مترجم: «داعش» و«حماس» والسعودية.. كيف يختلف تعريف الجهاد لدى كل منهم؟ - مقالات
أحدث المقالات

مترجم: «داعش» و«حماس» والسعودية.. كيف يختلف تعريف الجهاد لدى كل منهم؟

مترجم: «داعش» و«حماس» والسعودية.. كيف يختلف تعريف الجهاد لدى كل منهم؟

حسام بن الأزرق

مترجم عنThe Plurality of Jihadللكاتب Andrew Ryder 

 

 غالبًا ما يستخدم اليساريون الغربيون مصطلح (الجهاد) كما لو كان له مرجعية موحدة، بدلًا من الانتباه إلى تعدد الدلالات التي تميزه.

أثار الهجوم المأساوي على مقر صحيفة شارلي إيبدو صبيحة 7 يناير (كانون الثاني) من عام 2015 نقاشات صاخبة حول مجموعة من المواضيع كحرية التعبير ومعاداة الإسلام في فرنسا، كما أثار نقاشات متعلقة بقيم العلمانية الفرنسية وطبيعة الهجاء السياسي وغيرها من المسائل الحساسة. وبالرغم من تجنب مناقشة الظاهرة الجهادية إلى حد ما في وسائل الإعلام الرئيسية، فإنها كانت موضوع صراع فكري بين أبرز المثقفين اليساريين. وبينما يسعى أحد التيارات المثيرة للقلق لتكريس مكان للعنف داخل الإسلام نفسه، ينوه الكثير من الكتاب الذين يتحلون بروح المسؤولية بالسلوك السلمي للغالبية العظمى من المجتمعات المسلمة.

ولذلك فإن المسألة تعتمد على فهم مختلف لطبيعة الهجوم على شارلي إيبدو – سواء كان يمكن قراءته باعتباره رد فعل صارخ على القمع المتفشي، أو نتاجًا لأيديولوجية شبه مستقلة تتطلب معارضة ووقفة حازمتين. ويبدو أن طرفي النقاش كلاهما يتفقان على تعريف أساسي للظاهرة الجهادية باعتبارها موضوع البحث. ولكن ماذا لو كان مفهوم الجهاد أكثر تعقيدًا بكثير؟ هل من الممكن أن لا نكتفي فقط بالتمييز بين الجهاديين والمسلمين ككل، وإنما نسعى إلى مزيد من الإيضاح والتنوير فيما يتعلق بتعريف الجهاد والظاهرة الجهادية، قبل أن يتسنى لنا بدء التحقيق في شخصيتها؟

تلك هي الأسئلة التي طرحها أندرو ريدر -وهو محاضر زائر لدى قسم الدراسات الجندرية في جامعة وسط أوروبا في بودابست بالمجر- في مقال له، نشر عبر موقع «Warscapes»، عقب حادث شارلي إيبدو في فبراير (شباط) عام 2015. وفيما يلي الترجمة الكاملة للمقال:

لقد وجد اليسار نفسه في حالة اضطراب وحيرة بسبب عمليات القتل التي ارتكبت ضد شارلي إيبدو كما أدى ذلك لنقاش حامي الوطيس. ورغم الدفاع القوي الذي حظيت به المجلة من طرف شخصيات بارزة مثل مايكل لوي وسلافوي جيجيك، فإنهما حذرا من التفاقم المستمر لظاهرة معاداة الإسلام. وعلى النقيض من ذلك، تجنب نعوم تشومسكي ونورمان فينكلشتاين التقدم للدفاع عن المجلة، حيث أدانها الأخير على وجه الخصوص بكلمات قاسية.

اختلافي مع تشومسكي في طريقة تأطيره للمسألة يكمن في تجنبه الخوض في السؤال الهام وذلك عبر مجرد طرحه للموضوع داخل سياق العنف الإمبريالي حيث يشير إلى الاهتمام المفرط بالإرهاب الذي يحدث في أوروبا الغربية والولايات المتحدة والتجاهل المتعمد للعنف الممارس خارج هذا السياق. فأجهزة الإعلام تعرف «الذاكرة الحية» على أنها «نظام بني بعناية ليشمل جرائمهم ضدنا في حين تستبعد فيه جرائمنا ضدهم بكل دقة».

وبينما يقدم تشومسكي هنا وصفًا للرواية الإعلامية، فإني أعتقد أن الإشارة إلى «نحن، وهم» تعزز فكرة وجود شرخ واضح بين الغرب وباقي العالم. وقد يبدو للعموم أن أيديولوجية المهاجمين إنما هي تعبير فوري عن الحالة المزرية لهؤلاء المعذبين في الأرض. وإن كان تشومسكي بالتأكيد صائبًا بشأن التعامل الإعلامي مع الحادث، فإنه لا بد من الاهتمام بهذه اللحظة بالذات (الهجوم) بدلًا من مجرد الهرع للنظر للوضع العالمي ككل.

بينما فشل كل من لوي وجيجيك في التفطن لتحول معاداة الإسلام إلى نوع من العنصرية، لم ينتبه تشومسكي وفينكلستين بما فيه الكفاية لخصوصيات هذا الوضع بالذات، فصارت رؤيتهما مجرد تعبير عن التناقض بين الأيديولوجية الإمبريالية والمقاومة العنيفة لها. وإنه لمن الضروري التمييز بين نوع العنصرية الذي تبنته مجلة شارلي إيبدو والهجوم عليها، وهو ما أعتبره نتيجة لإيديولوجيا مختلفة لا مثيل لها، لم تنشأ باعتبارها مجرد ردة فعل ضد العنصرية.

تتسم تعليقات إتيان بلبار بالذكاء والتبصر إذ يصف «طيش» المجلة ودورها في خلق جو من التعصب، ولكنه يعبر عن قلقه إزاء نظرية الجهاد وممارسته إذ يقول:

«إن الطريقة الوحيدة للرد على استغلال الإسلام من قبل شبكات الجهاديين – وحتى لا ننسى كيف يمثل المسلمون ضحاياها الرئيسيين في جميع أنحاء العالم وفي أوروبا نفسها- هي من خلال نقد لاهوتي يسعى في نهاية المطاف لإصلاح (الحس السليم) للدين، وهو ما يجعل المؤمنين يرون الظاهرة الجهادية بوصفها نوعًا من الاحتيال».

يميز بلبار بين الجهاديين والمسلمين ككل، وهو أمر جدير بالثناء لكني أعتقد أن مصطلح «الجهاد» يحمل دلالات متعددة حيث لا يمكن تبسيط النظرة إلى مجرد «نحن، وهم» بين المسلمين وغير المسلمين. وعلاوة على ذلك، فإن استبدال هذه الثنائية بأخرى تفصل بين الجهاديين والمناهضين للجهاديين لن تزيد بالضرورة الأمر وضوحًا. غالبًا ما يستخدم اليساريون الغربيون مصطلح «الجهاد» كما لو كان له مرجعية موحدة، بدلًا من الانتباه إلى تعدد الدلالات التي تميزه.

و بالنسبة لي، هذا أمر واضح لأن أول شارع سكنته في رام الله كان يسمى «شارع الجهاد»، وكان يقع في حي راق يسمى حي الماسيون. إن «الجهاد» يعني فقط «النضال». وله معنى لاهوتي، كما يمكن أن يشير أيضًا إلى مجموعة متنوعة من الصراعات الثقافية أو السياسية.

و على غرار الظاهرة الجهادية، فإن مصطلحات مثل الإسلام «الراديكالي» أو «المتطرف» تعتبر غامضة جدًا ولا توضح بشكل جيد ما يجري مناقشته. وهي تعمل كمفاهيم جامعة لمجموعة واسعة من الأيديولوجيات المختلفة كما أنها لا تحدد بدقة موضوع البحث أو جملة الخلافات الداخلية المترتبة عن كل التوجهات. غالبًا ما يعتمد المعلقون السياسيون صراحة أو ضمنيًا على سلم تسلسلي لتحديد مختلف درجات الإسلام السياسي حيث تمثل تركيا الطرف الأقل تشددًا في حين أن الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) تتبوأ أعلى درجات التطرف، أما باقي التنظيمات فهي تحتل درجات متفاوتة.

إن كل هذه المجموعات تختلف تماما عن نظيراتها من حيث التزاماتها السياسية واللاهوتية وهي لا تعبر عن نفس الأيديولوجيا الأساسية لكنها متفاوتة على سلم التشدد. فعلى سبيل المثال، تعتبر المملكة العربية السعودية جد «معتدلة» في بعض الجوانب المتعلقة بالسياسة الخارجية المعلنة، ولكنها شديدة التطرف في جوانب أخرى، بما في ذلك القانون المحلي. بالإضافة إلى ذلك، وكما هو معروف جيدًا فإن مواردها المالية ونفوذها هما السببان الرئيسيان لانتشار الوهابية في جميع أنحاء العالم، ومن ثم السلفية.

عند التطرق لتنظيمات مثل القاعدة وداعش، أعتقد أن التسمية «سلفي تكفيري جهادي» هي الأكثر دقة وفائدة. يستخدم فينتشنزو أوليفيتي هذا المصطلح في كتابه «منشأ الإرهاب: الإيديولوجيا الوهابية السلفية وآثارها»، والذي نشر منذ أكثر من عقد. في حين تعتبر إحدى التنظيمات في الأردن نفسها تكفيرية سلفية، فإن معظمها لا يتبنى ولا يؤيد عموما هذا التوصيف. ونظرًا لكون هذه التسمية مصطلحًا علميًا تخصصيًا، يجدر بنا شرح مكوناتها الثلاثة.

تدعو الأيديولوجيا السلفية إلى العودة إلى تعاليم ومفاهيم القرن السابع وهذا ما يتناقض مع مذاهب وفرق إسلامية أخرى لها علاقات متباينة مع التفاسير والإجتهادات اللاحقة. في حين يتأتى مصطلح تكفيري من الاتهام بأن شخصًا ما غير مؤمن، فإن «التكفير» يشير إلى تأكيد القدرة الذاتية على تحديد المرتدين والكفار. أما «الجهادية» فهي تحيل في هذه الحالة على ضرورة التصرف وفقًا لهذه المبادئ من خلال اللجوء للكفاح المسلح والعنف. إن هذه السمات الثلاث ترسم ظاهرة سياسية حديثة مرتبطة طبيعيا بالقرن الـ21.

تجدر الإشارة هنا إلى أن بالبار لا يتطرق إلى مفهوم «الجهاد» بمعانيه اللاهوتية أو الثقافية، وإنما إلى الجماعات التي تترجمه إلى كفاح مسلح. ونقف هنا من جديد لكي نستحضر بعض الاختلافات الكبيرة، فهناك جهاديون آخرون ليسوا بسلفيين – تكفريين.

على سبيل المثال، يمكن القول بأن حماس جماعة «جهادية» طالما يؤمن أعضائها بضرورة شن كفاح مسلح بالتزامن مع تبني مشروع إسلامي غير أنها أدانت بوضوح الهجوم الذي قام به تنظيم القاعدة اليمني على الأراضي الفرنسية. ولذلك أعتقد أن التوصيف «سلفي تكفيري» يعتبر ضروريًا إذا كنا سنشير إلى هذه الأيديولوجيا على وجه التحديد، بدلًا من إلغاء الفوارق بين التنظيمات التي يمكن تلقيبها بالجهادية، وهو ما يفعله بنيامين نتنياهو في كثير من الأحيان.

إن هذه الإشكالية تذكرني على الفور بالمشهد الثقافي الذي عايشته في فلسطين، على الرغم من أنني أتفهم وجود أوجه إختلاف وتشابه هناك على عكس الوضع السائد في الضواحي الفرنسية.

لقد كان التمايز بين مختلف تيارات الإسلام السياسي واضحًا جدًا بالنسبة لي. على سبيل المثال، هناك بعض الإسلاميين الذين ينتمون لحركة فتح على الرغم من أنها معروفة ظاهريًا كحزب وطني «علماني». إن كتائب شهداء الأقصى، وعلى الرغم من كونها الجناح العسكري لحركة فتح، فإن لديها بعض سمات التنظيم الجهادي. ومن الواضح أن حركة حماس هي أكثر التزامًا بسن قوانين ذات مرجعية إسلامية، ولكن من المهم جدًا أن تظل حماس حركة تحرير وطنية، حتى وإن كانت تؤمن أن أفضل طريقة لتحقيق التحرر الوطني تكون عن طريق الوحدة وفقًا للتراث الإسلامي.

إن حماس ليست منظمة سلفية فهي ترفض مجرد العودة إلى مفاهيم القرن السابع، كما أنها ليست تكفيرية على الإطلاق لأنها لا تخول لنفسها مهمة تقرير من هو المرتد أو الكافر. لقد قامت حماس بسحق المنظمات السلفية التكفيرية القليلة التي كان لها موطئ قدم في غزة.

دعونا نسلط الضوء على حركة الجهاد الإسلامي، إحدى التنظيمات المعروفة على نحو أوضح بالالتزام بالجهاد السياسي والعسكري. قبل ثلاث سنوات، أخذت أحد أعلامها من مظاهرة في جامعة القدس. وعلى ما يبدو، فإن الجهاد الإسلامي هي جماعة جهادية كما يدل على ذلك اسمها حرفيًا ولكنها تختلف تماما عن الجماعات السلفية التكفيرية الجهادية. فهي مدعومة من إيران، تقف في صف حزب الله اللبناني وتدعم نظام بشار الأسد في سوريا. ولذلك تعتبر عدوًا لدودًا لما يسمى «داعش». كيف يكون هذا ممكنا؟ إن ذلك يعود لتبني أعضائها منظورًا سياسيًا مختلفًا واعتمادهم نهجًا لاهوتيًا مغايرًا لفكرة التحالف مع الشيعة أو العلويين. فهي ليست منظمة تكفيرية. ثم إنهم لا يخولون لأنفسهم مهمة تحديد من هم المرتدين كما لا يعتقدون أنه من المقبول قتل الشيعة.

لقد لقيت إدانة زعيم حزب الله حسن نصر الله للهجمات على مجلة شارلي إيبدو قدرًا كبيرًا من الاهتمام. لكن غالبًا ما يعزى ذلك إلى تشيعه، لأن الشيعة متسامحون إلى حد ما مع فكرة رسم النبي محمد. ومع ذلك، فإني لا أعتقد أن هذه هي النقطة الحاسمة، لأن كل من حركة حماس والجهاد الإسلامي هي تنظيمات سنية. إنها مسألة سياسية حول الأهداف والاستراتيجيات.

ومهما كانت أخطاؤهم أو القيود المفروضة عليهم أو عيوبهم، فإن لكل من حماس والجهاد الإسلامي فهم وطني أساسي للنضال، كما أن كلتيهما تخضعان لنوع من المساءلة من طرف قواعدهم الشعبية. ويتناقض ذلك تناقضًا صارخًا مع تنظيم القاعدة في اليمن وخلاياه الناشطة في فرنسا، فالقاعدة في شبه الجزيرة العربية هي تنظيم نخبوي يتخذ قراراته الخاصة به دون أي اهتمام بالآثار المترتبة عنها على الجاليات المسلمة.

وهنا اختلف مع نورمان فينكلشتاين وكريس هيدجيس فيما يتعلق بالطريقة التي يعرضان من خلالها الوضع. إذ يبدو وكأن الأخيران يفسران ما حدث كما لو كان ردًا منطقيًا، إن لم أقل مروعًا، من طرف الجالية المسلمة في فرنسا. من خلال توصيفهم، يتكون للمرء انطباع بأن هناك ترخيص شعبي للهجوم وأنه يمثل ثقافة أو مزاج الجالية المسلمة في فرنسا.

