هدم الكنائس بين الفتاوى والموروث الإسلاميّ مع استطراد لثلاث آلاف فتوى لهدم الكنائس في مصر! - مقالات
أحدث المقالات

هدم الكنائس بين الفتاوى والموروث الإسلاميّ مع استطراد لثلاث آلاف فتوى لهدم الكنائس في مصر!

هدم الكنائس بين الفتاوى والموروث الإسلاميّ مع استطراد لثلاث آلاف فتوى لهدم الكنائس في مصر!

يوسف تيلجي

المُقدَّمة                                                                                                                         

طالعتنا وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئيّة، بالخبر القنبلة! فقد أفاد مُفتي مصر، د. شوقي علام، بوجود أكثر من ثلاثة آلاف فتوى لهدم الكنائس في مصر! ونَصَّ الخبر -وحسب موقع أخبارك في الحادي والثّلاثين من مارس 2017 "أكد الدّكتور شوقي علام، مفتي الدّيار المصريّة، أنَّ دار الإفتاء اكتشفت وجود 3 آلاف فتوى تحرِّض على هدم الكنائس وترفض التّعايش المشترك، مُوضِّحًا أنَّ 70% منها تحرِّم التّعايش بين المسلمين والمسيحيين في مصر وأنَّ 20% لا يحبِّذون التّعايش مع الأقباط. وأشار علام، في حواره لبرنامج «حوار المفتي»، والمذاع عَبْرَ شاشة إحدى القنوات المصريّة "on live"، إلى أنَّ دار الإفتاء تأخذ على عاتقها الرّد على كُلّ فتوى ضِدَّ التّعايش. ولفت مفتي الدّيار المصريّة، أنَّ تجربة مصر في التّعايش والتّآلف ناجحة جِدّاً بين طرفي الأُمّة، مُطالِبًا أنَّ تستفيد منها البشريّة! وبَيَّنَ المفتي أنّض المسلمين الأوائل بعد أن فتحوا البلدان لم يتعاملوا مع أيِّ نَوْع من التّراث بمبدأ الهدم مثلما تفعل داعش والمتطرِّفون اليَوْم، وقال المفتي أيضًا إنَّ الفتاوى الّتي تُحرِّض على عدم التّعامُل مع غير المُسلمين وتحُض على الصّراع معهم تُخالف مع أمر به الله تعالى.

النّص                                                                                                                          

إنَّ الأمر المُستغرب من حديث المفتي أنَّه لا يُؤيِّد ولا يُؤكِّد فتاوى هدم الكنائس، عِلْما أنَّ هكذا أمر منصوص عليه عقائديًا في الإسلام، فالمفتي حاصلٌ  على درجة الدكتوراه في الفقه الإسلاميّ (1)، وهو يعلم أنَّ ما جاء بالموروث الإسلاميّ من نصوص وأخبار ووقائع وأحداث تسير وفق نهج مختلف يحثُّ على هدم الكنائس وعدم تعميرها أو تجديدها. وفيما يلي بعضًا من هذه التّأكيدات الإسلاميّة:

