الطريق الطويل إلى الحرية - مقالات
أحدث المقالات

الطريق الطويل إلى الحرية

الطريق الطويل إلى الحرية

« لقد كنتُ شاهدة عندما كان الناس في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية يلحون على الحرية.. فعندما كنت طفلة، كنت جزءاً من صحوة كبيرة أخرى: التأسيس الثاني لأميركا، في وقت ظهرت فيه حركة الحقوق المدنية في مدينتي برمنجهام، بولاية ألاباما، التي وسّعت فجأة معنى (نحن الشعب) ليشمل أشخاصاً مثلي.. والواقع أنه لا توجد لحظة أجمل من تلك التي يتمتع فيها الناس أخيراً بحقوقهم وحريتهم». هكذا تقول كندوليزا رايس في الصفحات الافتتاحية لكتابها الجديد «الديمقراطية.. قصص من الطريق الطويل إلى الحرية»، ومثل هذه الرؤية، تقول وزيرة الخارجية ومستشارة الأمن القومي الأميركي السابقة، هي ما ينبغي أن يشكّل ملامح السياسة الخارجية الأميركية في القرن الحادي والعشرين، بيد أن هذه الرؤية، المنتشرة بشكل أكبر بين الديمقراطيين منها بين الجمهوريين، اختفت، أو كادت، خلال السنوات الأخيرة من كثرة الإخفاقات وخيبات الأمل في بلدان مختلفة، من أوكرانيا إلى رواندا، لكن رايس مثابرة لا تفقد الأمل، وإيمانها بمزايا تشجيع الديمقراطية وأهميتها الاستراتيجية قوي جداً، بل أقوى مما كان عليه عندما انضمت إلى إدارة جورج دبليو بوش في عام 2001.

غير أن البعض يرى أن نتائج انتخابات عام 2016 الأميركية تجعل من تشجيع الديمقراطية ربما العنصرَ الأكثر ثانوية ضمن أجندة «النظام العالمي الجديد»، الذي أعلنه جورج بوش الأب عقب انتهاء الحرب الباردة والقائم على نشر الديمقراطية والرأسمالية الليبرالية، وذلك على اعتبار أنه إذا كانت التجارة العالمية لديها أنصارها الأقوياء في عالم الشركات، فإن نشر الديمقراطية يُدعم من قبل المنظمات غير الحكومية التي يتلقى بعضها - مثل «الوقف الوطني للديمقراطية»- تمويلاً حكومياً قد يكون عرضة للتقلص الآن، وكتاب «الديمقراطية» هو محاولة من رايس للتشديد على فكرة الترويج للديمقراطية باعتبارها هدفاً أساسياً للسياسة الخارجية الأميركية، وفيه توضح الأسباب التي تجعل أنصار الديمقراطية ملتزمين جداً بعملهم، لكنها تشير أيضاً إلى أسباب تشكيك كثيرين في جدوى ذلك.

غير أنه مما يُحسب لرايس صدقها، فهي لا تسعى للتنميق أو التزويق أو ليِّ عنق البيانات، وإنما تعرض الحقائق كما هي، فهي صريحة بشأن عدد المرات التي أدى فيها تشجيع الديمقراطية إلى أخطاء باهظة الثمن، وتخص بالذكر هنا الانتخابات الفلسطينية في عام 2006، والتي لعبت رايس وفريقُها دوراً رئيسياً في دفع الفلسطينيين إلى إجرائها والإسرائيليين إلى دعمها، واثقةً من أن «حماس» ستنهزم، لكن «حماس» فازت في نهاية المطاف، وما زال الطريق المسدود الذي أعقب ذلك، والحرب بين الفلسطينيين، يعقِّدان مهمة صنع السلام في الشرق الأوسط إلى هذا اليوم، كما أنها صريحة بشأن الأخطاء الكبيرة التي ارتُكبت في العراق، معتبرةً أن الكوارث التي وقعت هناك، مثل تعذيب السجناء في سجن أبو غريب، والأخطاء الأميركية في عراق ما بعد الغزو، عقَّدت أهداف إدارة بوش المتمثلة في نشر الديمقراطية في بلدان أخرى، وصادقة أيضاً بشأن إخفاقات الثورة البرتقالية في أوكرانيا، والاقتتال الداخلي والفساد اللذين أديا في الأخير إلى ثورة أوكرانية أخرى في 2014.

غير أن الخلاصة من وراء هذه الإخفاقات، وفق رايس، هي أن تشجيع الديمقراطية «صعب، صعب حقاً، حقاً»، وإنْ كان ذلك لا يعني أنه غير مهم أو غير ممكن، مشددةً على أن نشر الديمقراطية يظل مسؤولية أخلاقية لا محيد عنها بالنسبة للولايات المتحدة، والسياسةَ الوحيدةَ التي يمكنها حماية الأمن الأميركي على المدى الطويل، وترى أن الأجندة حققت نجاحات وانتكاسات معاً، وتذكِّرنا بأن الانتخابات «ما زالت تجذب طوابير طويلة من الناخبين الذين يصوّتون لأول مرة، حتى بين الفقراء والسكان الأقل تعلماً في أفريقيا»، وإنْ كانت تشير كذلك إلى أماكن أخرى حيث فشلت الديمقراطية في الترسخ، على الأقل في الوقت الراهن، مع قصص حول الانتصارات الصعبة، والمهمة تاريخياً، التي ما زالت تحققها الديمقراطية، وتجد مؤشرات تبعث على الأمل في كل من كولومبيا وكينيا وتونس وغانا.

وحسب رايس، فإن قوة المؤسسات المحلية، مثل الشرطة، والقضاء، والصحافة الحرة، والأحزاب السياسية.. تستطيع إحداث فرق في بناء الديمقراطية: ذلك أنه عندما تكون هذه المؤسسات قوية، تستطيع الديمقراطيات الفتية التجذُّر والنمو. إلا أن الدعم الخارجي يستطيع المساعدة أيضاً. وفي هذا الإطار، تشير رايس إلى اتفاقات «تحدي الألفية» الأميركية التي أدخلتها إدارة بوش وقدّمت دعماً جوهرياً للبلدان التي تلتزم بإصلاحات واضحة بشأن الحكمة والشفافية، ولعل خير مثال في هذا الصدد هو ليبيريا، التي ساعدت فيها اتفاقيات «تحدي الألفية» حكومةَ إيلين جونسون سيرليف الديمقراطيةَ على تبني إصلاحات مهمة، وحيث أثبتت القدرة الجديدة أنها أساسية في محاربة تفشي فيروس إيبولا في عام 2014.

محمد وقيف

الكتاب: الديمقراطية.. قصص من الطرق الطويل إلى الحرية

المؤلفة: كندوليزا رايس

الناشر: تولف

تاريخ النشر: 2017

الاتحاد

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث