ترامب والهجرة واللجوء - مقالات
أحدث المقالات

ترامب والهجرة واللجوء

ترامب والهجرة واللجوء

وصلتنى أسئلة عديدة، وبشكل خاص من أقباط، تتعلق بمخاوف من أن تؤثر سياسات ترامب في حالات اللجوء والهجرة إلى الولايات المتحدة. ونظرًا لأننا ما زلنا فى فترة انتقالية، سنتابع معكم هذا الملف الهام مع تداعياته مختلفة الأبعاد. ولنبدأ فى هذا المقال بشرح خطوط عامة حول هذا الموضوع:-

أولًا: لا يمكن لدولة هامة وكبيرة وقائمة على الهجرة مثل الولايات المتحدة أن توقف الهجرة. فهذا أمر غير وارد على الإطلاق. لكن ما يفكر فيه ترامب ونسبة كبيرة من الأمريكيين هو مسألة ضبط الهجرة. فأفكار ترامب انعكاس لتيار ضخم فى الولايات المتحدة بدأ يتململ من بعض الأثار السلبية للهجرة، وبشكل خاص بعد وصول سكان أمريكا إلى ما يزيد عن 330 مليون نسمة، أي الوصول إلى قدر كبير من التشبع السكاني. والحديث عن تعديل قواعد الهجرة وقوانينها حديث ممتد منذ سنوات طويلة، وكان يحتاج إلى شخص شجاع، بل ربما متهور، مثل ترامب أن يطرحه بهذه الفجاجة حتى يحدث تغييرات فعلية فى هذا الملف، لأن أيادي السياسيين مرتعشة من الاقتراب من هذا الملف الشائك الذي تحول إلى صراع سياسي حزبي رخيص على حساب المصلحة الحقيقية لأمريكا.

ومن هنا يمكن القول إن النقاش الحقيقي والجاد حول مسألة الهجرة سيدفع ترامب وفريقه، إضافةً إلى معارضيه، إلى الالتقاء على أرضية واقعية تضبط هذا الملف الشائك وتستجيب لرغبات التيار الرئيسي من الأمريكيين فى إجراء تعديلات جوهرية على قوانين الهجرة.

ثانيًا: في ما يتعلق باللجوء، إن كل دول العالم ملتزمة بقبول لاجئين، سواء أكان ذلك لأسباب سياسية أم إنسانية أم لحالات الاضطهاد الديني. لكن هذا الالتزام لا يلغي سيادة الدول فى تحديد حصص الهجرة المقبولة لديها وشروطها. والولايات المتحدة أكبر دولة فى العالم تقبل المضطهدين دينيًا كلاجئين، حيث إنها قامت تاريخيًا كدولة على الفارين من الاضطهاد الديني من أوروبا. ومن ثم ستستمر الولايات المتحدة متسقة مع تاريخها فى قبول اللجوء الديني. لكن، بطبيعة الحال، تتغير مستويات القبول وأوليات الدول التى يتم قبول لاجئين دينيين منها مع الوقت ومع تغير الإدارات. وستتغير حتمًا بدرجة ما فى عهد ترامب.

ثالثًا: بالنسبة لمخاوف الأقباط من تراجع حالات اللجوء الديني مستقبلا، فإنها  حقيقية لكن مبالغ فيها كثيرًا، لأن التباطؤ حدث بالفعل قبل انتخاب ترامب. فتحديد ميعاد فى مقابلة فى مكاتب الهجرة أصبح يستغرق حاليًا سنتين على الأقل نظرًا لتقليص ميزانية هذه المكاتب، كما أن وضع الأقباط الأمني تحسَّن فى عهد السيسي عن عهد الإخوان المسلمين أو فترة الاضطرابات التي وقعت بعد ثورة 25 يناير 2011. وقد أدى هذا  فعليًا إلى تراجع قبول حالات لجوء الأقباط فى مكاتب الهجرة وإحالة الكثير منها إلى المحاكم للفصل فيها. ولا ننسَ أن تصريحات كبار رجال الدين الأقباط، والتي تكرر أن الأقباط فى العصر الذهبى مع السيسي، أثرت سلبًا في حالات لجوء الأقباط. ففي ألمانيا، قال ضابط هجرة لسيدة قبطية: "لماذا تريدين اللجوء وتدعين الاضطهاد فى حين أن بابا كنيستكم يؤكد مرارًا وتكرارًا أن وضع الأقباط  ممتاز فى عهد السيسى؟" ومن ثم أصبحت المهمة أصعب، إذ صار على القبطي الذي يرغب فى اللجوء أن يثبت بشكل مقنع لضابط الهجرة أو للمحكمة بأن هناك اضطهادًا دينيًا وقع عليه بشكل شخصي.

رابعًا: ذكر ترامب أثناء حملته الانتخابية أنه مستاء من منح الجنسية الأمريكية لكل سيدة تلد فى أمريكا، ومن ثم فمن المتوقع مناقشة وقف هذا الموضوع مع تضييق مسألة هجرة الأقارب والحد منها. لكن هذا يتطلب تقديم قانون يوافق عليه الكونجرس لضبط مسألة الهجرة عموما.

خامسًا: بالنسبة لطرد المهاجرين غير الشرعيين، فإن هذا الملف معقد جدا ومن المستحيل تطبيقه، ولاسيما أن كثيرين من أبنائهم يحملون الجنسية الأمريكية وهم تحت رعاية والديهم غير الشرعيين. وقد تراجع ترامب بعد الفوز قائلًا إنه سيطرد المهاجرين غير الشرعيين ممن ارتكبوا جرائم على الأراضي الأمريكية. وحتى هذا أيضا ليس موضوعًا سهل، وهو يحتاج إلى قانون. وإذا صدر هذا القانون هل سيطبق بأثر رجعي، أم على مرتكبي الجرائم بعد صدوره. وفي كل الاحوال، فإن المتوقع هو ضبط مسألة الهجرة على أرضية واقعية.

سادسًا: بالنسبة للمسلمين وعلاقتهم بترامب، فإن لهذا الموضوع ثلاثة اتجاهات. ففي ما يتعلق بالمسلمين الذين يعيشون فى أمريكا ويحملون إقامة أو جنسية، فلا ضرر  عليهم إلا إذا انخرطوا فى التطرف الإسلامى أو فى علاقة بمنظمات إسلامية متطرفة. وبالنسبة للمهاجرين المسلمين غير الشرعيين، فمن الطبيعي أن يسري عليهم ما سيطبق على المهاجرين غير الشرعيين عمومًا. ومن جهة قبول مسلمين من الدول الإسلامية، من المتوقع أن يخضع الأمر لتدقيق أكثر فى عهد ترامب، وبشكل خاص من دول إسلامية محددة ينتشر فيها التطرف الديني. وأما المنظمات الإسلامية فى أمريكا، فإنها بدورها يمكن أن تخضع لتقييم أنشطتها: فهل يقتصر دورها على خدمة المسلمين فى أمريكا دينيًا واجتماعيًا أم لها أنشطة أخرى مريبة؟ وهل تتلقى تبرعات من دول إسلامية أم تمول من تبرعات المسلمين فى أمريكا؟ وأما مسألة بناء المساجد فى أمريكا، فهي حق طبيعي ودستوري للمسلمين الأمريكيين. لكني أتمنى أن يتم وقف تمويل هذا البناء القادم من الخارج، وبشكل خاص من السعودية ودول الخليج.

سابعًا: وفقًا لما نشرته النيويورك تايمز عن المرشحين فى إدارة ترامب، وبعد الإعلان عن تعيين ستيف بانون ككبير المستشاريين الإستراتيجيين لترامب، فنحن أمام مجموعة قوية من أقطاب اليمين المؤمنين والمتسقين مع خطاب ترامب الانتخابى. بل هم الذين كانوا وراء هذا الخطاب، ومن ثم سيتم تنفيذ الكثير من الوعود الانتخابية، لكن بعد ضبطها على أرضية الواقع وعلى أرضية القانون والدستور الأمريكي.

ثامنًا: وفقًا لما ذكرته الـ سى أن أن، شرع 12 شخصًا فى الإدارة الانتقالية لترامب بالفعل فى مناقشة الجدار العازل وفى مناقشة موضوع هجرة المسلمين. وإذا كان هذا الخبر صحيحًا وليس كيديًا، فإن من دلالاته أن أفكار ترامب ستخضع للتطبيق بدرجة أو بأخرى بعد ضبطها.

وأخيرًا: فإن أمريكا دولة قانون ودستور، ولا يستطيع ترامب أو غيره أن يخرج على الحقوق الدستورية للمواطن. إذ هناك محكمة عليا تراقب ذلك. لكن فى نفس الوقت، لدى المسؤول فى أمريكا حرية حركة كبيرة وفقًا للدستور والقانون والتفويض الشعبي، ومن ثم يمكن لترامب وفريقه أن يصنعوا فرقًا ويطبقوا كثير من أفكارهم من دون تجاوز القانون والدستور. نعم، أمريكا دولة مؤسسات، وعمل هذه المؤسسات مقيد بالقانون والدستور. ويستطيع المسؤول أن يترك بصمته ويطبق سياساته وأفكاره، حيث إن سقف حركته كبير وواسع.

كلمة ختامية: ينافق أقباط كثيرون مواطنيهم المسلمين فى سب أمريكا وتحميلها كل مسؤولية مشاكل العالم. ويسبّح بعضهم بحمد مضطهديهم، ويسعون فى نفس الوقت بكل الطرق الممكنة إلى العيش فى أمريكا والحصول على لجوء دينى فيها لكونهم مضطهدين.... وهذا منتهى الشيزوفرينيا!!!!!!!!!!!!!

فهل يحدد هؤلاء ماذا يريدون بالضبط حتى يكونوا متسقين أخلاقيا مع أنفسهم ويبتعدوا عن هذا التلون القبيح والخداع الكاذب؟

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث