إضاءة نقديّة في الخطاب الإسلاميّ - مقالات
أحدث المقالات

إضاءة نقديّة في الخطاب الإسلاميّ

إضاءة نقديّة في الخطاب الإسلاميّ

يوسف تيلجي

في اعتقادي أنّه ليس هناك محرّك فكري وحياتي وإنساني كالخطاب الإسلامي، ليس لدى المسلمين فقط بل لدى المجتمع بكُلِّ فئاته، وذلك لأنّ للدين دورًا محوريًا وأساسيًا في خلق وتنشئة شخصيّة الفرد. وهذا الدّور ينصبُّ تأثيره بالمجمل في خلق ثقافة مجتمعيّة مُعيّنة، ثقافة ذات طابع ديني محدّد، هذه الثّقافة أساسها الكلمة. ومن الممكن أن تكون الكلمة زهرة ومن الجائز أن تكون سيفًا! من الممكن أن تكون الكلمة مِسكًا ومن الممكن أن تكون دمًا. وهكذا فعل الخطاب الدّيني أيضًا. وبصدد الخطاب، أيوجد خطابٌ دينيٌّ مُتشدّد أو مُتزمِّت أو مُتطرّف أو سمه ما شئت، وخطابٌ دينيٌّ آخر معتدل أو وسطي أو مُتسامح؟! هنا السّؤال. شخصيًا أرى أنّ الخطاب الدّيني واحد، لا يتجزّأ ولا ينقسم، وذلك لأنّ الإسلام بعقائده وأركانه ونصوصه، آيات وسُنن وأحاديث، هي نفسها لا تتغيّر/أي ثابتة، فهل بالإمكان تغيير الآيات، كأية "قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيّة عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" (سورة التوبة ٢٩)، أو تغيير السّنن في أتباع هدى الرّسول، مثلًا وفي صحيح مسلم يقول النّبي: "فلا نجاح ولا فلاح، ولا قبول، ولا نجاة، إلا باتباع النّبي في كُلّ صغير وكبير ودقيق وجليل"، وهل من الممكن تغيير أحاديث الرّسول، كقوله: "لقد جئتكم بالذبح"؟ الجواب على كل ما سبق هو: لا، إذن الخطاب الدّينيّ الإسلاميّ هو خطاب واحد أيضًا.

إنّ القواعد والثّوابت والعقائد والأركان واحدة في الإسلام لا تتغيّر، إنّما الذي يتغيّر هو طريقة توظيفها وتكييفها وتفعيلها بالخطاب، وبنفس الاتجاه والنّهج، قال الرّاحل الدّكتور علي المبروك إنّه لا يُوجد ما يُسمّى بخطاب ديني متشدّد وآخر مُعتدل، وكان يعتبر ذلك خرافة وتزييف للحقيقة، فالثّوابت الأساسيّة التي يقوم عليها الخطابان واحدة، والفرق بين الوجهيْن يكمن في أنّ أحدهما يصل إلى النّهايات القصوى، والآخر لا يصل إلى تلك النّهايات، لكن بذور التشدُّد والتطرُّف موجودة في الخطابيْن (نقل عن موقع البديل). أمّا التساؤل الآخر، هل من جدوى في تجديد الخطاب الدّيني؟ وهل يأتي التّجديد نتيجة أمر حكومي أو رئاسي مثلا كما يسعى رئيس مصر؟ في ظل وجود عقليات خرافيّة لشيوخ ما زالوا يؤمنون بأنّ الرّسول محمد سيتزوّج من السّيدة مريم العذراء في الجنة؟ (*)، وكثرت مطالبات الرّئيس بتجديد الخطاب الدّيني وكانت آخرها خلال الاحتفال بالمولد النّبوي الشّريف بحضور الدّكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر. ويدل هذا الإلحاح على إخفاق الأزهر في القيام بدوره المنوط به في ملف تجديد الخطاب الدّيني وعن عدم رضا الرّئيس عن الأداء الذي يقوم به الأزهر والأوقاف ( نقل عن موقع الوفد). وللعلم ليس من اليسير أن يحدث أي تغيير للخطاب الدّيني في مصر وذلك لوجود جذور لخطاب إسلامي متعمّق مُجتمعيًا أوجده الأزهر، وساعد في تجذّره الجماعات الإسلاميّة، كجماعة الإخوان المسلمين وغيرهم، هذه الجماعات مع مُؤسّسة الأزهر غسلت الأدمغة وغيّرت الثّقافة العامّة للشعب المُغيّب إلى التزمُّت والتديُّن، ولكن هذه الثّقافة المتزمتة لم تستطع الاقتراب من قامات المثقفين والتنوريين المصريين، أمثال الرّاحل فرج فودة، الرّاحل نصر حامد أبوزيد، الرّاحل علي المبروك، سيد القمني، وإسلام بحيري وغيرهم .

نرجع إلى تساؤلنا "هل من جدوى في تجديد الخطاب الدّيني؟" شخصيًا لا أرى هناك أي جدوى من تجديده وذلك لثبات ما يقوم عليه الخطاب من مرتكزات وأسس وعقائد، فيجب بالأحرى تغيير هذه الثّوابت حتى يتغيّر الخطاب المُنطلق منها، وهذا فعل لا أرى من أمل به من خلال فكر وعقليّة رجال الإسلام شُيوخًا وأئمة وفقهاء من القائمين على نشر هذا الخطاب. كما أرى أنّ مقولة تجديد الخطاب الدّيني ترمي بالأساس إلى دفع الخطاب إلى مواكبة التحضُّر والتمدُّن والحداثة، وهذا أمرٌ لا يُعقل إسلاميًا لأنّ الثّوابت الأساسيّة للخطاب الإسلامي ماضويّة برزت منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، فهل للصنميّة الماضويّة أن تواكب الحداثة؟! إذن الخلاصة: هناك تقاطع وتضاد بين الخطاب الإسلامي وموضوع التجديد، فلا يمكن أن يكون هناك أملٌ في التجديد! وأنّ من يسعى إلى هكذا مجال فكري يجب عليه "نسف" الأساس ليستقيم بناء الخطاب!

------------------------

(*) وكيل وزارة الأوقاف في مصر: يقول في برنامج تلفزيوني، وعلى الهواء، إنّ الرّسول محمد سيتزوّج في الجنة بالسيدة مريم العذراء والسيدة آسيا زوجة فرعون/ يُرجى الاطلاع على الرّابط http://mufakerhur.org/?p=62191

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث