سوسن مهنا
لا يعتبر أكراد العراق أنفسهم جزءاً منه ولن يعتبروا، إذ إنهم أدخلوا إلى العراق كدولة مجبرين، وكانوا ينتظرون الفرصة متحملين كل أنواع الاضطهاد على يد الطاغية صدام حسين كي يصلوا في النهاية إلى إعلان دولتهم الكردية المستقلة.
الأكراد ليسوا حزبا سياسيا، طائفة ولا شعباً دخيلاً على المنطقة، استقروا هنا منذ عام 400 ق.م (ديوان العرب)، هم جزء من الأمة الكردية، يتمتعون بكل المواصفات التي تعطيهم الحق بدولة، ودولتهم ليست منّة أو عطية، لهم لغتهم الكردية، اعتناقهم للدين الإسلامي جاء حديثاً، منذ 300 سنة إذ إنهم كانوا يعتنقون الأيزيدية، كردستان أي "الكرد" موطنهم.
كلام رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن أن الأكراد مواطنون عراقيون درجة أولى هو التمييز بعينه، لا يريد الكردي أن يعامل بدرجة أولى أو ثانية أو درجة امتياز، هو يريد حقه ببلاد سكنها أجداده منذ آلاف السنين ودافع عنها، كما تأكيده على أن حكومته غير مستعدة لمناقشة نتائج الاستفتاء ولن تتعامل معه لن يفيد بشيء، إذ إن نسبة التصويت العالية 92% تستحق التوقف عندها، وأن الحظر الجوي الذي فرض من قبل حكومته، وبدأت بعض الدول تحذو حذوها، وأولاها الدولة اللبنانية، غير مجدٍ أيضاً.
هذا ما يعطي الشعب الكردي دفعاً وإصراراً للدفاع عن حقوق يراها تاريخية، وهي حقوق تلاعب بها منذ اتفاق الجزائر عام 1975 شاه إيران وصدام حسين.
حسب قرار مجلس الأمن رقم 588 إقليم كردستان العراق هو ملاذ آمن للأكراد، حيث جرى تشجيعهم على العودة من إيران وسوريا وتركيا إلى الإقليم المستقل الذي يتمتع بحكم ذاتي، ولكن منذ أيام صدام كان النزاع على مدينة كركوك الغنية بالنفط، إذن لا أحد يجب أن ينازع الأكراد على حقوقهم المكتسبة.
ما تخشاه إيران أو ما تحاول أن تروج له أنها تخشى انفصال الإقليم، لكن كما عودتنا أن ما تخشاه هو بالضبط ما يخدم مصالحها على المدى البعيد، صحيح أنها تملك حدوداً مشتركة مع الإقليم، ويسكن الأكراد في المدن القريبة، والتي يعتبرها الأكراد جزءاً من كردستان، وصحيح أنها تخشى أن تمتد النزعة الانفصالية إلى أكراد إيران، أو أن يقوموا بطلب ضم مناطقهم إلى إقليم كردستان، ولكن ذلك قد يكون صعباً جداً حالياً، خاصة في ظل العراقيل التي ستواجه إقليم كردستان، من جهة أخرى قد تستفيد إيران من حيث لا تدري إربيل من هذا الاستفتاء، إذ إن هذا الاستفتاء قد يشد العصب الشيعي، حيث إن الانتخابات العراقية المزمع عقدها سوف تتم في ربيع 2018، قد تؤدي نتائج هذا الاستفتاء إلى تغيير في المشهد السياسي العراقي، خاصة بعد تنامي قوة الحشد الشعبي المدعوم من إيران، فكيف إذا ما شعر شيعة العراق بالتهديد بعد محاولة انفصال كردستان، وهذا ما سوف تستغله إيران لمصلحتها بمحاولتها التدخل بين بغداد وإربيل، وبعد الحظر الجوي الذي بدأت تباشيره فلن يكون لكردستان منفذ آخر إلا محاولة أن تراعي إيران بعد التضييق الذي سيجري عليها من الدول العربية التي سترمي مرة أخرى حليفاً محتملاً أي الأكراد في حضن المحور الإيراني، وهذا ما سيعيد الأخطبوط الإيراني مرة جديدة للتمدد داخل العراق، بعد انكماشه.
من هنا على الدول العربية التبصر ومحاولة استيعاب الهبة الكردية والدعوة للحوار مع الإقليم من أجل الحرص على وحدة العراق.
إن كان المشروع العربي قد بدأ يعلن انحساره وهو ينحسر بدأ من فلسطين والعراق وليبيا وليس انتهاء بسوريا، فذلك لعلة بالمشروع وليس لعلة بالشعوب، وليس لأن الشعوب القاطنة في هذه المنطقة قد تكون خائنة، إن كان الأكراد يتكلمون العربية أو يعتنقون الإسلام فهذا لا يجعل منهم عرباً، ذلك أن لغتهم فرضت عليهم أيام صدام حسين، فلا تعيدوا إحياء ذكريات البعث في أذهانهم.
فالأكراد يمكن أن يكونوا أبطالاً أو ذئاباً، حسب التفسير الفارسي لكلمة كرد، فلماذا لا تستغل الدول العربية حليفاً قوياً لها بدل أن تدفع الأكراد إلى الارتماء بحضن إيران ربما أو إسرائيل؟
القضية الكردية معضلة في المنطقة ويجب أن يوضع لها حل، والحل ليس بقمع الأكراد مرة أخرى وبمذابح كما حصل في حلبجة وسانجاق وباهدينان وليسير عام 1988، ذلك أن المنطقة لا تحتمل بحراً جديداً من الدماء، يريدون حقهم، هذا حقهم التاريخي.
يلخص غوستاف لوبون Gustave Le Bon في خاتمة كتابه "سر تطوّر الأمم" رأيه على أن التمعّن في النظر حول أسباب سقوط جميع الأمم والحضارات التي يذكرها التاريخ بلا استثناء، يحيلنا إلى أن العامل الأقوى في انحلالها جميعا هو تغيّر طرأ في "مزاجها العقلي" ترجع علّته إلى انحطاط الخلق.
فهل جاءت الهبة الكردية متأخرة أو متسرعة؟ هذا ما سوف يحكم عليه الوقت والأيام المقبلة، ولكن عليهم هم أي الأكراد أن يختبروا ذلك بأنفسهم لا أن يفرض عليهم أحد ذلك.