كريمة كمال
سؤال يتردد دائماً فى ذهنى: لماذا تنتهج الدولة سياسة النفى والإنكار فيما يخص قضية حقوق الإنسان بدلاً من أن تنتهج سياسة الإصلاح؟. توارد إلى ذهنى هذا السؤال بمناسبة هذا الخبر، الذى نشرته منذ عدة أيام «المصرى اليوم». نص الخبر: «قال علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب- تعليقا على جلسة الاستماع التى عقدها الكونجرس الأمريكى فى 6 ديسمبر الجارى مع لجنة توم لانتوس لحقوق الإنسان، حول أوضاع حقوق الإنسان فى مصر، بمناسبة مرور سبع سنوات على ثورة خمسة وعشرين يناير- إن اللجنة، رغم العلم بأنها تُعد آلية غير رسمية فى الكونجرس، فإن لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب تابعت الجلسة باهتمام، واستنكرت التشويه المتعمد الذى شهدته الجلسة للأوضاع فى مصر. وأضاف، فى بيان، أمس: (التشويه كان متعمدا، مع قصر الدعوة على قائمة شهود من النشطاء والمحللين الأمريكيين، المعروف عنهم مواقفهم غير المحايدة للحكومة المصرية، كما أن لجنة الكونجرس لم تبذل قدرا لازما من الحرص على عرض كافة الآراء بشكل محايد من خلال مشاركة شخصيات تتمتع بوجهة نظر مختلفة ومتنوعة تسهم فى تقديم صورة واقعية عن حقيقة الأحداث فى مصر)». وأتوقف أمام العبارة الأخيرة، التى تتحدث عن صورة واقعية عن حقيقة الأحداث فى مصر، لأُذَكِّر بأن الرئيس السيسى نفسه قد عبّر فى واحد من تصريحاته بأنه يعلم أن هناك مظلومين ممن تم الزج بهم فى السجون بتهم سياسية، أى أن الواقع نفسه يدل على أن هناك تجاوزاً فى ملف حقوق الإنسان فى مصر، وهناك أكثر من دليل على مثل هذا التجاوز، مثل قضية الشاب المسيحى «أندرو»، الذى اتُّهم بالانتماء لجماعة إرهابية، رغم ديانته، أيضا العديد من حالات النشطاء الذين انتهت مدة الحبس الاحتياطى لهم، لكن لم يتم الإفراج عنهم بالمخالفة الصريحة للقانون. أيضا حالات العديد من شباب الأحزاب، الذين وُجِّهت إليهم تهمة الانضمام لجماعة إرهابية، رغم حقيقة أنهم ينتمون لأحزاب رسمية شرعية معلنة، وكثير من الحالات التى من المؤكد أنها جزء من تقارير هذه اللجان الغربية، التى تتحدث عن حالة حقوق الإنسان فى مصر.
الأسوأ حقاً هو هذا الربط التعسفى بين ما نواجهه من إرهاب، وبين تجاوزات حقوق الإنسان التى تحدث، وها هو رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب يتابع ما سبق أن صرح به فى هذا الخبر بقوله: «جلسة الاستماع وما طرحته من انتقادات لطبيعة الأوضاع فى مصر جاءت بعد الحادث المروع الذى شهدته مدينة (بئر العبد) بشمال سيناء داخل مسجد الروضة، وتساءل عن ماهية الرسالة التى يريد الكونجرس إيصالها للشعب المصرى من توجيه انتقاد لدولة وشعب يحاربان الإرهاب ويتطلعان إلى دعم الكونجرس على الأقل بالتضامن مع المصريين فى معركتهم»، والواقع أن هذا الكلام به من المغالطة الكثير، فالانتقاد فيما يخص حقوق الإنسان يوجَّه للدولة ولا يوجَّه للشعب، بل هو يجىء دفاعاً عن هذا الشعب، والأهم: ما صلة التجاوز فى ملف حقوق الإنسان بالإرهاب البشع الذى نواجهه، فالحالات التى ذكرتها وغيرها كثير لا تستهدف الإرهابيين، بل تستهدف المعارضين، وليس معنى أننا نواجه إرهاباً خطيراً أننا نتجاوز فى حق أى معارض أو نستهدف كل مَن ارتبط اسمه بثورة يناير، لأن هؤلاء كانوا ومازالوا ضد الجماعات الإرهابية، وكان لهم الكثير من المواقف ضد الإخوان المسلمين إبان فترة حكمهم. لا أحد فى العالم كله ينفى أننا نواجه إرهاباً أضخم كثيراً مما يواجهه العالم كله، لكن العالم كله أيضا يدرك أن مواجهة الإرهاب ليست مبرراً للإطاحة بالنشطاء السياسيين ورموز ثورة يناير، لكن الإرهاب هنا يُستخدم حجة لضرب المعارضين.
السؤال الملح هنا: بدلاً من النفى والإنكار، لماذا لا تتم إعادة النظر فى هذا الملف من باب وضع حد لتجاوزات «الداخلية» فى هذا الملف، وهذا أيسر كثيرا من أن تتصدى الدولة بكل أجهزتها للنفى والإنكار الذى لا يصدقه أحد؟، لماذا لا يتم الاعتراف بأن هناك تجاوزات، ويتم النظر فى هذه التجاوزات، بدلاً من محاولة مواجهتها بقوائم العفو، التى تواجَه بالمزيد من حالات الاعتقال أو الضبط، التى تعيد إنتاج المشكلة؟