ريك نواك- برلين
في وقت سابق من هذا العام، واجهت النمسا وضعاً صعباً. فعلى غرار دول أوروبية أخرى، سعت إلى حظر البرقع وغيره من الملابس التي ترتديها بعض النساء المسلمات. غير أنه خلافاً لبعض تلك الدول، لم ترغب النمسا في تسميته حظراً للبرقع، خوفاً من إمكانية رفع دعاوى قضائية ضدها تتهمها بالتمييز.
وبدلاً من ذلك، سنّت النمسا قانوناً مثيراً للجدل يحظر على كل شخص في البلاد تغطية وجهه، مع بعض الاستثناءات لدواع طبية أو مهنية. القانون أصبح ساري المفعول هذا الشهر، ولكن يبدو أنه لا يشتغل على النحو الذي أريد له، ما يُظهر المشاكل التي تواجهها بعض الدول الأوروبية في وقت تحاول فيه منع بعض الرموز الدينية التي يُنظر إليها باعتبارها تتنافى مع القيم الغربية، مع الحرص في الوقت نفسه على احترام دساتيرها الخاصة، التي عادة ما تنص على الحرية الدينية.
فأولاً، ما زال معظم النمساويين يشيرون إلى القانون الجديد بـ«حظر البرقع»، على رغم جهود المسؤولين الرامية إلى تجنب هذه التسمية. وفضلاً عن ذلك، فإن استهداف غطاء الوجه الذي ترتديه بعض النساء المسلمات من دون الإشارة إليه بالاسم أدى إلى بعض الأوضاع الغريبة في النمسا. فقبل أيام قليلة من موعد الانتخابات التشريعية -التي يمكن أن يفوز فيها «حزب الحرية» اليميني المتطرف بما قد يصل إلى 25 في المئة من الأصوات- يبدو أن الشرطة تقوم بتنفيذ القانون الجديد بصرامة مفرطة وتؤوّل القانون بطريقة متطرفة نوعاً ما، حيث يقوم أفراد الشرطة بإيقاف راكبي الدراجات الذين يرتدون أوشحة. وعلى سبيل المثال، حرّرت الشرطة غرامة قدرها 175 دولاراً في حق شخص يرتدي زي قرش لأغراض تسويقية بمركز المدينة في فيينا. وقد أُعلن خبر الغرامة من قبل مشغِّل الرجل الذي صدرت في حقه الغرامة -وهي شركة علاقات عامة- وأكدته السلطات لاحقاً.
وقال جاكوب كاتنر، وهو مدير في وكالة العلاقات العامة المذكورة: «لقد كان يرتدي زي حيوان وليس زي إرهابي». وأوضح كاتنر أن شركته لا تنوي استئناف حكم الغرامة، معترفاً بأن الزي انتهك نص القانون. غير أن مما يعكس الارتباك الذي تسبب فيه هذا القانون، إعلان الشرطة يوم الاثنين أن التهم ضد الرجل قد تُسقط.
وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الشرطة هارلد سوروس، الذي اعترف بوجود بعض العيوب في القانون: «إن هذا القانون لا ينطبق على المهنيين الذين قد يحتاجون لتغطية وجوههم بسبب وظائفهم». وأكد أنه تم إيقاف عدد من راكبي الدراجات خطأ بسبب ارتدائهم أوشحة للحماية من البرد، ولكنه أضاف أيضاً أن لا أحد منهم صدرت بحقه غرامة.
وقال: «صحيح أنه يتعين على أفراد الشرطة أن يقوموا بتنفيذ هذا القانون على نحو يراعي الاختلافات الموجودة، فهو لا يشبه غرامة تجاوز السرعة المحددة. وفي المقابل، ينبغي النظر في كل حالة على حدة». وفي هذه الأثناء، أشارت السلطات إلى أن عيد «الهالوين» -الذي ترتدى فيه الأزياء التنكرية- لن يتأثر بالقانون الجديد.
بيد أن الارتباك واسع النطاق أدى إلى تجدد الانتقادات للقانون الجديد، ولكن لأسباب مختلفة نوعاً ما عن تلك التي ظهرت عندما تم اقتراحه في البداية. فالعديد من النساء المسلمات ومعارضون آخرون للقانون، الذي مُرر باعتباره جزءاً من «حزمة اندماج» تشمل تدابير ترمي إلى مساعدة الوافدين الجدد على الاندماج في الثقافة النمساوية، اعتبروه تمييزياً وعنصرياً.
وقبل أن تتم الموافقة على القانون، كان الرئيس النمساوي ألكسندر فان دير بيلن أعلن أنه يدعم حق المرأة في ارتداء حجاب إسلامي، بل وبدا أنه يشير إلى أن كل النساء ينبغي أن يرتدين حجاباً من باب التضامن ومن أجل محاربة الأفكار المسبقة ضد المسلمين. ولكنه في النهاية وقع على حظر غطاء الوجه، قائلاً إنه لا يرحّب به، ولكنه لا يتعارض مع الدستور. ولئن كانت معارضة حظر البرقع أكثر قوة في السابق داخل الجاليات المسلمة، فإن مشاعر الغضب توسعت الآن وتجاوزتها إلى شرائح أخرى من المجتمع النمساوي. ويقول كاتنر في هذا السياق: «إن عبث الحوادث الأخيرة يُظهر إلى أي مدى يُعد هذا القانون عديم الجدوى بالفعل!».
واشنطن بوست