإنجيليّ الوحيد، على حد علمي، في مصر كلها، الذي كتب كتابًا خلال السنة المنصرمة بمُناسبة هذه الذكرى، وأشكره أيضًا لأنّه أهدى لي نُسخة كنتُ قد طلبتُها منه عندما كنتُ أجمع ما كُتب عن الإصلاح الدينيّ.

طبعًا لا أجاملُ القس رفعت فكري وأقولها له صريحةً: إن كتابه لا يرقى إلى مستوى هذه المُناسبة الكبيرة، وإنّه تحدّث في الكتاب عن مراد وهبة أكثر ممّا تحدّث عن مارتن لوثر! وإنّه "حشر" في كتابه رأيًا شاذّا يقول إن مارتن لوثر تأثّر بابن رُشد، رغم أنّ لوثر -حسب علمي- لم يكن يعرف ابن رُشد أصلًا ولم يكتب حرفًا واحدًا عنه في كلّ ما كتب على كثرته. وفى الأساس، كانت حركة الإصلاح الدينيّ في أوروبا مسيحيّةً دينيّة أصوليّة، أي أنّها دعت للعودة لمرجعيّة الكتاب المقدّس في مُواجهة مُؤسّسة بابويّة فاسدة حرمت الشعب من كتابه المُقدّس، في حين أن ابن رُشد حاول "أنسنة" نصٍ دينيّ ملئ بالعُنف والكراهية، وشتّان ما بين الحركتيْن!

أمّا أسخف ما ورد في هذا الكتاب فهي المُقدّمة التي كتبها مراد وهبة، ووضعها القس رفعت في صدر الكتاب، وفيها يقول مراد وهبة: "نحن نعيش زمن الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي بدُونه لا يمكن أن يتم أيُّ إصلاح للفكر الدينيّ"! والشيء بالشيء يُذكر، الدكتور مراد وهبة هو الذي صوّر للعرب أن ابن رُشد هو باعث النهضة الأوروبيّة، رغم أن ابن رُشد لا يُمثّل شيئا يُذكَر في نهر الفكر الإصلاحيّ والتنويريّ الضخم الذي قاد النهضة الأوروبيّة، ولكن تضخيم مراد وهبة لدور ابن رُشد هو مُجرّد مُجاملة للمُجتمعات الإسلاميّة ليس إلا.

ومع نقدى لكتاب رفعت فكري، أكرّر شكري له لكونه قد تذكّر هذه المناسبة التي تجاهلتها كنيستُه الإنجيليّة في مصر. وقد كنت أتوقّع أن تجمع الكنيسة الإنجيليّة باحثين من العالم كُلّه لتنشرَ مُجلّدا في هذه الذكرى، أو على الأقل أن تقوم بترجمة عدّة كتب كبيرة للقارئ العربي، أو أن تُجهّز مُؤتمرًا عالميًا في هذه المُناسبة، ولكن للأسف يبدو أنّ الكنيسة الإنجيليّة ورئيسها في مصر لهم أولويات أُخرى وهي مُمارسة البروباجندا للدولة المصريّة والمثقّفين المسلمين، فقد أنفقتَ الكنيسة الإنجيليّة وسائر مُؤسساتها مئات الملايين من الجنيهات، منذ عهد صموئيل حبيب إلى أندريا زكي، على مؤتمرات استعراضيّة لمُثقفين مُسلمين من أمثال محمد سليم العوا، وسالم عبد الجليل، وأبو العلا ماضي...وغيرهم ممّن امتلأت كروشُهم من مآدب الكنيسة الإنجيليّة، ومُؤخرًا اشترت الكنيسة الإنجيليّة فائضَ الكُتب الراكدة من المجلس الأعلى للثقافة، وهيئة الكتاب، مُجاملةً للدولة، في حين تناست عمدًا ذِكرى الإصلاح الدينيّ التي كرّست لها ألمانيا عامًا كاملًا من الاحتفالات، بل وتناست القياداتُ الإنجيليّة كنائَسها المحليّة الفقيرة في مصر والكثير من قُسوسها الذين يُعانون من شظف العيش!

من جهتي، وأنا القبطي الأرثوذكسي، الذي يُجل هذه المناسبة العظيمة، سأقوم من جانبي خلال الأيام القادمة بعمل سلسلة مقالات ومُحاضرات ولقاءات عن الإصلاح الدينيّ مُتمنيًا أن تُضيف هذه المحاضرات شيئًا ما للقارئ العربي، والأهم أن تكون مُلهمةً لنا جميعا للبدء في إصلاح كنائسنا الشرقيّة، والتي فاتها قطارُ الإصلاح الدينيّ قديمًا، بما في ذلك الكنائس الإنجيليّة الشرقيّة التي أصبحت بدورِها جُزءًا من فساد الشرق.

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*