لقد سبق لي أن انتقدت عنصرية بعض محتوى شارلي إيبدو وشرحت أسباب عدم القبول بشعارJe suis Charlie )أنا مع شارلي أو أنا أساند شارلي) (مثلما فعل الكثير). أعتقد أن مجلة شارلي إيبدو أهانت الجالية المسلمة في فرنسا بطريقة جد مرفوضة حيث لا يمكننا أن نؤيدها أو ندافع عنها. ومع ذلك، فإن الهجوم على المجلة لم يكن بأي حال من الأحوال مقبولًا من قبل الجالية المسلمة في فرنسا أو في أي مكان آخر.

ولا يعتمد الفهم السياسي لهذا الوضع على مجرد فهم ظاهرة معاداة الإسلام في فرنسا (وأوروبا عموما)، ولكن أيضًا على تحليل للأجندات السياسية الدقيقة وإستراتيجيات التجنيد للجهاديين السلفيين التكفريين، وهم الذين يختلفون تمامًا عن ثقافة المسلمين الفرنسيين ككل.

لم تسنح لي الفرصة للقيام بعمل ميداني واسع النطاق مع الجالية المسلمة في فرنسا، ولكن الدراسات الأكاديمية أثبتت أن الانجذاب للسلفية المتشددة محدود جدًا وفي تضاؤل، مهما كانت درجة تعصبها. وتفيد دراسة كثيرًا ما يستشهد بها أجرتها وكالة الأنباء الروسية «روسيا سيغودنيا» في شهر أغسطس (آب) أن واحدا من كل ستة مواطنين فرنسيين يدعم داعش. هذا سيمثل تقريبًا كامل الجالية المسلمة في فرنسا – إلا إذا تواجدت أعداد كبيرة من غير المسلمين تدعم تنظيم الدولة الإسلامية، وهو أمر ليس له تفسير ثقافي.

وقد استشهد آدم تايلور من صحيفة واشنطن بوست بدراسات بديلة تناقض بشدة الاستنتاج الذي خلصت له روسيا سيغودنيا. ويبدو على الأرجح أن هناك أجندة سياسية قد أثرت على منهجية الدراسة. السنة الماضية، أجرى محمد علي عدراوي دراسة بعنوان «الأوساط الراديكالية والحركات السلفية في فرنسا: الأيديولوجيات والممارسات والعلاقات مع المجتمع والرؤى السياسية”». ووفقًا لبحثه، هناك ما بين 10 آلاف إلى 20 ألف سلفي في فرنسا، من بين عدة ملايين من المسلمين.

ولكن الغالبية العظمى من هؤلاء هم «سلفيون أصوليون»، يترفعون عن المشاركة السياسية ولديهم نهج روحي خالص لإيمانهم الراديكالي وممارستهم. كما أنهم مهتمون في المقام الأول بتحسين لغتهم العربية ومعرفتهم بالقرآن، فضلًا عن الاستقامة الأخلاقية الشخصية وقيم المجتمعات المحلية. ويعتقد أن ما بين 100 و300 من هؤلاء فقط هم من الجهاديين الذين يرغبون في البروز إلى الواجهة أو فرض القيم السلفية عن طريق الكفاح المسلح.

وبناء على هذه المعلومات، يمكن القول أن سعيد وشريف كواشي لا يمثلان إلا معتقدات بضع مئات، على أقصى تقدير، من الملايين من المسلمين الفرنسيين، وحتى بعض هؤلاء الذين لم يشاركوا في صياغة أي قرار جماعي من شأنه أن يؤيد هذا التوجه.

وعلاوة على ذلك، ينبغي التمييز بين النموذج السلفي التكفيري للمجموعات المسلحة والنماذج الأخرى للحركات الجهادية الأخرى التي تتطلب قاعدة شعبية. ويبدو أن الشقيقين سعيد وشريف كواشي كانا ينشطان لحساب تنظيم القاعدة اليمني. وهما يعتقدان أنهما يستطيعان أن يقررا كيفية شن الجهاد بشكل انفرادي. وهذا يتناقض تمامًا مع طبيعة الحسابات السياسية التي تقوم بها جماعات مثل حزب الله وحركة حماس والجهاد الإسلامي.

لهذا السبب ليس من المناسب أو الصواب أن نطلق على كل هؤلاء توصيف «الجهاديين» سواء كانوا يتبنون إيديولوجيات قابلة للتغيير أو يشكلون تهديدًا بنفس القدر لمجتمعاتنا. إن الجالية المسلمة لا تتفاعل ببساطة وعلى الفور مع ما تعانيه من اضطهاد وإنما هناك العديد من التوجهات السياسية – حتى داخل الإسلام السياسي وحتى داخل الفكر الجهادي.

ويبدو أن بعض اليساريين ينظرون إلى الفكر الجهادي السلفي التكفيري كرد فعل تلقائي على القمع، وهو حسب اعتقادي أمر لا أساس له من الصحة.ومع ذلك لا يزال هناك من يريد رفض الإسلام السياسي تمامًا والقول أننا بحاجة فقط إلى دعم وترسيخ قوي للعلمانية. وهذا أيضًا توجه مجانب للصواب وينم عن فهم محدود للثقافة الفعلية وحياة تلك المجتمعات.

إن عمل تيارات التحرر الوطني الإسلامي علي تطوير نفسها أمر قد يتضمن آثارًا إيجابية وقد يمر كذلك بمعوقات. ويختلف هذا تمامًا عن الفكر الجهادي السلفي التكفيري الذي يعتبر مفلسًا ومفتقرًا لأي صفات إيجابية. إن أعمال الشغب، بوصفها غير مجدية كما ينبغي أن تكون، تتميز بنوع من الانتقام الشعبي الشامل، في حين أن الفكر الجهادي السلفي التكفيري هو نخبوي واستبدادي قلبًا وقالبًا. وقد نأمل أن يشهد الإسلام السياسي تحولًا تقدميًا أو يساريًا حقيقيًا، على الرغم من أن الحالة الوحيدة التي حدث فيها ذلك كان أثناء المسيرة السياسية القصيرة لمالكوم إكس. ومع ذلك، فإن مثال مالكوم له تأثير بشكل غير عادي.

يناقش هشام عايدي في كتابه «موسيقى التمرد» التأثير الواسع لمالكوم، بما في ذلك على الجاليات المسلمة حول العالم. في فرنسا، تمثل الحركة المسماة «السكان الأصليون للجمهورية» Indigènes de la( République﴾ ، والتي يتحدث باسمها كل من صدري الخياري وحورية بوتلجة ، أقرب تجسيد لهذا التوجه.

وفي السياق الفلسطيني، أعتقد أنه يجب التمييز بين المنظمات التي تقوم بالتعبئة الجماهرية على أساس التحرر الوطني مثل حماس والجهاد الإسلامي والجماعات السلفية التكفيرية. وبناء على ذلك، سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن حماس تجسد هذا النوع من الوعود الذي اقترحه مالكوم اكس. ختامًا، لا ينبغي دعم هذه الجماعات أو إضفاء صفة رومانتيكية عليها، ولكن بالأحرى يجب التمييز بينها وفهمها.

 

أندرو ريدر، هو أستاذ محاضر زائر في قسم الدراسات الجندرية في جامعة أوروبا الوسطى في بودابست، المجر. وقد كتب العديد من المقالات حول الفلسفة القارية والأدب الحديث والماركسية. وهو الآن بصدد إنهاء مسودة كتاب بعنوان «الفائض غير القابل للاختزال: السياسة والجنسانية والمادية»، كما أنه شرع بالقيام بدراسة حول الحركة النسوية المستقلة.

ترجمة ساسة بوست

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث