أحمد الشورى
على الرغم من وجود عدد من المؤسسات الدينية المعتدلة الناشطة في مجالات التعليم والتنشئة في دول الشرق الأوسط، فإن قطاعًا آخر غير محدود من المدارس الدينية غير الرسمية بات يُعدُّ مرتكزًا أساسيًّا لنشر التطرف الفكري والإرهاب بين صفوف الشباب، في إطار العلاقات الوثيقة بين بعض التنظيمات الإرهابية والجماعات الفكرية وهذه الفئة من المدارس الدينية التي تنتشر في بعض الدول غير المستقرة، والتي تهيمن فيها التنظيمات الإرهابية على دويلات كاملة، مثل سوريا، واليمن، والعراق، وليبيا، وباكستان، وأفغانستان.
فلسفة التعليم المتطرف
يستند التعليم في المدارس الدينية المتطرفة غير الرسمية المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية، بغض النظر عن الانتماءات المذهبية لهذه التنظيمات، على بعض المرتكزات، التي يمكن تلخيصها في عددٍ من النقاط، على النحو الآتي:
1-مركزية "الخلافة مقابل مفهوم الدولة": هذه الفكرة "المثالية" تُعد رابطة عاطفية ودينية وتاريخية، تمكِّنها من كسب تعاطف وتجنيد الشباب، فهي في الوعي الجمعي للشباب تمثل رمزًا للتقدم والسيطرة وفقًا للأسس التاريخية.
2- إعادة تعريف التديُّن: يرتبط ذلك بالتشدد فيما يتعلق بالمظاهر الشكلية للتدين، وتحجيم قيمة التدين المعنوي الأخلاقي ومظاهره، مما يخلق درجة من الازدواجية لدى منتسبي تلك المدارس.
3- الطبقية الدينية: حيث تسعى هذه المدارس الخارجة عن نطاق هيمنة الدولة والرقابة الدينية لخلق نوعٍ من الطبقية الدينية في المجتمع، وقصر الحقوق العامة على الملتزمين المتدينين، مما يضفي على منتسبي تلك المدارس صورةً ذهنيةً تتسم بالنموذجية والملائكية التي يتسم بها المتدين وفق رؤيتهم، وهو ما يزيد الهوة الفاصلة بين الذات والآخر.
4- التفسيرات الظاهرية: تتسم الدراسة في المنشآت الدينية غير الرسمية بالتركيز على القراءة الظاهرية للنصوص والأحداث، كما يستند تعليم هذه المدارس بصفة أساسية إلى النقل لا العقل، واحتكار الحقيقة فكرًا وسلوكًا، فلا تستند تلك المنهجية إلى أسس الحوار والتعايش، بل الصدام والتنافر. ووضع مقاييس حدِّية لنموذج المتدين، وتنفي الآخرين من دائرة التدين (الظاهري)، والترهيب بالدين واستحضار الآليات التي تدل على العذاب، مما يزرع بذور الإرهاب الفكري في عقول الصغار.
5- ثقافة الإنكار: يستند التعليم في المدارس الدينية المتطرفة إلى رؤى فكرية تقوم على الانفصال عن الواقع، وإعادة قراءته وفق اتساقه مع الرؤى العقائدية والغيبية، ومن ثم يصبح كل تطور واقعي مستنسخًا من سياقات الماضي، ويرتبط بالخلفيات التاريخية والفكرية للصراع مع الآخر في إطار "المحنة" التي تمر بها "الأمة" قبل مرحلة "التمكين في الأرض"، وهو ما يزيد من ثقافة الكراهية والعداء للآخر، ويعزز من اتجاهات العنف لدى النشء.
خريطة المدارس المتطرفة
في مقابل المدارس الدينية المعتدلة التي تقوم على الوسطية، انتشرت في منطقة الشرق الأوسط مدارس دينية غير رسمية مستقلة، وغير خاضعة لرقابة الدول، تقوم على نشر ثقافة التطرف والعنف والعداء للآخر، وهي التي استغلَّتها التنظيمات الإرهابية في التمدد واستقطاب عناصر من الشباب لصفوفها، وتتمثل أهم الدول التي تواجه تهديدات المدارس الدينية المتطرفة في الآتي:
1- المدارس الدينية في باكستان: ظهرت أكثر من 300 مدرسة دينية منذ استقلال باكستان، وشهدت تلك المدارس زخمًا في حقبة حكم الجنرال محمد ضياء الحق العهد الذهبي، حيث أسهمت في توريد المقاتلين إلى داخل أفغانستان تحت مسميات الجهاد وتحرير البلاد من الأعداء، وازداد عددها مؤخَّرًا إلى 30 ألف مدرسة، يدرس فيها ما يقارب المليوني طالب وطالبة، وتحظى هذه المدارس بشعبية لدى معظم الطبقات الفقيرة.
