حرية المعتقد.. سرا! - مقالات
أحدث المقالات

حرية المعتقد.. سرا!

حرية المعتقد.. سرا!

سناء العاجي:

 

"الحرية الشخصية لا تعني الإباحية بالمخالفة لقيم المجتمع وتقاليده، كما أن حرية الاعتقاد مكفولة طالما ظلت حبيسة في النفس دون الجهر بما يخالف الأديان السماوية على الملأ وتلقينها للطلاب على خلاف ثوابت الدين والعقيدة". الجملة بين مزدوجتين هي جزء من تعليل الحكم النهائي للمحكمة الإدارية العليا في مصر، والتي أقرت هذا الأسبوع بفصل منى البرنس من وظيفتها كأستاذة جامعية بسبب فيديو رقص شرقي في سطح بيتها.

قبل أن نناقش الحكم وإسقاطاته، لنتأمل محتواه: أي منطق يجعلنا نجمع، في نفس الجملة، بين مفاهيم مثل "الحرية الشخصية" و"حرية المعتقد" مع "حبيسة في النفس"؟ كيف تكون الحريةُ حريةً إذا كانت مشروطة بحبسها في النفس وعدم الجهر بها؟ أي قيمة لحرية، أيا كانت، لا يمكن الجهر بها والتعامل معها بـ... حرية؟ هل هي، في هذه الحالة، حرية معتقد فعلا أم حالة من الصمت المطبق على ما يؤمن به المرء، لكي يتم القبول به ضمن الجماعة، بإجبار من الجماعة نفسها أو من ممثليها؟ 

الواقع أن بعض حكامنا وقضاتنا وسياسيينا يريدون أن يمارسوا الفاشية، لكنهم مع ذلك مصرون على استعمال شعارات الحريات العامة والشخصية والديمقراطية وحرية المعتقد! على الأقل، اشبهوا بأنفسكم! تحملوا مسؤولية قناعاتكم وقراراتكم وأحكامكم! اعترفوا أن الحرية تخيفكم وأن الجهر بالاختلاف يرعبكم. أما أن تتحدثوا عن الحرية الشخصية وحرية المعتقد وتشرطوها بالسرية وبأن تظل "حبيسة في النفس دون الجهر بها"، فأنتم لستم فقط تناقضون منطوقكم نفسه، لكنكم تشوهون الحريات الشخصية وحرية المعتقد في ذات الجملة

الحكاية تعود إلى حوالي سنتين. تم نشر فيديو لأستاذة جامعية مصرية ترقص في سطح أحد البيوت، بفستان طويل، ولا يَظْهر في الفيديو سواها. لا نعرف إلى غاية الآن إن كانت هي من نشرت الفيديو أم أن شخصا آخر نشره. لكن هذا ليس مهما، ففهي النهاية، من حقها أن تحب الرقص الشرقي وأن تقرر بنفسها نشر الفيديو الذي ترقص فيه! تَمّ رفع دعوى قضائية ضدها باعتبارها "مربية أجيال" ولا يحق أن تظهر بصورة مخلة للأخلاق

أولا، لماذا نصر على اعتبار الرقص مخلا بالأخلاق؟ كما أنها لم تكن ترقص في الحرم الجامعي أمام طلبتها، بل في إطار خاص، حتى لو قررت نشره بمحض إرادتها. الأستاذ الجامعي والوزير والقاضي هم بالنهاية أشخاص لهم كامل الحرية في حياة فردية، ما لم تخل بالقانون. فهل تم إثبات التحرش الجنسي على منى البرنس؟ هل تم إثبات السرقة؟ هل تمت إدانتها بالاختلاس؟ هل هناك دليل على امتهانها الجنس مثلا؟ هل تمت إدانتها بابتزاز الطلبة من أجل الحصول على نقط؟ 

لا.. منى البرنس ستفصل من عملها لأنها كانت ترقص، ولأنها تعبر عن مواقفها بحرية. والأستاذة الجامعية يجب أن تكون "قدوة". الأستاذة الجامعية لا يجب أن ترقص لأن الرقص فعل فاضح. بالمقابل، فهناك أساتذة معروفون باستغلال للطلبة وابتزازهم، وبالتحرش بالطالبات، وببيع الشهادات الجامعية... لكن هؤلاء لن يدانوا! لأنهم لم يرقصوا في أسطح بيوتهم. وحده الرقص يخل بأخلاقنا ويهدد مجتمعنا و"الأجيال القادمة"!

الحقيقة أن الأفعال التي يفترض أن يعاقب عليها القانون هي تلك التي تسبب أذى للآخرين: القتل، السرقة، الاغتصاب، الابتزاز، التحرش، العنف... أما أن يمارس شخص حريته في ممارسة فن معين، أو في التعبير عن مواقف فكرية أو فلسفية أو إيمانية أو سياسية أو حقوقية وتتم معاقبته بالسجن أو بالفصل، فهذه قوانين وممارسات وقرارات لا يفترض أن نجدها إلا لدى الدول الفاشية التي تصادر حقوق الآخرين وحرياتهم. والأنكى أن تمارَس هذه الفاشية تحت شعارات "الحريات الشخصية" و"حرية المعتقد"... المشروطة ببقائها "حبيسة بالنفس"! 

باختصار، كن ما شئت وافعل ما شئت، لكن في السر! لا حق لك في الاختلاف في معتقدك أو في اختياراتك الشخصية، إلا إذا فعلت ذلك بين جدران بيتك و"حبيس نفسك"... بكل حرية وبكل ديموقراطية

الحرة

 

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث