ألم يمت «داعش» بعد؟! - مقالات
أحدث المقالات

ألم يمت «داعش» بعد؟!

ألم يمت «داعش» بعد؟!

أنتوني جيه. بلينكين

يمثل تحرير مدينة الموصل العراقية التي كانت عاصمة لتنظيم «داعش»، نقطة فارقة في الحرب على أخطر جماعة إرهابية في العالم. وقد أدى تحرير الموصل إلى تقويض سردية «داعش» الأساسية عن إقامة «دولة الخلافة» وتحويلها إلى أشلاء.

لكن هناك سؤالاً ملحاً يفرض نفسه الآن: وماذا بعد «داعش»؟ وأهمية هذا السؤال تنبع من أنه رغم كون «داعش» قد هُزم عسكرياً، فإن الظروف السياسية والاقتصادية التي سهّلت صعوده، والذي ساهم فيه جزئياً الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ستظل قائمة، مما يدعو للتساؤل: ما الذي يتعين عمله لضمان استمرار هزيمة «داعش»؟

الشيء المطلوب على نحو عاجل للغاية الآن، هو بذل مجهود تتوافر له كل الموارد اللازمة لتحقيق استقرار وتأمين وإعادة بناء المدن المحررة، بحيث يمكن للسكان المشردين أن يعودوا إلى ديارهم بأمان.

والخبر السار في هذا السياق، هو أن هناك تحالفاً مكوناً من 68 دولة، تقوده الولايات المتحدة كان قد تأسس لمحاربة «دعش»، تمكن بالفعل من توفير الأموال الضرورية للبدء في هذه العملية عبر الأمم المتحدة.

لكن هناك تحدياً كبيراً ينتظر مثل هذه العملية. فهناك 25 مليون مسلم سني معزولون عن مراكز صناعة القرار يعيشون في المسافة الواقعة بين بغداد ودمشق، وما لم يتم إقناعهم بأن دولتهم ستحميهم ولن تضطهدهم، فإن نسخة أخرى من «داعش» (أو «داعش»2) لن تعاني من صعوبة في تأمين المؤيدين والمقاتلين الجدد.

ويتوفر العراق على احتمالات جيدة لإنجاح الجهد المتواصل ضد «داعش». لكن إذا ما ترك العراقيون لشأنهم، فإن الاحتمال الأكبر هو أن يعمد قادتهم إلى إدامة الظروف التي أدت إلى ظهور التطرف العنيف، ومما يفضي بجيران العراق كل من جانبه إلى تأييد الطائفة التي تواليه، مما يساهم في تغذية «الذهنية الصفرية»، القائمة على مبدأ «أنا ومن بعدي الطوفان»!

وهنا تحديداً يأتي دور الدبلوماسية الأميركية. بيد أنه ينبغي التأكيد بداية على أنه ليس باستطاعة الولايات المتحدة إملاء النتائج المرغوبة على العراق المستقل، وإن كان من المؤكد أنها قادرة على دعم وتحفيز وحشد الراغبين في دفع العراق قدماً في المسار السليم. يبدأ هذا بدعم ما يطلق عليه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي «الفيدرالية العاملة» القائمة على منح العراقيين على مستوى المحافظات المسؤولية والموارد الكفيلة بتحقيق أمنهم الخاص، وتوفير ما يحتاجونه من خدمات لإدارة شؤون حياتهم اليومية. فهذه أفضل طريقة يمكن من خلالها إقناع السنّة أن مستقبلهم في العراق، وليس مع أي تنظيم جديد.

وإحياء «الفيدرالية العاملة» يبدأ بسن قانون يتحكم في مليشيا «الحشد الشعبي»، ويضع وحدات هذه الميليشيا تحت سيطرة الدولة، ويقوم بإبعادها عن السياسة وعن المناطق السنية.

أما الوحدات السنية التي حُشدت للقتال ضد «داعش»، فينبغي أن تبقى على جدول رواتب الدولة، وتتولى المسؤولية عن تأمين مناطقها.

وعلى إدارة ترامب، أن تستغل علاقاتها القوية مع الدول العربية السنية المجاورة للعراق، لحثها على الانخراط مع بغداد، وبذل الجهد اللازم لتعزيز تكامل العراق الإقليمي، وتهدئة طموحات المجتمع السني في العراق.

الطموحات الكردية بدورها تمثل تحدياً لا يقل صعوبة لاستقرار العراق. فقد استغل الأكراد القتال ضد «داعش» للسيطرة على 70% من مناطق متنازع عليها بينهم وبين العرب، وتقع في شمال العراق، وهم لا يميلون للتخلي عنها حالياً. وهنا على الولايات المتحدة أن تستأنف دورها كوسيط نزية، وأن تبذل الجهد اللازم لإبرام صفقة تمنح الأكراد سيطرة أكبر على النفط في مناطقهم، وتُبقي القوات الفيدرالية خارج تلك المناطق، مع إطلاق مفاوضات للاتفاق بشأن المسؤولية المشتركة على مدينة كركوك الغنية بالنفط.

كل تلك أمور لن تتحقق من تلقاء ذاتها، بل تحتاج لتدخل أميركي. والسؤال هنا: ماذا لو احتاج الأمر إلى بقاء وجود عسكري أميركي في العراق، للتأكد من أن «داعش» لن ينهض ثانية؟

في نهاية عام 2011 غادرت القوات الأميركية العراق، لأن ذلك ما كان يريده العراقيون في حينه. أما الآن، وفيما يفيق العراق تدريجياً من كابوس «داعش»، ربما يكون هناك استعداد أكبر لاستبقاء بعض العسكريين الأميركيين في العراق لتدريب القوات العراقية ودعمها في مجال الاستخبارات ومقاومة الإرهاب، مع الحرص على عدم مشاركة هذا القوات في أي أعمال قتالية.

والكيفية التي ستتمكن بها إدارة ترامب من اجتياز حقل الألغام السياسي هذا، تمثل اختباراً حاسماً آخر لاستراتيجيتنا في المنطقة.

 

أنتوني جيه. بلينكين

نائب وزير الخارجية في عهد إدارة باراك أوباما

نيويورك تايمز

ترجمة الاتحاد

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث