هل التراجع الأمريكى حقيقة أم وهم؟ - مقالات
أحدث المقالات

هل التراجع الأمريكى حقيقة أم وهم؟

هل التراجع الأمريكى حقيقة أم وهم؟

بقلم: جيرالد إس. روز*

شريحة مهمة من الأميركيين ترى أن الولايات المتحدة آخذة في التراجع، إن لم يكن في سقوط حر، إذ يقولون إنه لم يسبق للبلاد أبداً أن كانت في مثل هذا الوضع السيئ، لا بل إنها تزداد سوءاً، كما يعتقدون.
غير أن هذا كلام بعيد كل البعد عن الحقيقة، وأود هنا أن أطلب من أولئك الأشخاص أن يدلّوني على فترة زمنية في تاريخنا الحديث كانت فيها البلاد في وضع أفضل اقتصادياً أو اجتماعياً، أو من أي ناحية أخرى، مقارنة مع ما هي عليه اليوم.
مما لا شك فيه أنها لم تكن في وضع أفضل خلال الفترة بين 1925 و1950، وهي فترة عرفت ركوداً اقتصادياً وحرباً وتبعاتها. إنني أبلغ 88 عاماً، وقد وُلدت في أواخر عشرينيات القرن الماضي ونشأتُ خلال فترة «الكساد الكبير»، عندما كان ثلث الأميركيين عاطلين عن العمل، وكانت ثمة طوابير المحتاجين الذين يتلقون الطعام من الوكالات الحكومية والمنظمات الخيرية، كما أنها لا يمكن أن تكون عقد الخمسينيات أو عقد الستينيات، بالنظر إلى ما شهدته هذه الفترة من أحداث جسام مثل الحرب الكورية، وحرب فيتنام، والاحتجاجات، وأعمال الشغب. فهل سيختارون الفترة من السبعينيات إلى التسعينيات ومخاطر الحرب الباردة؟ أم تراهم يختارون بداية القرن الجديد إلى 2008، عندما انزلقت البلاد إلى أسوأ ركود اقتصادي في تاريخها منذ «الكساد الكبير»؟
إنني أدركُ أنهم لن يختاروا الفترة من 2008 إلى اليوم، غير أنه في 2008، ومع انتهاء عهد إدارة جورج دبليو. بوش، تسببت الأزمة المالية في ارتفاع البطالة إلى مستويات قياسية، حيث ارتفع معدل البطالة إلى رقمين وفقدت البلاد 2.6 مليون وظيفة، كما انخفض مؤشر داو جونز الصناعي في 2009 إلى ما دون 8 آلاف، وفقدت حسابات تقاعد الناس واستثمارات أخرى ما يصل إلى نصف قيمتها.
لكن بعد قرابة ثماني سنوات من زعامة الرئيس باراك أوباما، يوجد مؤشر داو جونز اليوم فوق 18 ألفاً، كما استطاعت تلك الاستثمارات تعويض خسائرها وتحقيق مكاسب مهمة. وبلغ نمو الوظائف أكثر من 170 ألفاً في المتوسط، بينما انخفض معدل البطالة إلى 5 في المئة.
ولكن، هل الأمور مثالية في الولايات المتحدة الآن؟ كلا، ولكنها لن تصبح كذلك أبداً.
إن البلاد لم تقم بحل كل مشاكلها المتعلقة بالعرق، ولكني ما زلت أتذكر أيام التميز العنصري ضد السود في الجنوب الأميركي، عندما كنتُ واحداً ضمن مجموعة من أربعة ملازمين شباب في رحلة طيران تدريبية على طائرة هليوكبتر في تكساس، نرتدي جميعنا بذلات الجيش الأميركي، ولم نستطع شراء فنجان قهوة لأن عضواً واحداً في مجموعتنا كان أسود. لا شك أننا قطعنا أشواطاً طويلة منذ ذاك التاريخ، ولكن ما زالت تنتظرنا أشواط طويلة، والحق أنه لا نحن ولا أي دولة أخرى نجحنا في حل مشكلة العلاقات بين الأعراق.
إن العالم يعيش ثورة شبيهة بالثورة الصناعية، ثورة يتضرر البعض من التغيير الذي تأتي به، حيث حلّت الروبوتات محل العمال الصناعيين، وتكنولوجيا المعلومات محل الموظف العبقري «حلال المشاكل».
لقد عشتُ في بلدان أخرى وسافرتُ عبر العالم وما زلت أفعل، وأستطيعُ أن أقول بكل ثقة واطمئنان إن الولايات المتحدة ما زالت صاحبة أكبر اقتصاد في العالم. كما أنها الأفضل عسكرياً، والأفضل من حيث الابتكار والتطوير، والواقع أننا لسنا في حاجة لإعادة فتح مصانع قديمة حتى نظل الأوائل في العالم، ولكن يجب علينا أن نبقى الأوائل في الابتكار والتطوير.
ومن بين كل سنوات عمري الثمانية والثمانين، أستطيعُ أن أؤكد أن هذه هي أفضل الأوقات بالنسبة لأميركا، وليس أسوأها. أما الادعاء بعكس ذلك، فهو إنكار للتاريخ والواقع!

*عقيد متقاعد في الجيش الأميركي

واشنطن بوست
نقلا عن جريدة الأتحاد الأماراتية

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث