الإرهاب ونظرية الاختيار العقلاني - مقالات
أحدث المقالات

الإرهاب ونظرية الاختيار العقلاني

الإرهاب ونظرية الاختيار العقلاني

الأخ رشيد

هناك نظريات كثيرة يحاول أصحابها من خلالها تفسير ظاهرة الإرهاب بصفة عامة والإرهاب الإسلامي بصفة خاصة. ومن أهمها نظرية الاختيار العقلاني. وباللغة الإنجليزية Rational Choice Theory تقول هذه النظرية: "إن الناس مدفوعون بالمكافآت والتكاليف في تصرفاتهم وبالأرباح التي يحصلون عليها"، بمعنى أن كل شخص يحسب تصرفاته ويقارن بين التكلفة والمكافأة، فإن رأى هناك صافي ربح في تصرفه ذاك قام به، وإلا فلن يكون له أي دافع للقيام به. ونحن لا نتحدث هنا عن الأرباح المادية فقط، بل المعنوية أيضا. ولكل واحد طريقته في حساب الأرباح. وأحيانا قد يختلط فيها المادي مع المعنوي أيضا. فإذا قاربنا تصرفات الإرهابيين بصفة عامة والإسلاميين منهم بصفة خاصة سنجد أن نظرية الاختيار العقلاني تفسر تصرفاتهم تفسيرا معقولا. فهم ليسوا حمقى أو مجانين أو مجرد أناس لا يفقهون شيئا، بل إنهم أناس قد جلسوا وحسبوا التكلفة وتوصلوا إلى قناعة مفادها أن ما سيخسرونه أقل بكثير مما سيربحونه، ولذلك عدَّوا المخاطرة تستحق أن تخاض.

فمن يفجر نفسه ويعلم أنه سيبقى في النعيم خالدا وسيتخلص بالمقابل من عذاب هذا العالم، يكون تصرفه عقلانيا إذا أخذنا حسابه بعين الاعتبار. فالتكلفة هي أنه سيموت لكن الأرباح كثيرة في نظره:

أُولاها أنه سيعيش خالدا في الجنة وما يرافق ذلك من نعيم.

وثانيها أنه سيتخلص من ألم هذه الدنيا.

وثالثها أنه سيلحق بأعداء الإسلام خسائر في الأرواح وفي العتاد.

ورابعها سيساهم في انتصار الدين الحق.. وسيبقى اسمه مخلدا كشهيد بين المجاهدين أمثاله.

تؤخذ كل هذه العوامل بعين الاعتبار. فالدين يلعب الدور الأساسي فيها. ولا يمكن أن يكون الربح المادي دافعا لشخص كي يقتل نفسه. ولا يمكن أن يكون الخلل النفسي وراء كل هؤلاء الانتحاريين الذين يرسلهم مثلا تنظيم الدولة لكي يفجروا جرافات في الجيش العراقي حتى يفتحوا منطقة ما أو حين يدافعون عن المناطق المتواجدين فيها. إنه خيار عقلاني مبني على حساب الربح والخسارة. وأما الحسابات التي تركز فقط على الأرباح المادية من أموال وأراضٍ وبيوت وزيجات التي تعطيها التنظيمات الإسلامية للمقاتلين، فستبقى عاجزة عن تفسير ظاهرة الانتحاريين الذين يفجرون أنفسهم ويستعدون لذلك يومًا فيومًا وهم يصلون مع إخوانهم ويأكلون الكباب وينشدون الأناشيد الدينية. لذلك ينبغي أن يكون للحافز الديني الدور الأكبر في هذا القرار. وينطبق الشيء نفسه على الذين يتركون ديارهم وعائلاتهم وأقرب المقربين إليهم، سواء أكان ذلك في الغرب أم في الشرق ويلتحقون بالتنظيمات الإرهابية. لا يوجد ما يفسر قرارهم ذاك إلا الدافع الديني.

 كل الجهاديين متدينون سواء أكان ذلك منذ مدة طويلة أم حصل تحول ديني في فترة من حياتهم لسبب أو لآخر. فمن أصل 155 جهاديًا درسهم مارك سايجمان في كتابه Understanding Terror Networks ، تَبيَّن أنهم كانوا جميعًا ملتزمين دينيا إلا واحدا قبل التحاقهم بالجهاد. إذا أردنا أن نفهم التنظيمات الجهادية لا يمكننا أن نفهمها بمعزل عن الدين. وبالتالي، ينبغي أن يبدأ الحل من التعامل مع النصوص الدينية ومع هذه الإيديولوجية التي ستؤدي إلى دمار الملايين من البشر بسببها. وبطبيعة الحال، فإني هنا لا أستثني الحل العسكري في القضاء على مثل هذه التنظيمات على أرض الواقع، لكن تنظيما مثل داعش مجرد عارض من أعراض المرض، شأنه في ذلك شأن القاعدة، وبوكو حرام، وحركة الشباب في الصومال، وطالبان. فكلها أعراض للمرض نفسه. فالمواجهة العسكرية ضرورية، والاستخبارات سواء أكانت تكنولوجية أم بشرية وسائل ضرورية للقضاء على الإرهاب، لكننا نحتاج حلولا أكثر نجاعة للقضاء على المرض من جذوره، لا التخلص من أعراضه فقط، نحتاج علاجا لا مسكنات. ولذلك علينا أن نفتح النقاش والمناظرة في النصوص الدينية وعلاقتها بالإرهاب، ونبحث عن مخارج يمكن من خلالها إنقاذ شباب الأمة من هذه الموجة المدمرة لهم ولطاقاتهم.

 

مقتبس من كتابي "داعش والإسلام: من منظور مسلم سابق"

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث