ثروت منصور
في مطلع أغسطس 2018، عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة التركية، برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان، اجتماعاً استغرق أكثر من ساعتين، جرى خلاله تمديد فترة عمل وترقية تسعة جنرالات وأدميرالات، في مقدمتهم قائد الجيش الثاني إسماعيل متين تمل، وقائد القوات البحرية عدنان أوزاب، ورئيس هيئة الأركان ياسر غولر.
وفي الاجتماع نفسه، تمت ترقية 41 كولونيلاً إلى رتب أعلى، وأحيل على التقاعد 12 مسؤولاً عسكرياً آخر من مناصب مختلفة.
لكن هناك ملاحظتين على هذه القرارات، الأولى أن مَن اتخذها هو وزير الدفاع خلوصي آكار قبل الاجتماع بعدة أيام، وفقاً لصحيفة "ديلي حرييت" التركية؛ والثانية، هي أن المسؤولين العسكريين الذين جرت ترقيتهم، هم مقربون من آكار، أما المُحالون على التقاعد، فهم معروفون بعدم قربهم منه، حين كان رئيساً لأركان الجيش التركي.
سلطت التغييرات المذكورة الضوء على تصاعد نفوذ آكار في المؤسسة العسكرية، إضافة إلى دوره المتزايد في السياسة الداخلية، هو الذي زار الرئيس السابق عبد الله غول قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لإقناعه بعدم الترشح.
مَن هو خلوصي آكار؟
في التاسع من يوليو 2018، عُيّن الجنرال الصاعد على الساحة السياسية التركية خلوصي آكار وزيراً للدفاع في حكومة أردوغان الحالية، بعد أن كان يشغل منصب رئيس أركان الجيش منذ السابع من أغسطس 2015.
وُلد آكار عام 1952 في مدينة قيصيري، وهناك تعرّف على عدد من القيادات المحافظة في حزب العدالة والتنمية، في مقدمتهم عبد الله غول الذي كان زميله في فترة دراسته.
وتخرّج من الأكاديمية العسكرية كضابط مشاة عام 1972، وحصل على الدورات الأساسية في سلاح المشاه عام 1973.
سيرة آكار الذاتية تعكس اهتمامه المبكر بالعمل السياسي. فقد اهتم بالدراسات السياسية في أعقاب تخرجه من الأكاديمية العسكرية، والتحق بجامعة "كوينز" في بلفاست في إيرلندا الشمالية، للحصول على شهادة دراسات عليا في الدبلوماسية الدولية.
وحصل آكار، في ما بعد، على الدكتوراه في التاريخ التركي الحديث من جامعة البوسفور، كما أجرى دراسات أكاديمية في جامعة الشرق الأوسط التقنية، وأخرى في العلوم السياسية في كلية الحقوق بجامعة أنقرة.
حرص آكار الذي يحمل أعلى رتبة في الجيش (أربعة نجوم) على تحصيل الشهادت العسكرية، فتخرج من كلية القيادة والأركان العسكرية عام 1982، وكلية القوات المسلحة عام 1985، وكلية أركان القوات المسلحة الأمريكية عام 1987.
وتوطدت علاقته بحلف شمال الأطلسي مبكراً، عندما عمل ضابط ارتباط في رئاسة الأركان، وترسخت هذه العلاقة أكثر عندما أوفد كضابط في قسم الاستخبارات إلى قوات الحلف في جنوب أوروبا، في نابولي في إيطاليا، بين عامي 1990 و1993.
وبين عامي 2000 و2002، عاد مرة أخرى ليشغل منصب رئيس دائرة التخطيط والسياسات في شعبة الاستخبارات في مقر قيادة "القوات الجوية الجنوبية التابعة للناتو في نابولي.
وبعد حرب البوسنة، قاد أكار لواءً في مقاطعة "زينيتسا دوبوي"، بين عامي 1997 و1998، في إطار قوات حفظ الأمن. وتقديراً لدوره، منحه برلمان المقاطعة، في أغسطس 2018، "الجنسية الفخرية".
بداية صعود آكار عسكرياً كانت عام 1993، حين تولى منصب مساعد قائد القوات العسكرية البرية. وفي عام 1998، رُقّى إلى رتبة عميد، واستلم قيادة لواء الأمن الداخلي حتى عام 2000.
وفي عام 2002، رُقّي إلى رتبة "لواء"، وتولى قيادة كلية القيادة والأركان في الجيش خلال 2005. وبعد ترقيته إلى رتبة "فريق" عام 2007، تولى قيادة القوات البرية والإمداد.
