بقلم: نداف ايال
قبل بضعة ايام جرت في كلن مظاهرة لالمان مسلمين ضد الارهاب. وكان عنوانها “ليس باسمنا” أو “ليس معنا”، وغايتها التنديد بالارهاب وخلايا الارهابا التي نبتت في المجتمعات الاسلامية في اوروبا في السنتين الاخيرتين. وقد انفعلت الصحف كثيرا للحدث؛ لم تكتب ذلك صراحة، ولكن عملا جماهيريا للمسلمين الاوروبيين ضد التطرف الاسلامي هو موضوع نادر. ووعدت العناوين الرئيسة فقالت: “متوقع عشرات الاف المتظاهرين”. هذا عدد متواضع جدا اذا أخذنا بالاعتبار ان في السنتين الاخيرتين فقط استوعبت المانيا نحو 900 الف لاجيء من الشرق الاوسط. ولكن حين جاء يوم المظاهرة تبينت حقيقة مريرة: وصل بضع مئات الاشخاص، “ربما الف شخص” مثلما قال بجفاف احد المنظمين.
اين كان الباقون؟ يبدو أنهم سمعوا تعليمات احدى التنظيمات الاسلامية الهامة في المانيا، الاتحاد التركي الاسلامي للشؤون الدينية التي قررت مقاطعة الحدث. ويدور الحديث عن جسم في غاية الاهمية، مسؤول عن نحو 900 طائفة اسلامية المانية، ولحق بها المجلس الاسلامي، وهو منظمة عليا اخرى قاعدتها في كلن، حيث اشاروا الى أنه “من غير المعقول” التوقع بان يسير المسلمون في حرارة 25 درجة في يوم صوم من رمضان.
اما حجة الاتحاد التركي الديني فكانت اكثر جوهرية: فمثل هذه المظاهرة، قالوا هناك، تؤكد الادعاء بان الارهاب الدولي هو مشكلة الطائفة الاسلامية فقط وتساعد في خلق وصمة عار ضد الطائفة. وهذه حجج مدهشة لانها تجسد بشكل عميق الفرق الواسع بين الخطاب السياسي المتطرف في القارة وبين الطوائف الاسلامية فيها التي تواصل الغفو امام المتطرفين الذين يخرجون منها.
واحدة إثر اخرى، تضرب الهجمات الارهابية القارة، ومزاياها اكثر خطورة من المعتاد. فلم تعد هذه خلايا نادرة وذكية تعمل لزمن طويل على اخراج عملية الى حيز التنفيذ فتكشف نفسا لاحتمال الاعتقال المبكر. موجة الارهاب الاوروبية الحالية تبدو أكثر فأكثر كانفجار لعمليات اجرامية يقوم بها أفراد، وفي اقصى الاحوال خلايا من اثنين – ثلاثة اشخاص. وعبثا تبحث أجهزة الامن الاوروبية عن مراتبية منظمة كما هي تقاليد الارهاب لتنظيم القاعدة. ما يشاهدونه هو عمليات الهام وفرصة على افضل تقاليد الشرق الاوسط. ومثل هذه الاحداث من الصعب توقعها، واكثر من ذلك من الصعب احباطها، سواء كانت تقع في باب العمود ام في لندن بردج. ولكن تأثيرها على الوعي العام هائل.
لقد درج على القول ان الارهاب لا ينتصر على سير الحياة الطبيعي، ولكن هذا كليشيه عفن حقا. الحقيقة يمكن أن نراها في ما وقع في بياتسا سان كارلو في تورينو بعد يوم من العملية الارهابية في لندن. الاف كثيرة من مؤيدي يوبنتوس تجمعوا في الميدان، حين تفجرت فجأة فقاعة وصرخ احد ما “قنبلة”. فنشأ على الفور قرار هستيري أدى الى اصابة اكثر من الف شخص، بعضهم في وضع صعب، وواحدة توفيت في الايام الاخيرة متأثرة بجراحها. الارهاب انتصر هناك، بل وانتصر جدا، وهو ينتصر حين تتغير السياسة الاوروبية بسببه. كما أنه ينتصر عندما تنشغل الطوائف الاسلامية في اوروبا بتقديم الشروحات فقط للميول المتطرفة في داخلها: الموقف الغربي من الشرق الاوسط، دحر الاقليات الى الضواحي، انعدام المساواة الاساسية في المجتمعات الاوروبية، وغيرها وغيرها. هذه تفسيرات اجتماعية فيها منطق، ولكنها عندما تنضم الى نشاط محدود من الطوائف نفسها ضد التطرف الاسلامي فالمعنى هو ان هذه هي معاذير فقط. فالبرامج ضد التطرف في بريطانيا وفي دول اخرى تحظى بانتقاد لاذع من الطوائف الاسلامية، التي تخشى من وصمة العار اكثر مما تخشى من التطرف نفسه.
ان الانتصار على النزعة الاسلامية العنيفة والذي في اساسه لن يتحقق في الغرب الا عندما ترفض الطوائف نفسها بشكل حازم وبلا هوادة كل مظهر من التزمت الديني السياسي. في اماكن معينة هذا حصل منذ الان. فاصدقاء منفذ العملية في مانشستر بلغوا سلطات الامن البريطانية عنه قبل الفعلة. وفي معظم المساجد المركزية يبلغ رؤساء الطائفة عن شبان ينشغلون بالتحريض على العنف. ولكن الامور تتم في الظلام، في ظل الخجل تقريبا. وعندما تجرى مظاهرة علنية، يدير زعماء المنظمات الهامة ظهورهم.
ان رفض الارهاب هو واجب انساني بل وديني، ولكن اذا كانت هذه الحجج لا تكفي، فيجدر بزعماء الطوائف أن يستوعبوا المعاني السياسية. اذا تحول الارهاب الاسلامي الاوروبي الى ارهاب أفراد شعبي فان طوائفهم ستعاني بشكل عميق، واوروبا ستعيش موجة جديدة من كراهية الاجانب التي لم يشهد لها مثيل منذ زمن بعيد.
يديعوت 22/6/2017
ترجمة رأى اليوم