يصادف الثامن من آذار/ مارس من كل عام "اليوم الدولي للمرأة". ويأتي هذا العيد العالمي للمرأة هذه السنة، وأوضاع النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست على القدر المنشود، وجائحة الفيروس التاجي لاعب أساسي في ذلك. ويمكن رسم صورة لما تعيشه النساء في المنطقة من خلال نتائج الدورة السادسة لاستطلاعات الرأي التي أجراها الباروميتر العربي، وهو مؤسسة بحثية مستقلة معنية بالأوضاع في المنطقة.
ارتدادات كورونا
تحمّلت نساء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا القسط الأكبر من تبعات الوباء الذي أثّر بشدة على حقوقهن والمساواة بين الجنسين في أنحاء العالم، وعلى نحو خاص إبطاء تطبيق تلك الحقوق. وجد استطلاع الرأي العام الأخير للباروميتر العربي، في خمس دول عربية، أن النساء العربيات عانين على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي أكثر مما عانى الرجال العرب.
في الجزائر ولبنان تحديداً، لوحظ أن التوجهات الخاصة بالنساء وتلك الخاصة بالرجال تفاوتت كثيراً. شمل تأثير كوفيد-19 أدوار ومسؤوليات النساء في المنزل وفي مكان العمل، وهو أمر لم يكن مفاجئاً بالنظر إلى وضع النساء في المنطقة في مرحلة ما قبل الجائحة.
في خمس من أصل سبع دول مشمولة في الاستطلاع، أيّد نصف الرجال والنساء، على الأقل، القول إن "المسؤولية الرئيسية للعناية بشؤون المنزل ورعاية الأطفال تقع على المرأة". وكانت واحدة من كل ثلاث سيدات في ليبيا ولبنان توافق على هذه المقولة. علماً أن لبنان هو البلد الوحيد المشمول بالاستطلاع الذي أيّد أقل من نصف الرجال فيه هذه المقولة (35%).
ولم تكن الاختلافات الجندرية على هذه المقولة كبيرة إلا في ليبيا إذ أيّد 71% من الرجال هناك - أو أيّدوا بشدة - القول إن المنزل والأطفال مسؤولية المرأة الأساسية، مقابل 31% من النساء.
وكان العمر عاملاً مؤثراً في الموقف من تلك العبارة في بعض الدول. الفئة العمرية 18-29 عاماً والفئة المتخطية الـ30 عاماً من النساء كانتا أقل تأييداً لهذه المقولة. الجزائر هي الوحيدة التي كانت نساء الشريحة العمرية 18- 29 عاماً فيها أكثر تأييداً لتقبل أن مسؤولية النساء الأساسية هي المنزل والأطفال.
في سياق متصل، تجدر الإشارة إلى أن النساء يواجهن المزيد من التوقعات في ما يخص إدارة الحياة المنزلية مقارنة بالرجال، علماً أن الحظر الحكومي يزيد عبء المسؤوليات المنزلية. وبرغم التحديات التي تواجههن في المنزل، رأت نساء المنطقة أن "الوحدة الأسرية" زادت أثناء الوباء.
النساء والعمل
قبل انتشار جائحة الفيروس التاجي، كانت مشاركة نساء المنطقة في قوة العمل أقل من مشاركة الرجال (21 مقابل 70%). وزادت الآثار الاقتصادية للوباء التهديد المتعلق بالأمن المعيشي وضمان الدخل للنساء العربيات.
وقضى التدهور الاقتصادي الناتج عن الجائحة على العديد من المكتسبات التي أحرزتها النساء خلال السنوات الأخيرة، وأضرت الإغلاقات والحظر بعمل النساء. وفي حين خسر عدد قليل من مواطني الدول المشمولة بالاستطلاع وظائفهم بسبب الوباء، عانى أشخاص كثر الاضطرابات المؤقتة في العمل. في الحالتين، تحملت النساء قسطاً وافراً من مشكلات العمل.
على سبيل المثال، بلغت الفجوة بين النساء والرجال الذين خسروا أعمالهم بصورة دائمة في المغرب ثماني نقاط مئوية مقابل أربع في الجزائر وتونس. وكانت النساء أكثر عرضة لخسارة عملهن مؤقتاً في الجزائر بفرق 11 نقطة عن الرجال، وثمانٍ في تونس.
ويشير تحليل الأرقام إلى أوجه التفاوت الواسع إذ أصاب التدهور الاقتصادي المترتب على الجائحة النساء العربيات بدرجة أكبر من الرجال، ويتضح الأثر الأشد في صفوف النساء الفقيرات.
وتنقسم معوقات دخول المرأة العربية معوقات ثقافية (إعطاء الرجال أولوية والاختلاط في أماكن العمل) وأخرى مؤسسية (عدم توفر خيارات رعاية الأطفال ووسائل النقل والمواصلات). واعتبر الكثير من السيدات المشمولات بالاستطلاع أن المشكلات الهيكلية زادت خلال فترة كوفيد-19 مقارنة بالمشكلات الاجتماعية.
وأبرز الأسباب التي حددتها المشاركات لعرقلة عمل المرأة هي: عدم توفر مرافق رعاية الأطفال وعدم توفر وسائل المواصلات. وقالت نسب من النساء تراوح بين 67% في ليبيا و81% في الأردن إن عدم توفر خيارات رعاية الأطفال شكّل عائقاً متوسطاً أو كبيراً لعملهن.
ومثّل عدم توفر المواصلات عائقاً لعمل بين 44% من النساء في لبنان و78% من النساء في تونس. ووافق نصف النساء في جميع الدول المبحوثة على أن تدني الرواتب يعرقل دخولهن سوق العمل. ولا يزال "الاختلاط في مكان العمل" و"إعلاء أولوية اختيار الرجال للعمل" يمثلان عائقين أمام عمل قسم كبير من النساء العربيات.
سلامة النساء
خلال الجائحة، أبلغ نحو ربع النساء في جميع الدول المشمولة بالاستطلاع عن زيادة العنف البدني القائم على النوع في المجتمع أثناء الجائحة. وشمل ذلك حوالى نصف النساء في المغرب والجزائر (47%) وأكثر من الثلثين في تونس (69%).
الأمر المطمئن هو أن الاستطلاع الأخير ضمن الدورة السادسة للباروميتر سجّل تراجعاً في نسبة النساء اللواتي أبلغن عن زيادة العنف البدني في المغرب (25%) والجزائر (24%) وتونس (62%).
وبقيت النسبة مستقرة في الدول التي أفاد أقل من نصف نسائها بزيادة في العنف الجندري كما في الأردن (من 29 إلى 55%) ولبنان (من 23 إلى 43%).
بوجه عام، كان للجائحة "أثر متضخم" على "سلامة" النساء العربيات ورفاهيتهن. أشار تقرير حديث لـ"اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا" التابعة للأمم المتحدة، إلى الزيادة الهائلة في معدلات العنف الجنساني في العالم العربي، في ظل كوفيد-19.
وأجبرت الإغلاقات الكثير من النساء العربيات العالقات في علاقات عنيفة إلى البقاء في البيوت مع من يسيئون إليهن. ووجد تحليل الباروميتر أن النساء المعرضات للخطر في العالم العربي تلمّسن السلامة والحماية خلال فترات الحجر المطول، في "خيارات زائفة" تشمل الصلاة والدعاء والمشورة عبر الإنترنت. وقد عزا ذلك إلى إخفاق الحكومات العربية في إعلاء أولوية دعم النساء وحمايتهن في إطار خطط التعافي والتعامل مع آثار الجائحة.
ومن أبرز عوامل تفاقم العنف الأسري في المنطقة العربية استمرار الاعتقاد الخاطئ بأنها "شأن عائلي خاص". وتفكر قلة قليلة من النساء (12%) في تقديم شكوى رسمية بسبب العنف. وينفرد لبنان بأن نحو نصف نسائه ضحايا العنف قلن إنهن يبلغن الشرطة بحوادث العنف الأسري (49%).
النساء والسياسة
وبرغم أن غالبية المواطنين العرب المشمولين بالاستطلاع أظهروا تقبلاً لانخراط النساء في العمل السياسي لا تزال عدة عراقيل تحول دون ذلك، منها الاعتقاد بأن الرجال أجدر من النساء بالقيادة السياسية، وعدم اهتمام العديد من النساء بالسياسة، ووقوف عدد من النساء ضد قدرات بنات جنسهن القيادية.
ما الذي تحتاجه المرأة العربية في عيدها الدولي 2022؟
بالاستناد إلى تبعات الجائحة على النساء العربيات، نجد أن الوباء سلّط الضوء على قصور التدابير الداعمة التي تستعين بها السلطات العربية في دعم النساء وحماية الناجيات من العنف منهن.
ويبدو الأمر أشد قلقاً بالنسبة إلى الضحايا من النساء اللواتي فقدن عملهن حديثاً ويعشن تحت خط الفقر أو على مقربة منه، إذ يصبحن أكثر اعتماداً على من يسيئون إليهن في الأمان المالي والمأوى.
انطلاقاً من ذلك، يمكن القول إن أزمة كوفيد-19 تمنح الدول العربية الفرصة لتحويل العنف الأسري من شأن عائلي خاص إلى قضية عامة. وينبغي للسلطات في الدول العربية أولاً "التصدي بشكل قوي وحازم للعنف الأسري بصفته أزمة صحة عامة" و"توطيد التعاون بين الشرطة ونظام العدالة الجنائية والقطاع الصحي ومنظمات حقوق المرأة المحلية لتوفير الإغاثة الفورية والدعم الكافي للنساء الناجيات من العنف".
أما على المدى البعيد، فيمكن تعديل أو إعادة صوغ قوانين الأحوال الشخصية التمييزية بحيث يُعاد ضبط الأدوار الجندرية على نحو يحقق المساواة، وإلا فلن يتوقف العنف الأسري وستظل ضحاياه من النساء العربيات غير قادرات على طلب المساعدة المؤسسية.
من المهم أيضاً أن تواجه الحكومات العربية آثار الجائحة لدى ازدهار النشاط الاقتصادي المأمول بعد الجائحة ببذل جهد أكبر لمساعدة النساء في الانضمام إلى سوق العمل. ويلزم لذلك التعرف على معوقات دخول النساء مجال العمل والبدء في إعداد سياسات لتخفيف وطأة هذه العراقيل.
رصيف 22