وتوالى مسار الجنرال التصاعدي، فعُين قائداً للفيلق الثالث عام 2009، قبلأن يُرقّى عام 2011 إلى درجة "فريق أول" ويشغل منصب النائب الثاني لرئيس هيئة الأركان التركية حتى عام 2013 الذي شهد تعيينه قائداً للقوات البرية في منصب شغله حتى عام 2015.
ولم يُكشف عن دور أو موقع آكار أثناء أحداث انقلاب 1980 أو انقلاب 1997 الذي أطاح بأستاذ أردوغان، نجم الدين أربكان، من رئاسة الحكومة التركية.
ووفقاً للتعديلات الدستورية الجديدة، أصبح آكار أول وزير دفاع يكون المسؤول الرئيسي عن صناعة القرار الأمني، وعن الشؤون السياسية والقانونية والاجتماعية للجيش والخدمات التعليمية والمالية والميزانية والتجنيد، وشراء الأسلحة.
وستكون الوزارة تحت قيادته هي المسؤولة عن ملف الصناعات العسكرية، وأحواض السفن، والخدمات الصحية، ومشاريع البنية التحتية، كما ألحقت قيادة القوات البرية والقوات البحرية والجوية بوزير الدفاع.
وكان منصب وزير الدفاع في السابق أشبه بالشرفي، في حين كان رئيس الأركان هو الذي يدير كافة شؤون الجيش، العسكرية منها والسياسية.
ما سر تقارب آكار وأردوغان؟
ساهمت عمليات تطهير الجيش من أنصار حركة الخدمة في بناء علاقة قوية بين أردوغان وآكار. فالأخير لا يترك فرصة حتى يؤكد في وسائل الإعلام أنه مصمم على اجتثاث أنصار الداعية فتح الله غولن من القوات المسلحة.
يصطحب أردوغان آكار معه في سيارته الخاصة غالباً عندما يرافقه في عدد من المناسبات، ويجعله دائماً يقف أو يجلس بجانبه، ويصطحبه إلى الخارج في معظم الزيارات، حتى في أداء العمرة، وذلك منذ أن كان رئيساً للأركان، في حين كان وزير الدفاع مهمشاً.
وتظهر زوجة آكار في أوقات كثيرة، بجانب أردوغان وزوجته أمينة، وهي تضع "حجاباً على رأسها" على الرغم أنها غير محجبة.
كما يظهر آكار وهو يزور كُتّاباً معروفين بانتمائهم إلى المعسكر الإسلامي، مثل الكاتب والشاعر نوري باكاديل.
وفي حادثة مهمة، أرسل أردوغان أكار إلى الرئيس السابق عبد الله غول كي يقنعه بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية، علماً أنه كان يشغل منصباً عسكرياً (رئيس الأركان) يُفترض أن يمنعه من التدخل في العمل السياسي.
ودفعت لقاءاته المتكررة بأعضاء حزب العدالة والتنمية وسائل الإعلام التركية إلى التساؤل: هل بات آكار عضواً في حزب أردوغان السياسي؟
في أغسطس 2017، كان من المفترض أن يُحال آكار على التقاعد، لكن مجلس الشورى العسكري بقيادة رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم خالف كل توقعات، ومدّد له عاماً آخر في الخدمة العسكرية.
شعبية آكار تعزز فرصه السياسية
بدأت شعبية آكار في الظهور لدى الأتراك بعد تولّيه رئاسة الأركان بشهور قليلة، وذلك في أعقاب إسقاط مقاتلة روسية اخترقت الأجواء التركية، خاصة أن أردوغان تهرّب وقتها من المسؤولية عن إسقاطها.
وتصاعدت شعبيته أكثر في الشارع التركي، خصوصاً لدى القوميين، بسبب مواجهته لعدوهم اللدود، حزب العمال الكردستاني، في جنوب البلاد، كما قاد عمليتين عسكريتين ناجحتين، "درع الفرات"، و"غصن الزيتون"، ضد وداعش ووحدات حماية الشعب الكردية السورية تباعاً.
وحظي آكار بدعم الإسلاميين بعد أن سمح لخريجي المدارسة الدينية بالالتحاق بالجيش، وسمح للنساء اللواتي يعملن بالقوات المسلحة بارتداء الحجاب.
وبالنسبة إلى أنصار أردوغان، فإن الجنرال المخلص الوفي الذي رفض محاولة الانقلاب، وقاوم محتجزيه الذين وضعوا حزاماً على رقبته وخنقوه كي يخضع لأوامرهم.
وتعززت صورة آكار في الحكومة التركية، ولدى الشارع، أكثر بعد أن بدأت صراعات بين الوزراء تظهر إلى العلن، لا سيما بين وزير الداخلية سليمان صويلو وصهر أردوغان وزير المالية بيرات ألبيرق.
في نهاية أغسطس 2018، أفرج آكار عن جنديين يونانيين كانا محتجزين لدى الجيش التركي، ما دفع اليونان إلى دعوته لزيارة أثينا، في خطوة عزّزت صورته في الداخل والخارج بأنه نزع فتيل أزمة كبيرة مع دولة أوروبية في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية.
مهندس أسلمة الجيش التركي
النقطة الأبرز في حياة آكار وتاريخ تركيا هي أنه سمح بتسييس للجيش، عبر السماح للطلاب المتدينين الموالين لحزب العدالة والتنمية بالالتحاق تدريجياً بصفوفه، ما يضمن ولاء الجيش للحزب الحاكم في المستقبل.
تقول إحدى الدرسات إن هذه الخطوة من شأنها أن تغيّر في نهاية المطاف روح العلمانية في الجيش. ورغم أنها ستستغرق وقتاً، إلا أنها قد تؤدي في النهاية إلى الاشتباك بين الفصائل العسكرية المحافظة والعلمانية.
ولكن الدراسة نفسها تحذّر من أن "عمليات التطهير أدت إلى وجود نقص في فئات معينة من أفراد الجيش، مثل النقص الحاد في الطيارين وخبراء القوات الخاصة، وهي أنواع تخصصات يستغرق تدريب شاغليها وقتاً كبيراً... فبعد التفريغ الأخير لطياري القوات الجوية، صار معدل الطيار لكل طائرة في القوة الجوية التركية 0.7، وهو أقل بكثير من المستوى الدولي الأدنى البالغ 1.5".
هل يحكم الجنرالات تركيا عبر السياسية؟
يرى الكاتب والمحلل التركي يافوز أجار أن تقريب أردوغان لآكار ما هو إلا تكرار لمشهد سابق، وهو تحالف الرئيس التركي في الماضي مع حركة الخدمة بقيادة فتح الله غولن، وحركة الفرقان، قبل انقلابه عليهما.
وأضاف يافوز أن أردوغان يجيد لعبة التحالفات التي تساعده على بسط سيطرته على تركيا ومؤسساتها، ومن هذا المنطلق قد يكون تحالف مع آكار كي يضمن ولاءه ويحقق له ما يريد، ثم ينقلب عليه كما حدث مع الداعية الذي كان يرقص مع النساء.
ويؤكد أجار لرصيف22 أن صعود آكار وبسطه سيطرته على وزارة الدفاع وعلاقته الطيبة بكبار الجنرالات وحلف الناتو تعد مؤشراً قوياً على أن تركيا لا تخضع بالكامل لأمر مسؤول واحد هو أردوغان.
ونبّه يافوز إلى أن مستقبل آكار لا يزال غامضاً، وسيظهر في المستقبل القريب إلا أنه باق خلال هذه المرحلة، بسبب نجاحه في تطبيق استراتيجية أردوغان في سوريا، كما أنه أداة جيّدة يحقق بها حزب العدالة والتنمية سيطرته على الجيش.
وأكد يافوز أن أردوغان ربما أقحم آكار في العمل السياسي من خلال لقائه مع عبد الله غول، أو ربما كان آكار هو مَن يرغب في العمل السياسي، وهذه قد تكون بداية انخراط الجنرالات في العمل السياسي بعيداً عن الانقلابات العسكرية.
لا شك أن مستقبل آكار في الحياة السياسية لا يزال مجهولاً على الرغم من تصاعد ظهوره ودوره، لكن لو صحّ حديث وسائل إعلام عن تراجع الحالة الصحية لأردوغان على مدار العامين الماضيين، فإن ذلك سيمهد الطريق أمامه.
ويطرح البعض تساؤلاً: هل تقرّب خلوصي آكار من الحزب العدالة والتنمية وتقربه من الإسلاميين والسماح لهم بدخول الجيش هدفه خدع أردوغان، كما خدع الجيش المصري جماعة الإخوان المسلمين في مصر؟.