أبرام لويس
"مختل عقلياً" جملةٌ من كلمتين صارت تحمل معاني الطائفية في نظر المصريين المسيحيين، فكلما تُرتكب أي جريمة قتل يكون الجاني مسلماً والضحية مسيحياً، وقبل اتخاذ جهات التحقيق اجراءتها، يخرج علينا مسؤول أمني بتصريح لوسائل الإعلام: "القاتل مختل عقلياً".
وآخر هذه الجرائم التي تُصنَّف على أنها "جرائم قتل على الهُوِّية" كانت استهداف القمص "سمعان شحاته" صبيحة يوم 12 أكتوبر/تشرين الثاني في مدينة السلام شمال القاهرة.
وقد شهدت مصر عشرات الجرائم المماثلة، ومازالت حادثتا قتل "يوسف لمعي" بمحافظة الإسكندرية في شهر كانون الثاني/يناير 2017، ومحاولة قتل حارس كنيسة القديسين "مينا فؤاد" ماثلتَيْن للأذهان.
ويبقى السؤال الذي تحوّل لمادةٍ للتندر والسخرية: لماذا دائمًا "يختار" المختل عقليًا ضحيته من المسيحيين؟ هل أصبح تخصص المختلين عقليًا في مصر المسيحيين؟ كلها أسئلة مشروعة، يمكن أن ينطبق عليها مصطلح "فانتازيا" أو المثل العربي الشهير "شرُّ البليّةِ ما يُضحِك".
يوسف لمعي
استيقظ أهالي الإسكندرية على جريمة "يوسف لمعي"، صاحب أشهر محمصة في منطقة سيدي بشر بالإسكندرية، حيث قام "عادل أبو النور" بمباغتته من الخلف وذبحه بسكين، وكالعادة خرجت بعض الجهات الأمنية والإعلامية لتُعلن أن القاتل مختلٌ عقليًا، إلا الكشف الطبي عليه أثبت سلامة قواه العقلية.
مينا فؤاد
بعد حاثة قتل "يوسف لمعي" بستة شهور، حاول أحد المتطرفين دينيًا قتل حارس كنيسة القديسين "مينا فؤاد" ، بمحاولته طعنه بآلة حادة وذبحه من رقبته للتخلص منه، بعد أن حاول التحقق من شخصيته قبل أن يدخل الكنيسة. وجرت محاولات للتعمية على الجريمة وإلصاق صفة المختل عقليًا عليه.
قتل القمص شحاتة
آخر حوادث القتل على الهوية -وربما لن تكون الآخيرة- هي استشهاد القمص "سمعان شحاته". وياللعجب تصادفَ قتل الكاهن الشهيد في نفس يوم نشر تمديد قانون الطوارؤء في "الجريدة الرسمية" ليصبح ساريًا لمدة ثلاثة أشهر!
وأكد مصدر أمن أن مرتكب واقعة قتل كاهن كنيسة وإصابة آخر بالمرج، هو شاب في العقد الثاني من العمر يُدعَى "أحمد. س" وأنه "مختل عقليا". وكانت جريدة "البوابة" التي يرأس تحريرها "عبد الرحيم على" صاحب التسجيلات الشهيرة، قد سبقت ونشرت أن المتهمَ مختلٌ عقليًا بعد الحادثة بسويعات قليلة.
الرأي الحقوقي
كمال سدره الناشط الحقوقي المقيم بالولايات المتحدة يقول ل"اليوم الثالث" إن "ما تعودناه من المسؤولين أو الإعلام التابع للجات الرسمية -سواء الخاص أو القومي- هو الإجابات المُعَدَّة سَلَفًا للرد على أي أحداث من دون تحقيقٍ أو استبيانٍ للحقائق ولحظياً". ويشير سدره إلى أن "حوادث العنف الطائفي دائمًا ما يتم التعليق عليها بجملة "فتنة طائفية" ويقصد بذلك إيهام الرأي العام أولاً أنها مجرد "خناقة" -بالتعبير العاميّ الدارج- بين طرفَيْن أحدهما مسلم والثاني مسيحي، علي عكس الحقيقة بأن الجاني دائمًا هو المسلم والضحية دائما هو المسيحي، ولكن التوصيف العلمي الدقيق لها يجزم بأنها جرائم "عنف طائفي" و"إرهاب تجاه أقلية دينية". وثانيًا حوادث الإعتداءات الفردية الطائفية يقابلها في التوّ واللحظة الادعاء الكاذب بالاختلال العقلي للمجرم أو الإرهابي."
وقال سدره إنه "جرى العُرْف أنَّ الإشارةَ ل"حقوق الإنسان" أو "المواطنة" مَعناهُ أجنداتٌ أجنبيةٌ وتمويلٌ مشبوهٌ، كما أن أي فاعليات سياسية أو حقوقية للإعتراض أو التظاهر وإعلاء صوت الضحايا يصنفونها أنه إخلالٌ بالنظام العام ومحاولة لاسقاط الدولة".
وأعتقد -والكلام لازال لسدرة- أن جمهور المستمعين قد أصابه الملل من هذه الإجابات أو قل السخافات السابقة التجهيز والتي تعبر عن استخفاف بعقول الناس، ولذلك فإن عدم تحديد الجاني أو تشخيص المشكلة الاجتماعية ساهم بشكل مباشر في تفاقم المشكلات وتعقيدها وتنبئ بخراب برعاية الدولة وتابعها المطيع الإعلام.
"مصريون ضد التمييز الديني"
يرى الدكتور "منير مجاهد" منسق مجموعة "مصريون ضد التمييز الديني" أنه لقد صدرت أحكام بالاعدام ولا يوجد في القانون الجنائي ما يستثني قاتل غير المسلم من عقوبة الإعدام، مضيفاً أن القانون لا يفرق بين المواطنين سوى في الأحوال الشخصية.
نحن من جانبنا نختلف مع تصور د. مجاهد، فالمادة الثانية من الدستور المصري -وقد خبرنا ذلك بالتجربة العملية مِرارًا وتكرارًا- تظل سيفًا مُسَلَّطًا ضد المسيحيين، يستغله المتطرفون في الهيئات القضائية والأمنية المصرية، والتي تنص على أن: "الإسلام دين الدولة ومباديء الشريعة الإسلامية هي (المصدر الرئيسي) للتشريع"، وذلك استنادًا إلى تأويلاتٍ فقهية متطرفة من التراث الإسلامي لهذه المادة من الدستور.
*ناشط حقوقي مصري
موقع اليوم الثالث