حملت حادثة اغتيال الكاتب الأردني التنويري الشهيد ناهض حتر، وعلى مأساويتها وفظاعتها المستنكرة، عدة رسائل هامة وخطيرة على صعيد غياب القانون وانهياره التام وانعدام أي دور ومكانة للقضاء في البلاد التي تحكمها "الشريعة" وتستمد دساتيرها من ثقافة الصحراء التي سادت قبل 1400 عام في شبه الجزيرة العربية، وما زالت تلعب الدور الأبرز في حكم هذه الشعوب، ورسم حياة البشر، لا بل التحكم بأقدارهم ومصائرهم وحتى طريقة أكلهم وشربهم وممارستهم الجماع في الفراش. ومن هنا كانت حادثة الاغتيال التي تمـّت داخل قصر العدالة في قلب العاصمة الأردنية عمان ذات مغزى كبير وتحمل دلالات كبيرة لجهة موت العدالة، وأما تنفيذ الجريمة البشعة في قلب ذاك الصرح القضائي فيعني الكثير من حيث استهتار واستخفاف الجاني بالقضاء والعدالة والقانون واحتكامه لقضائه وعدالته الخاصة الخارجة عن القانون، ويوحي ارتكاب الجرم بسيادة شريعة الغاب، حيث يأخذ كل حقه بيده، وحيث يستقوي القوي على الضعيف، وتبدو الطبقات والشرائح والمكونات الاجتماعية، وحتى الأفراد، الأضعف عرضة للاعتداء والتصفية الجسدية والتهديد والاستهداف الدائم . في الدول التي تحكمها القوانين الإسلامية، وتلتزم "شرع الله"، وبموجب "الشريعة"، وحكم القضاء الإسلامي، يستطيع أي شخص جاهل أمي متخلف لم يكمل تحصيله الابتدائي ولا يمتلك أية مؤهلات أو شهادات، إلا شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، أن ينصب من نفسه قاضياً على البشر، ويـُصدر أحكام الإعدام على أي إنسان وينفذ الحكم فوراً وهذا ما حصل بالضبط مع قاتل الشهيد ناهض حتر المجرم رياض إسماعيل عبد الله، العائد لتوه من موسم إحياء الطقوس الوثنية (أو ما تعرف بفريضة الحج) من السعودية حيث تلقى الجرعات العالية المعتادة من السموم التكفيرية بعد الاستماع لخطب التحريض ضد احفاد القردة والخنازير والمشركين والكفار والتنويريين والعلمانيين والليبراليين ووووو، ونال قسطه من التبريرات ومسوغات زهق الأرواح، واستحلال سفك الدماء، واستسهال قتل وهدر حياة الناس، وتجميلها وتلميعها حيث سيحظى برضا أسياده البدو الدواعش من سلفه الصالح القاتل، الذي يستهدي به في كل هذا الإرهاب والإجرام، فكل من لا يجاري هؤلاء البدو الدواعش رؤاهم وتصوراتهم وفلسفتهم الكونية الوثنية البسيطة والساذجة والموغلة في القدم والجهل والتواضع المعرفي هو عرضة للانتقام والموت والقتل والإعدام دونما الرجوع لأية هيئة أو مؤسسة قضائية، ولا حاجة لوجود العدالة الوطنية فأي "متأسلم" هو قاض، وحاكم بأمره، وشرطي، وجلاد، وسيـّاف، وعضو أصيل في فرقة تنفيذ أحكام الإعدام الــ Fire Squad، يتولى تنفيذ أي حكم يصدره هو بنفسه، ويجد مرجعية له في الفقه والسيرة وسنداً شرعياً يبرر جريمته وتباركه له "السماء"، في أي وقت ضد أي فرد من العباد، وما أكثرها من فرق، ومن أعضاء، في ديار العروبة والإسلام، بحيث يتحول مجموع السكان، بموجب شريعة الغاب القرآنية، إلى فرقة، أو فيلق، أو جيش كامل للتكفير للإعدام. ويا ليت الأمر يقتصر على مجتمع أو مكان أو حيز جغرافي مغلق، إذ يستطيع أي متأسلم مؤمن بثقافة بدو ودواعش يثرب ومكة، أن ينصـّب من نفسه قاضياً وحاكماً بأمر شعوب وأفراد وأمم ودول وحتى "أنظمة"، وقيادات سياسية أخرى لا تروق له، يتحكم بمصيرها، ويفرض عليها مزاجه وأحكامه الفقهية ويلزمهم بطريقة العيش والسلوك والتفكير والأكل والشراب وما شابه من تفاصيل يومية صغيرة. وهذا بالضبط ما حدث عندما أصدر الإمام الخميني "حكم الإعدام" (فتوى) ضد الكاتب الهندي الأصل البريطاني الجنسي سلمان رشدي في ثمانينات القرن الماضي بسبب روايته الشهيرة آيات شيطانية التي اعتبرت إساءة للإسلام، ويستطيع أي كان بموجب هذه الشريعة والآلية البدوية التكفيرية، إن قرأ أي شيء لا يعجبه، ولا يروق لتصوراته البدوية أن يصدر حكم الإعدام بحق كاتبه وليس هناك من اية مسؤولية أو عقاب يطاله فهو يطبق حكم "الشريعة" ويحافظ على شرع الله الهش والمهزوز الذي قد يقضي عليه ويقوضه، ويا للأسف، بيت من الشعر أو مجرد رسم كاريكاتيري. وهذا ما يفسر سيل الفتاوى التكفيرية وخرائط الطريق السلوكية والفقهية وطرق وكيفية التفكير وممارسة الحياة التي يطلقها بدو ودواعش الصحراء ويرسلونها لشعوب العالم وأمم الأرض أجمع للالتزام بها وعدم مخالفتها تحت طائلة القتل والإعدام المباشر لكل من يخالفها ويتحداها و"يفطر" مثلاً بالخطأ أمام "مسلم" في بلد بوذي على سبيل المثال، فستقوم الدنيا ولا تقعد بسبب تحدي مشاعر وثقافة البدو الدواعش، بحيث أصبحت مكة ويثرب وعواصم التأسلم ورموز الدعوشة والبدونة ومؤسساتها الكهنوتية حكاماً أممين عابرين للقارات يفصلون ويفتون ويحكمون ويتحكمون بشؤون البشر عن بعد من عواصم الأوثان. وهذا حقيقة ما يحدث بالضبط، اليوم، وما كان يحدث لشعوب المنطقة والعالم، من استهداف بدو ودواعش الصحراء لهم، عبر عولمة الغزو البدوي (الإسلام)، وتغول الإمبريالية الوثنية التي تخطت حدود وحواجز الكثبان والرمال في الصحراء لتجد مكاناً في كل مكان من العالم تحت اسم "الإسلام" و"دين الله" وما شابه من عناوين تضليلية إرهابية تشهرها بوجه كل المشككين والرافضين والمقاومة لها. بات استهداف البشر، والاستهتار بحياتهم، واستسهال موتهم، واسترخاص حياتهم ظاهرة مرعبة تجتاح العالم بأسره، وتهدد كل فرد فيه، وهذا ما يفسر حقيقة سر استشراء وانتشار ظاهرة الإرهاب الكوني في أربعة أطراف الأرض، سيتأثر به كل مجتمع ما لم يرجع للقانون المدني الإنساني دوره وهيبته واعتباره، وتكفير وتجريم شريعة البدو وثقافة الصحراء.
About the Author
نضال نعيسة:
كاتب سوري ومترجم وناشط حقوقي، يكتب في موقع الحوار المتمدن، وجريدة عرب تايمز. شارك في برامج تلفزيونية على قناة الجزيرة وقناة العالم، وقنوات أخرى.