أَوَّلًا: من الثّابت ورود حديث الرّسول برقم 3340 "لا تكون قبلتان ببلد واحد"، وجاء في موقع "ملتقى أهل الحديث"، وورد في كتاب " النّفائس في أدّلة هدم الكنائس " لابن الرّفعة.. قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: "أمّا ما حدث (أيّ اُستُحدث) بعد ذلك فإنَّه يجب إزالته، ولا يُمكّنون من إحداثِ البِيع والكنائس -كما شَرَط عليهم عُمر بن الخطاب في الشّروط المشهورة عنه:  ألا يجدِّدوا في مَدائن الإسلام، ولا فيما حَوْلها كنيسة ولا صومعة ولا دَيْرًا ولا قلايّة، امتثالًا لقَوْل الرّسول "لا تكون قبلتان ببلد واحد" ( رواه أحمد وأبو داود بإسنادٍ جَيّد)، وكذلك لما رُوي عن عمر بن الخطاب إذ قال: "لا كنيسة في ديار الإسلام". وهذا مَذهب الأئمة الأربعة في الأمصار، ومذهب جمهورِهم في القُرى، وما زال من يُوفِّقه الله من ولاة المسلمين يُنفِّذ ذلك ويعمل به؛ مِثل عمر بن عبد العزيز الّذي اتّفق المسلمون على أنَّه إمام هُدى؛ فروى الإمام أحمد عنّه أنَّه كَتَبَ إلى نائبه عن اليمن أن يهدم الكنائس الّتي في أمصار المسلمين؛ فهدمها بصنعاء وغيرها. وروى الإمام أحمد عن الحسن البصريّ أنَّه قال:  من السُّنة أن تهدم الكنائس الّتي في الأمصار القديمة والحديثة، وكذلك هارون الرّشيد، أثناء فترة خلافته، أمر بهدم ما  كان في سَواد بغداد، وكذلك المُتوكِّل لما ألزَمَ أهلَ الكِتاب بشُروط عُمر استفتى أهلَ وقته في هَدم الكنائس والبِيّع، فأجابوه فبعث بأجوبتهم إلى الإمام أحمد، فأفتاه بهدم كنائس سواد العراق وذكر الآثار عن الصّحابة والتّابعين، فممّا ذكرَه ما رُوي عن ابن عبّاس، أنَّه قال: "أيما مصر مصرّته العرب (يقصد المسلمون) فليس للعجم يعني أهل الذّمة، أن يبنوا فيه كنيسة، ولا يضربوا فيه ناقوسًا، ولا يشربوا فيه خمرًا، وأيّما مصر مصرّته العجم ففتحه الله على العرب، فإنَّ للعجم ما في عهدهم، وعلى العرب أن يُوفوا بعهدِهم، ولا يُكلِّفوهم فَوْقَ طاقِتهم .وكُلّ مصر مصرّه العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة".

ثانياً: وحول بناء الكنائس وترميمها، جاء في موقع مركز الفتوى "فلا يجوز لمسلم بناء كنيسة ولا ترميمها لا بنفس ولا بمال، لأنَّ في بنائِها إعانةٌ لأهلها على باطلهم، والله تعالى يقول "وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ/سُورة المائدة 2".  بل يُحرَّم على الكفار أَيْضًا بناؤها وترميمها، وقد جاء عن تقيّ الدّين السّبكيّ رسالة يقول فيها: "أقول: إنَّه لم يكن قط شرع يسوغ فيه لأحد أن يبني مكانًا يَكفر فيه بالله، فالشّرائع كُلَّها مُتّفقة على تحريِم الكُفر، ويلزم من تحريم الكُفر تحريم إنشاء المكان المتّخذ له، والكنيسة الْيَوْم لا تُتخذ إلا لذلك، وكانت مُحرَّمة معدودة من المحرمات في كُلّ مِلّة، وإعادة الكنيسة القديمة كذلك، لأنَّه إنشاء بناء لها وترميمها أَيْضًا كذلك، لأنَّه جُزء من الحرام ولأنَّه إعانة على الحرام.  وقال السُّبكي أَيْضًا: فإنَّ بِناء الكنيسة حَرام بالإجماع وكذا ترميمها". وكذلك قال الفقهاء: "لو وصَّيّ ببناء كنيسة فالوصيّة باطلة، لأنَّ بناء الكنيسة معصيّة وكذلك ترميمها، ولا فرق بين أن يكون المُوصي مُسلمًا أو كافِرًا، فبناؤها وإعادتها وترميمها معصيّة - مسلمًا كان الفاعِل لذلك أو كافرًا - وهذا شرع النّبي".

ثالثًا: لخُلفاء المسلمين سوابق لا حصر لها في هدم وحرق الكنائس، كما جرى في عهد الدّولة الفاطميّة. فقد جاء في موقع ويكيبيديا "يُشيرُ مُصطلح هَدم الكنائس من قِبل الدّولة الفاطميّة إلى عمليّة هدم الكنائس المسيحيّة والمعابد اليَهُوديّة، وتدنيس المخطوطات وغيرها من القطع الأثريّة، وتدمير المباني الدّينيّة المسيحيّة واليهوديّة في مدينة القدس وما حَوْلها، بناءً على أمر الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله والصادر بتاريخ 28 سبتمبر 1009 للميلاد، وتوجّت عمليّة الهدم بحرق وهدم كنيسة القيامة في مدينة القُدس وهِيَ أقدس المواقع المسيحيّة، وأدّت هذه الأعمال إلى إطلاق لقب "الخليفة المجنون" أو "نيرون الإسلام" على الخليفة الفاطميّ الحاكم بأمر الله.

رابعًا: وبخصوص هدم الكنائس في القاهرة بالتّحديد (وهو موضوع بحثنا الآن)، جاء في موقع "منبر التّوحيد والجهاد" وتحت عُنوان حُكم هدم الكنائس، قال بن تيميّة: "أمّا دعواهم أنَّ المُسلمين ظلموهم في إغلاقها ؛ فهذا كذب، مُخالف لإجماع المسلمين. فإنَّ علماء المسلمين من أهل المذاهب الأربعة - مذهب أبي حنيفة ومالك والشّافعي وأحمد - وغيرهم من الأئمة، كسفيان الثّوريّ والأوزاعيّ والليث بن سعد وغيرهم، ومن قبلهم من الصّحابة والتّابعين؛ متّفقون على أنَّ الإمام لو هدم كُلّ كنيسة بأرضِ العُنوة -كأرض مصر والسّواد بالعراق وبَرِّ الشّام ونحو ذلك- مُجتهدًا في ذلك، ومُتّبعًا في ذلك لمن يرى ذلك، لم يكن ذلك ظُلمًا منه، بل تجب طاعته في ذلك ومساعدته في ذلك ممّن يرى ذلك.  وإن امتنعوا عن حُكْم المسلمين لهم؛ كانوا ناقضين العهد، وحلّت بذلك دِماؤهم وأموالهم.  وبذات الفَصل، وفي موقع آخر جاء ما يلي: فإنَّ في سُنن أبي داود بإسناد جَيّد، عن ابن عباس عن النّبي أنَّه قال: "والمدينة الّتي يسكنها المسلمون، والقرية الّتي يسكنها المسلمون وفيها مساجد المسلمين؛ لا يجوز أن يظهر فيها شيء من شعائر الكُفْر- لا كنائس ولا غيرها"

القراءة

  1. تغاضى المفتي، الّذي تُخرِّج في مُؤسّسة الأزهر، والمرتبط بها بشكل أو بآخر، عن معلومة مهمّة، وهي أنَّ الّذي أفتي بهدم الكنائس شخصٌ أزهريّ، والّذي يُحرِّضُ عليه أزهريّ، والّذي يُدرِّس منهج هدم الكنائس وتكفير الآخر في مُؤسّسة الأزهر رجلُ دينٍ مسلمٌ أزهريّ، ثُمَّ يأتي الاستنكار من المفتي الأزهريّ! كان من المفروض على المفتي؛ د. شوقي علام، قبل أن يستنكر الفتاوى، أن يعمل على تقويم مُؤسّسة الأزهر، الّتي تُعتبر المؤسسة الدّينيّة الّتي تخرّج فيها مُعظم المُتطرّفين، مُضافًا إليها المُؤسسة الدّينيّة الوهابيّة في السّعوديّة، مُتمثِّلة في قمّةِ هرمِها، مُفتي الديار السّعوديّة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشّيخ التّميمي؛ أحد أحفاد الشّيخ محمد بن عبد الوهاب!
  2. ثمَّ انَّ مُفتي مصر؛ د. شوقي علام، هُوَ دكتور بالفقه والشّريعة والقانون. ألم يقرأ د. علّام الموروثَ الإسلاميّ! ألم يطلّع عليه؟ هل يتجاهل! أم يستغبي العامّة من المشاهدين! إنَّ الشخص المطلّع والمثقَّف إسلاميّاً، يعرف أنَّ هدم الكنائس من ضِمن الموروث الإسلاميّ. كما أوضحنا في أعلاه .
  3. أيَّ تعايُشٍ يتكلّمُ عنه فضيلة المفتي\؟! إذا كان أصل النّص القرآنيّ مُؤسَّس على تكفير الآخر/المسيحيّ! وفق قول القرآن "لَقَدْ كَفَرَ الّذينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ" (سُورة المائدة 72)، فكيف يقوم التّعايش مع الآخر إذا كان الآخر كافرًا وفق النّص القرآني!
  4. من المُؤكَّد أنَّ المُفتي يعلم أنَّ الدّين واحد عند الله، وفق قول القرآن "إِنَّ الدّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الّذينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" (سُورة آل عمران 19﴾، فهل يملك فضيلة المفتي من الشّجاعة أن يضيف الدّين المسيحي كدين آخر آتٍ من عند الله، كأن يقول "إِنَّ الدّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام والمسيحيّة!" من أجل تعايُش سِلمي آمن في الوطن الواحد .. مصر؟!
  5. وإذا كان مفتي مصر صادِقًا في قوله، أيستطيع أن يُعدِّل أو أن يُحوِّر النّص القرآنيّ، أو أن يُجمِّل أحاديث الرّسول في صحيح البُخاريّ الّتي تُدرَس في الأزهر؟! هل يستطيع أن يفتي صراحةً بجواز بناء وصيانة وترميم الكنائس في مصر، أو أن يفتي بأنَّ المسلمين والمسيحيّين يجب أن يتمتّعوا بنفس الحقوق والواجبات في شغل المناصب، خلافا للنص القرآنيّ" يا أيُّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنَّه منهم، إنَّ الله لا يهدي القَوْمَ الظّالمين" (سورة المائدة 5)؟!
  6. أنا لا أدري عن أيِّ تعايُش يتكلّم مُفتي مصر د. شوقي علام! مُبيّنًا في حديثه أنَّ "تجربة مصر في التّعايش والتّآلف ناجحة جِدّا بين عُنصريّ الأمة!" فمن جانب آخر، ما يزال حرقُ الكنائس وتفجيرها والاعتداء عليها مُستمرًّا في مصر، وكان آخرها تفجير الكنيسة البُطرسيّة الذي وقع في 12 ديسمبر 2016 وتفجير كنيستيّ ما جرجس بمدينة طنطا، والكنيسة المرقسيّة بالإسكندرية خلال الاحتفال بأحد الشعانين بتاريخ التاسع من أبريل 2017.
  7. أرى أنَّ المُشكلة ما زالت تتجسَّم في مؤسسة الأزهر! وتتمثّل في شخص الأمام الأكبر د. أحمد الطّيب، وفي مناهج التدريس بالأزهر وكذا في كوادر التدريس، إضافة إلى مفتي مصر د. شوقي علام، وثلة الشّيوخ والدّعاة والمُفكِّرين المُتطرِّفين. من كُلّ ما سبق، أرى أنَّ المنظومة الدّينيّة تحتاج إلى إعادة نظر شفّافة، فِكريّا ومنهجيّاً وهيكليّاً وتربويّاً واجتماعيّاً. وهذا لا يتِمُّ إلا من خلال مُراجعة عقائديّة فكريّة للنظام التّعليميّ والمنهجيّ لمؤسّسة الأزهر، الّتي أصبحت الرَّحِم الشّرعيّ لفتاوى الإرهاب والتّطرُّف والتّكفير!

في الهامش

(*1) شوقي إبراهيم عبد الكريم علّام  -12 أغسطس 1961، هُوَ مفتي الدّيار المصريّة، إضافة إلى كونه أستاذ الفقه الإسلاميّ والشّريعة بجامعة الأزهر "فرع طنطا". حصل د. علّام على الإجازة العاليّة (الليسانس) في الشّريعة والقانون سنة (1984م) في كليّة الشّريعة والقانون بطنطا - جامعة الأزهر بتقدير جيد جدًّا مع مرتبة الشّرف. أمّا تخصُّص الماجستير فكان في الفقه الإسلامي من كليّة الشّريعة والقانون بالقاهرة سنة (1990م) بتقدير عام جيّد جِدًّا. وحصل د. علّام على العالميّة (الدّكتوراه) في الفقه من كليّة الشّريعة والقانون بالقاهرة سنة (1996م) بتقدير امتياز مع مرتبة الشّرف الأولى.

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث