ياسر عبد العزيز
تعانى مبادئ حقوق الإنسان في بلدنا منذ عقود، وتتعرض لحملات منتظمة، تتفاوت حدتها مع تغير الأوضاع السياسية والاجتماعية، لكنها تبقى هدفاً للطعن فيها والحط من شأنها فى كل الأحوال.
مع اندلاع الانتفاضتين فى يناير 2011 ويونيو 2013، جرى الحديث عن الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، لكن الاختراقات الأمنية والمجتمعية التى واكبت الحدثين الكبيرين، والتطورات السياسية الناتجة عنهما، أدت إلى مزيد من الضغوط على حقوق الإنسان قيمة، ومفاهيم، وممارسة.
الإشكال الأول الذى تتعرض له مبادئ حقوق الإنسان في مصر يتعلق بربطها بالسياسة، عبر اعتقاد متجذر في بيئتنا السياسية، مفاده أن هؤلاء الذين يتخذون اتجاهاً سياسياً مغايراً للنظام والمجموع العام يجب أن يحرموا من حقوق الإنسان، بوصفهم مجرمين، ناقصى الأهلية.
أما الإشكال الثانى فيتصل بربط الحديث عن حقوق الإنسان بالتدخلات الخارجية، عبر اعتبار أى ملاحظة أو تعليق أجنبى على حالة حقوق الإنسان الوطنية استهدافاً يمس الكرامة الوطنية، ومحاولة لاستغلال المبادئ الحقوقية لتحقيق أهداف سياسية تقوض الأمن والاستقرار.
ويختص الإشكال الثالث بشيطنة معظم العاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وخصوصاً إذا كانوا ينتمون إلى منظمات المجتمع المدني، وفي هذا الصدد تتوالى الاتهامات عن التمويلات والعطايا التى يحصل عليها بعض هؤلاء من أجل القيام بأدوارهم، وهو أمر يتفاقم في أوقات التوتر وتصاعد الأزمات السياسية، ليحول معظم العاملين في هذا المجال إلى خونة وعملاء مأجورين.
ويتمثل الإشكال الرابع الذى تتعرض له حالة حقوق الإنسان الوطنية في تسيد مفهوم «المعركة الوطنية» لآليات العمل الحقوقية، إذ ترى قطاعات رسمية وبرلمانية مؤثرة أن الدولة تتعرض لاستهداف خاريى وداخلي، يتخذ من بعض انتهاكات حقوق الإنسان مطية لزعزعة استقرار الحكم، وتشويه صورته، وصولاً إلى فرض القيود عليه، وتقويض قدرته على الوفاء باستحقاقات دوره فى صيانة الأمن الوطنى.
يطلب البعض من العاملين فى مجال حقوق الإنسان، سواء كانوا أعضاء فى المؤسسة الوطنية، أو منظمات المجتمع المدنى، أن يتحولوا إلى جنود يخوضون معركة الدفاع عن الممارسات العمومية، بعيداً عن أدوارهم الحقيقية الموضحة في الدستور والقوانين، والتي تنيط بهم مسؤولية الدفاع عن حقوق الإنسان نفسها، وملاحقة أي انتهاك لها.
ونتيجة لهذه الإشكالات الأربعة، يتحول العمل في مجال حقوق الإنسان إلى مخاطرة كبيرة، وتتداخل الأدوار، وتختلط المسؤوليات، وتبقى المهمة الرئيسة من دون إنجاز.
لا يمكن إنكار أن معظم الدول الغربية تمارس انتقائية في مجال حقوق الإنسان، وأنها تُسَخّر بعض القضايا من أجل تحقيق أهداف سياسية، كما لا يمكن إنكار أن قطاعاً من العاملين في هذا المجال يوظفون عملهم لخدمة مصالح سياسية أو لتحقيق مكاسب مالية، لكن هذا لا يحول دون ضرورة الإصرار على أن مبادئ حقوق الإنسان أصيلة وجوهرية وغير قابلة للتجزئة أو المساومة.
الدفاع عن حقوق الإنسان المصري هو دفاع عن الدولة الوطنية وعن الاستقرار والأمن، وهو دور يجب أن يكون هناك من يقوم به فى كل الأوقات ومهما كانت التحديات.