وقد بدأ الإعلام الغربي يلتفت إلى هذه المدارس عندما وصلت حركة طالبان الأفغانية إلى سدة الحكم في أفغانستان، على اعتبار أنها أسهمت في إعداد كوادر الحركة التي اشتهرت بتطرفها، وازداد هذا الصخب إثر أحداث 11 سبتمبر، حيث تواجه هذه المدارس اتهامات بنشر الفكر المتشدد، وتُعد منبعًا للحركات التكفيرية التي أخذت في النمو بشكلٍ مضطرد في باكستان، وكان 10 من كبار قادة طالبان قد تلقوا تعليمهم في هذه المدارس، خاصة مدرسة "دار العلوم الحقانية" في بيشاور، وحتى المُلَّا محمد عمر، التحق لوقت قصير بهذه المدرسة، كما تبين مشاركة أفراد من أصول باكستانية من خريجي هذه المدارس في عمليات إرهابية متعددة، مثل تفجيرات لندن، وأحداث المسجد الأحمر في إسلام آباد عام 2007.
2- المدارس الدينية في أندونيسيا: تصاعد الجدل حول مدى اعتدال المدارس الدينية في أندونيسيا بعد تفجيرات بالي في 2002، عندما اتهم الزعيم الديني أبوبكر باعشير - الذي يشكل مرجعيةً دينيةً لكثير من المدارس الإسلامية - بأنه الزعيم الروحي لشبكة الجماعة الإسلامية التي تبنت التفجيرات التي راح ضحيتها أكثر من 200 شخص.
وأكد مكتب مكافحة الإرهاب الإندونيسي على تمكن تنظيم داعش الإرهابي من تجنيد 100 شاب في ديسمبر 2014، متهمًا بذلك مجموعة من المدارس بعلاقتها بالتنظيمات المتطرفة؛ ومن أبرزها مدرسة المكمن في مدينة نيجروكي؛ حيث إن خريجيها ينتمون للجماعة الإسلامية المحظورة. كما أن التفجيرات التي تمت في جاكرتا مطلع عام 2016، قام بها الانتحاريون: أحمد مهزان، وعفيف ومحمد علي، الذين ثبت تلقيهم التعليم الديني في مدرسة دينية في سولو.
3- أسلمة المجتمع في تركيا: اهتمت حكومة العدالة والتنمية بالتعليم الديني بموجب إصلاحات طرحها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث يواجه مجلس التعليم في تركيا انتقادات لاقتراحه جعل التربية الدينية موضوعًا إجباريًّا للتلاميذ الصغار، بالإضافة إلى التوسع في إنشاء المدارس الدينية الخاصة، وتقديم محفِّزات للأسر لضم أطفالهم للتعليم الديني، الذي يخضع لبعض المؤسسات المرتبطة بحزب العدالة والتنمية.
وقد تم تعديل امتحان القبول بالجامعات عام 2011 لاستبعاد أي تمييز في غير صالح تلاميذ مدارس الإمام الخطيب، والسماح بالتعليم الديني في سن المرحلة المتوسطة بدلًا من اقتصاره في السابق على طلبة المدارس الثانوية، كما تجبر طلاب المدارس والجامعات، مهما كان دينهم أو طائفتهم، على حضور الدروس الدينية القائمة أساسًا على تحفيظ القرآن وتعلم السيرة النبوية.
وفي هذا السياق، تم زيادة عدد مدارس "إمام خطيب" بنسبة 73%، من 2011- 2014 ، وهي المدارس التي تخرَّج منها أردوغان نفسه. وفي السياق نفسه ندَّد رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو بقرار صدر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ينتقد التعليم الديني الإجباري في المدارس التركية، معتبرًا أن غياب هذا التعليم قد يدفع البلاد نحو التطرف، على غرار ما هو حاصلٌ في العراق وسوريا.
4- المدارس الدينية الداعشية: أشار باحثون من مؤسسة كويليام المتخصصة في مكافحة الإرهاب في دراسة سابقة، إلى استغلال وإساءة معاملة الأطفال كوسيلة لتأمين مستقبل تنظيم داعش، حيث يقوم التنظيم بتنشئة جيل جديد، يتم تلقينهم مفاهيم دينية منذ مولدهم في المدارس، وذلك بالتوازي مع الانضمام لمعسكرات التدريب بين سن 10 و15 عامًا، ويتشجعون فيها على العنف، ويدرسون بعض المهارات اللازمة لخدمة التنظيم.
ومن ناحية أخرى، قام التنظيم بتغيير مناهج الدراسة وحذف عددٍ من المواد والتركيز على التعليم الديني، وإنشاء ما يُسمَّى بـ"ديوان التعليم"، بهدف خلق أجيال جديدة وصاعدة من المتطرفين، وبعد الدراسة النظرية يبدأ الجانب العملي، حيث تخضع مجموعات كبيرة من الأطفال إلى حصص من التدريب العسكري، كلٌّ بحسب تصنيفه، وسنِّه، والهدف من تجنيده.
كما يتم توثيق هذه التدريبات الصباحية، وأخذ الصور مع الأطفال وهم يحملون أسلحة ثقيلة، وتشير التقديرات إلى أن هناك مئات المدارس التابعة لتنظيمات القاعدة و"داعش" بمختلف فروعها في سوريا والعراق، وهو ما يعني أن العالم سيواجه جيلًا جديدًا من الإرهابيين والمتطرفين، أشدَّ عنفًا وفتكًا بسبب التنشئة العنيفة لهؤلاء، مما يزيد الأمر صعوبة للقضاء على هذا التنظيم، بسبب نجاحه في تجديد شبابه بروافد جديدة من الأطفال، التي تكبر وتصبح أحد الأركان الفاعلة في التنظيم.
5- المدارس الدينية في اليمن: يرى عددٌ من الباحثين أن المدارس الدينية في اليمن أصبحت ملاذًا للقاعدة، ومركزًا للشحن الطائفي والمذهبي والتشدٌّد الديني. وهناك نماذج على تمكُّن تلك المدارس من استقطاب الشباب وتحويلهم إلى متطرفين، ومن أبرز هؤلاء الشباب زياد الغوري، شاب في سن الخامسة عشرة من عمره، الذي تحوَّل من شخص عنيف ومهرب ومشاغب إلى "جهادي"، فبعد مغادرته السجن انتقل للإقامة في بريطانيا، ثم توجه إلى اليمن، حيث التحق بمدرسة دينية، وتقرب من الشيخ عبد المجيد الزنداني، ثم تعرف على أنور العولقي، وانضم إلى حلقة دراسية كان يتولاها الأخير في صنعاء، التي كانت في تلك الفترة "بؤرة لجذب التعصب الديني" عند الأجانب الذين اعتنقوا الإسلام حديثًا.
6- المدارس الدينية في دول المغرب العربي: بسبب حالة الفوضى التي شهدتها ليبيا في أعقاب سقوط نظام القذافي، انتشرت بعض المعاهد الدينية غير الرسمية، التي تُعَدَّ منصةً لانطلاق كل الأفكار التكفيرية والمتطرفة، وخاصة التفرقة المذهبية. وقد انضم بعض المنتمين لهذه المعاهد إلى "داعش" وغيرها من المنظمات التي تتهم باقي الطوائف والمذاهب بالكفر، بل دفع عدد من هؤلاء إلى الالتحاق بالمنظمات والمشاركة في جبهات القتال في الداخل السوري، والعودة مرة أخرى إلى ليبيا.
وفي تونس، وُجِّهت أصابعُ الاتهام إلى عدد من "روضات الأطفال القرآنية" بالترويج للتطرف الديني وصناعته في تونس، التي أنشأتها جمعيات دينية، وهي تعمل في الغالب خارج نطاق القانون، والهدف منها تخريج نخبة متطرفة داخل المجتمع التونسي، حيث تعطي الأطفال تربية دينية مكثفة غير ملائمة لأعمارهم، وتعاملهم بعنف، تلك الروضات تبني شهرتها على أساس أنها تعلم الأطفال القراءة والكتابة باللغة العربية، إلا أنها تستند إلى العنف كمنهج للتربية وللتدريس لهؤلاء الأطفال وفقًا لبعض الاتجاهات العديدة، علاوة على غرس فكرة الصراع والصدام بين الإسلام والآخر بدلًا من التعاون، فتصبح كلمة الجهاد عالقةً وراسخة في عقولهم، كما أن انخفاض تكلفتها يشكِّل حافزًا قويًّا لأولياء الأمور لإلحاق أبنائهم بها.
7- المدارس الدينية في أفريقيا: أمام انتشار الأفكار المتطرفة، سواء في شمال أفريقيا أو غربها، قامت الحكومة الموريتانية، على سبيل المثال، باتخاذ عدة قرارات من شأنها تشديد الإجراءات على المدارس الدينية، واعتبرت أن هذه الإجراءات تدخل في إطار سياسة تنظيم المخاطر من خلال الكشف عن مصادر التمويل، والمناهج التي يتم تدريسها، وهويات العاملين بهذه المدارس.
وفي المقابل، قام تنظيم بوكو حرام، على أساس التعليم الديني ورفض التعليم المدني، معتمدًا على الآراء النظرية لعدد من المتشددين، أمثال أبو محمد المقدسي، بعنوان: "إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس"، وغيره من منظِّري التطرف، ومن ضمن أسس ومبادئ هذا التنظيم تحريم التعليم الغربي من المدارس إلى الجامعة.
كما انتشرت بوكو حرام عن طريق الوعظ في المدارس الإسلامية والمساجد في مختلف أنحاء ميدوجوري؛ حيث إنهم يستغلون المدارس الإسلامية للترويج لأيدلوجيتهم العنيفة والمعادية لمؤسسات الدولة، وقد استفادت من التوسع في المدارس الدينية التي تدين لتلك التنظيم بالولاء، وهو ما استغله الداعية محمد يوسف الذي أسس جماعة بوكو حرام بدعوى مناهضة الفساد المستشري في الحكومة وإهمال الفقراء، وبهذا تمكَّن من اجتذاب المضطهدين والفقراء.
التهديدات الفكرية للتنشئة المتطرفة
تُعَدُّ التنشئة الاجتماعية والثقافية أحدَ أهم روافد التربية لدى الأطفال، والتي تحدد مستقبَلَهم، والمسارات التي يسلكونها مستقبلًا، لذلك فالمدارس الدينية التي لا تعمل على تنقية نصوصها وموادها، فإنها تَحُثُّ على التطرف، إما بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، مما قد يترك آثارًا ممتدة على عقولهم وأذهانهم، وهذه التأثيرات يمكن إجمالها في الآتي:
1-صناعة العقل النقلي مقابل العقل النقدي: نجد أن التعليم الديني المتطرف يجعل التنشئة أداةً طيِّعةً يمكن تجنيدها في شبكات الإرهاب والتطرف الإقليمي والعالمي، خاصة وأن منظومتها التعليمية تقوم على التلقين والنقل لا العقل، والصدام لا الحوار، فيسهم في تشكيل ما يُعرف بـ "العقل الاتباعي" الذي يقوم على "الطاعة العمياء"، فيسهل تحويل هؤلاء إلى مجرد "أجهزة آلية" يتم توجيهها بناءً على أوامر وأفكار، دون أن يكون لديه حرية الاختيار في التحرر من هذه السطوة الفكرية، خاصة وأن هذا العقل الناقل من السهل السيطرةُ عليه وتوجيهه، على عكس العقل النقدي الذي يميل إلى الاعتراض والانتقاد والمحاورة وإبداء الرأي ورفض المسلمات والسلطوية.
ومن ثَمَّ نجد أن المدارس الدينية المتطرفة تعزِّزُ من تلك الاتجاهات بهدف تحويل النشء إلى أتباع للاتجاهات الدينية دون التفكير الناقد، خاصة وأن تلك الجماعات ترفض الديمقراطية "مبدأ وممارسة"، هادفة إلى تعزيز العقليات المنغلقة لا المنفتحة على الآخر.
2-صناعة الخرافات الدينية: يسهم التعليم الديني المتطرف وغير المعتدل في بعض دول الإقليم في بث الخرافات الدينية؛ لأن مخرجات تلك المنظومة تمجِّد الخرافات الخارقة للقواعد الطبيعية وأساطير التاريخ، وتقديس السلطة والسطوة الدينية للقيادات إلى حد التقديس.
