وقع حادث إطلاق النار الأكثر دموية في التاريخ الأميركي الحديث، ليلة الأحد 1 أكتوبر/تشرين الأول، عندما قَتَل رجلٌ يُدعى ستيفن كريغ بادوك (64 عاماً) 58 شخصاً على الأقل وجرح المئات، في مهرجان لموسيقى الكانتري بمدينة لاس فيغاس الأميركية.
وسرعان ما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عن هذا الحادث الإرهابي، أمس الإثنين، 2 أكتوبر/تشرين الأول، من خلال وكالة أعماق الإخبارية التابعة للتنظيم. ونفى مكتب التحقيقات الفيدرالي والشرطة المحلية هذا الادعاء، قائلين إنه لا توجد أدلة حالياً على وجود صلة بين بادوك وأي جماعة إرهابية دولية.
ولأسبابٍ عدة، كانت هناك شكوك متزايدة حول ادعاء داعش هذه المرة. وإذا تبين أن بيانات التنظيم لا أساس لها من الصحة، سيكون ذلك غير معتاد، إذ نادراً ما يتحمل داعش المسؤولية الرسمية لأي هجوم، دون أن يكون قد لعب دوراً فيه. أحياناً يقتصر هذا الدور على الإلهام الأيديولوجي لمنفذي الهجوم، ولكن عادةً ما تكون هناك بعض التبريرات لادعاءات التنظيم، وفق ما ذكرت النسخة الأميركية لهاف بوست.
وفي حالة بادوك، هناك القليل من الأدلة الفورية التي تشير إلى أنه كانت له علاقات مع داعش أو أيَّد أفكاره. وقالت عائلته إنه لم يعبر قط عن مثل هذه الآراء المتطرفة، ولم يكن له أي انتماء سياسي أو ديني.
ولم يُعرَف عن بادوك أنه سافر إلى سوريا أو العراق أو ليبيا، مثلما فعل بعض منفذي الهجمات الإرهابية المرتبطين بداعش، بمن فيهم الانتحاري الذي فجّر نفسه وتسبب في مقتل 22 شخصاً في حفل المغنية الأميركية أريانا غراندي في مدينة مانشستر الإنكليزية أوائل العام الجاري. كما أنه أكبر كثيراً من متوسط أعمار الأميركيين الذين اتُّهموا بارتكاب جرائم مرتبطة بداعش والذي يبلغ 28 عاماً.
وبخلاف العديد من القتلة الآخرين، لم يكن بادوك معروفاً من قبل للسلطات الفيدرالية، ولم يكن له سجلٌّ جنائي.
وأعرب مُحلِّلون مراقبون لهجمات ورسائل داعش عن حيرتهم منذ أن أعلن التنظيم مسؤوليته عن المذبحة، أمس الإثنين. وغرَّدَت ريتا كاتز، المديرة التنفيذية لشركة (Site Intelligence) المتخصصة في التتبع الإلكتروني للجماعات الإرهابية، قائلةً إنه "كان أغرب ادعاءات داعش التي رأتها".
وفي معظم الأحيان، اتبعت بيانات التنظيم عن الهجمات الإرهابية نمطاً أصبح معتاداً الآن في كيفية تحمل الجماعة المتطرفة مسؤولية هذه الهجمات. ولكن كانت هناك حقائق خفية هذه المرة، إذ أصدر التنظيم في البداية بياناً نمطياً إلى حد ما يعلن فيه مسؤوليته عن الهجوم، وأشار إلى بادوك بـ"أحد جنود الخلافة"، وهو الوصف الذي يستخدمه التنظيم مع تابعيه. ثم أتبع ذلك برسالة ثانية غير معتادة، أكد فيها التنظيم أن بادوك اعتنق الإسلام منذ شهورٍ عدة.
وأصدر داعش بياناً آخر في وقتٍ لاحق من هذا اليوم، عرَّف فيه بادوك باسم "أبو عبد البر"، ولكنه لم يقدم دليلاً مؤيداً لادعاءاته.
وأصبح داعش يائساً بشكلٍ متزايدٍ لتحقيق انتصارات دعائية، في ظل خسارته الأراضي بالعراق وسوريا.
ورغم حفاظه على درجةٍ مُحدَّدة من المصداقية في تبنيه للهجمات الإرهابية، لاحظ بعض المُحلِّلين أن بعض ادعاءات التنظيم أثارت تساؤلات خلال الشهور الماضية. إذ أعلن داعش مسؤوليته عن هجوم على كازينو بالعاصمة الفلبينية مانيلا، مما أسفر عن مقتل 32 شخصاً، في يونيو/حزيران الماضي، بيد أن الشرطة الفلبينية نفت أن يكون الحادث إرهابياً، وقالت إن منفذ الهجوم كان مقامراً غارقاً في الديون.
وما زالت التحقيقات حول الدافع وراء ارتكاب بادوك لهذه الجريمة في مراحلها الأولى.