3- الانغلاق الفكري: تسهم تلك المنظومة في إفراز عقليات وثقافات منغلقة فكريًّا، رافضة للتحديث، معتبرةً إيَّاه "بدعة"، وأنها تدعو إلى "التغريب"، مما يسهم في تكوين ما يُعرَف بـ "العقلية التآمرية"، كأحد الآليات والوسائل لإخضاع أعضائها وعدم خروجهم،؛ حيث يُنظَر للغرب على أنه مصدر كل الشرور والآثام، وأنه يستهدف عقائد المنتمين لهذه الجماعات الدينية.
4- المصادرة على التفكير: فتلك المنظومة تعزز السلوك المتطرف الذي يصل إلى حد العنف بحكم انغلاقها وتمركزها حول الذات، علاوةً على سيادة روح التطرف الديني وإلغاء الآخر، أو -على الأقل- تهميشه وتجاهله، استنادًا إلى تأويل النصوص التي تقوم على عدم التسامح، ولا يقتصر الأمر على المحتوى، بل يمتد إلى أساليب التدريس التي تستند إلى التسلُّط والأحادية والانغلاق، وتجاهل المناقشات أو الحوار العقلاني، مما أسهم في تغذية الطلاب بأفكار التطرف.
مستقبل المدارس الدينية
يتوقف مستقبل المدارس الدينية المتطرفة على عدة محددات، يتمثل أهمها في الآتي:
1- الدعم الداخلي والخارجي: فمن المعروف أن تلك المدارس كانت تحظى بدعم بعض الجهات الحكومية في بعض الدول والمؤسسات الخيرية، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة؛ لأنها كانت تعبِّر عن قناعة تلك الجهات الدينية والعقائدية، بالإضافة إلى توظيفها لمقاومة تيارات سياسية ومجتمعية أخرى، ولكن في الآونة الأخيرة تصاعدت اتجاهات محاصرة تلك المدارس غير الخاضعة لسيطرة الدولة في عدد من الدول، سواء بإغلاقها، مثل الحالة المصرية، وذلك عندما أقدمت السلطات المصرية على إغلاق ومصادرة عدد من المدارس الإخوانية الخاصة، وهو ما تم تطبيقه في موريتانيا، وإغلاق عدد من الروضات الدينية الخاصة في تونس.
2- التمويل الخارجي: يتوقف بقاء وتمدد المدارس الدينية المتطرفة غير الرسمية، وغير الخاضعة لرقابة الدولة، على وجود مصادر للتمويل الخارجي من جانب بعض المؤسسات الخيرية، والمنظمات الدينية العابرة للحدود، وبعض الجهات الداخلية، ومن ثَمَّ فإن تجفيف منابع تمويل هذه المدارس قد يسهم في التصدي لتأثيراتها السلبية على المجتمع.
3- الاستقرار الداخلي: من الشائع أن عدم الاستقرار السياسي والأزمات الاقتصادية تمثل بيئة خصبة تنمو فيها أفكار التطرف والجماعات الراديكالية، ومن ثَمَّ يسمح لتلك المدارس المتطرفة في الانتشار، وتستغل بذلك الجماعات المتطرفة ضعفَ الدولة وهشاشتها، مما يسهم في توغُّلها وانتشارها؛ لأنها تعمل بعيدًا عن القانون، ويزداد الأمر صعوبة إذا وجدت هذه المدارس حاضنة شعبية واجتماعية؛ خاصة في المناطق الريفية والنائية البعيدة عن سيطرة الدولة، والتي تعاني من غياب المؤسسات التعليمية الرسمية المدنية والدينية.
يمكن القول ختامًا إن تجاوز تهديد عدد من المدارس الدينية من فكرة الأسلمة إلى نشر أفكار العنف والتطرف، بل وصناعة الإرهابيين أيضًا، يحتِّم ضرورة مواجهتها بشكلٍ قوي وفعَّال، واتخاذ عدد من الإجراءات "الوقائية"، سواء بتقنين وضعها تحت رقابة الجهات الحكومية في بلدانها، أو إغلاقها، مثلما قامت به عدد من الدول إذا ما ثبت تورطها في الأعمال الإرهابية والعنف، بالتوازي مع التوسُّع في نشر الاعتدال الديني، وتعزيز دور المؤسسات الدينية المعتدلة.
المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية