من هُوَ الملك الّذي قلبه في يد الله؟ - مقالات
أحدث المقالات

من هُوَ الملك الّذي قلبه في يد الله؟

من هُوَ الملك الّذي قلبه في يد الله؟

كمال بدار

عندما جاء السّيد المسيح إلى العالم أعلن أنّ مملكته ليست من هذا العالم، واعتبرته الكنيسة رأسا لها؛ قائدها؛ فاديها المُخلَّص وملكها الوحيد. ولكن حاول البعضُ إخضاعَ المؤمنين لملوك آخرين غير السّيد المسيح مُستغلين في ذلك بعضَ آيات من الكتاب المُقدَّس تَمَّ تفسيرها بطريقة مُغايرة لمعناها الحقيقيّ في صفقة غير مُقدَّسة بين رجال السُّلطة ورجال الدّين.

على رأس تلك الآيات الآية التّالية من سفر الأمثال: "قَلْبُ الْمَلِكِ فِي يَدِ الرّبِّ كَجَدَاوِلِ مِيَاهٍ حَيْثُمَا شَاءَ يُمِيلُهُ" (أمثال 21: 1).

دأب كثيرٌ من رجال الدّين على تفسير المَلك المذكور في تلك الآيّة بأنَّه الحاكم الأرضي وامتدّت التّفاسير لتشمل أيَّ حاكِم سواءً كان ملكًا أم رئيسًا للجمهوريّة أم حتى رئيس وزراء؛ ورُبَّما حرص رجال الدّين اليهود في العهد القديم على تفسير معنى كلمة الملك المذكور في الآية بأنّهم ملوك إسرائيل. وبالطّبع ملك إسرائيل القادِم هو المسيح المنتظر إذ لم يكن عهد النّعمة قد جاء بعد، ولكن في العهد الجديد وضَّح السّيد المسيح من هُوَ الملك الحقيقي، الّذي قلبُه في يد الله كما جاء في سفر الرُؤْيَا.

فلنراجع التّالي:

"وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً لِلَّهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ" (رُؤْيَا 1: 6).

"وَجَعَلْتَنَا لِإِلَهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ "(رُؤْيَا 5: 10).

لقد أعلن السّيد المسيح أنّ كُلّ المؤمنين به هُمْ ملوك لأنّهم غالبون ومنتصرون، وأعلن أَيْضًا أنَّه سيكون الملك الحاكِم على كُلّ هؤلاء الملوك المؤمنين، ولهذا دعي السّيد المسيح "ملك الملوك ".

"هَؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْحَمَلَ، وَالْحَمَلُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَالّذينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ" (رُؤْيَا 17: 14).

"وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ" (رُؤْيَا 19: 16). من المعروف أنّ الملوك دائمًا يملكون على الشّعوب إمّا بالميراث من آبائهم أو بالانتصار في الحروب على أعدائهم. فكيف يصبح المؤمن الحقيقيّ ملكًا وغالبًا وفي أيّ حرب سينتصر؟

يُسهب السّيد المسيح ورسله الكرام في توضيح ماهيّة تلك الحرب كالآتي:

"وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهَذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ

الْمَسِيحِ الّذي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، وَالآنَ هُوَ فِي الْعَالَم. أَنْتُمْ مِنَ اللهِ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، وَقَدْ غَلَبْتُمُوهُمْ لأَنَّ

الّذي فِيكُمْ أَعْظَمُ مِنَ الّذي فِي الْعَالَم" (يوحنّا الأولى 3: 4-5).

"لأَنَّ كُلّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهَذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الّتي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا" (يوحنا الأولى 5: 4).

إنَّ صراع المؤمنين هُوَ مع رُوح (ضد المسيح)؛ روح العالم الّذي وُضِع في الشّرير والّذي سينتصر عليه المؤمنون الحقيقيّون وهذه النّصرة هِيَ الّتي ستجعلهم ملوكاً رُوحيّين حقيقيّين، قلبهم في يد الله كجداول مياه حيثما شاء يميلها. لقد أكَّد السّيد المسيح على تلك الحقيقة مرّة أخرى في سفر الرُؤْيَا.

"مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ" (رُؤْيَا 3: 21).

والملك الحقيقي هُوَ المؤمن الّذي غلب العالم وانتصر على رُوح ضِد المسيح الموجودة فيه، وليس أيّ ملك أرضي أو حاكم عزَّ عليه أن يتنازل عن سلطانه وجبروته للملك الحقيقيّ فقام بالاستعانة ببعض رجالات العقيدة في تفسير بعض الآيات الخاصّة بالسّيد المسيح والمؤمنين به لينسبها لنفسه آمِلًا في اخضاع الشّعوب تحت سيطرته بعصا الدّين السّحريّة.

لقد رفض الله في العهد القديم أن يملك غيره على شعبه ولما أصرّ الشّعب على أن يكون لهم ملكاً أرضيّ مُحاكاة للشعوب المحيطة بهم في أيام صموئيل النّبي، حزن صموئيل كثيرًا على رفض الشّعب قضاءه لهم ولكن الرّب شدَّ من أزره وقال له "لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا أن أملك عليهم".

فلنراجع التّالي:

"فَاجْتَمَعَ كُلّ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ وَجَاءُوا إِلَى صَمُوئِيلَ إِلَى الرّامَةِ 5وَقَالُوا لَهُ: «هُوَذَا أَنْتَ قَدْ شِخْت، وَابْنَاكَ لَمْ يَسِيرَا فِي طَرِيقِكَ. فَالآنَ اجْعَلْ لَنَا مَلِكًا يَقْضِي لَنَا كَسَائِرِ الشّعُوبِ». فَسَاءَ الأَمْرُ فِي عَيْنَيْ صَمُوئِيلَ إِذْ قَالُوا: «أَعْطِنَا مَلِكًا يَقْضِي لَنَا». وَصَلَّى صَمُوئِيلُ إِلَى الرّبِّ. فَقَالَ الرّبُّ لِصَمُوئِيلَ: «اسْمَعْ لِصَوْتِ الشّعْبِ فِيكًلّ مَا يَقُولُونَ لَكَ. لأَنَّهُمْ لَمْ يَرْفُضُوكَ أَنْتَ بَلْ إِيَّايَ رَفَضُوا حَتَّى لاَ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ." (صموئيل الأوّل 8: 4-7).

إذا كان قلب الحاكم، سواء كان ملكاً أم رئيس دولة، في يد الرّب كما يُفسِّرها البعض. فلماذا رفض الرّب طلب شعبه أيام صموئيل في إقامة ملك أرضي عليهم؟ وليس هذا فقط بل أخبرهم الله في بقيّة الأصحاح الثّامِن من سفر صموئيل الأوّل أنّ الملك الأرضي لن يكون حنونًا شفوقًا عليهم حتى ولو كان من بني جنسهم وأنَّه سيستعبدهم، ويجعل أبناءهم خادِمين لمواكبه وبناتهم خادِمات لقصره وأنّه سينهب خيرات وغلال حقولهم.

لقد كان لدى العديد من آباء الكنيسة الأوائل شجاعة التّفسير الحقيقي لمن هو الملك الّذي قلبه في يد الرّب دون خوف أو رياء لملك أو حاكم، ومنهم القديس باسيليوس الكبير، حيث فَسَّر الآية 1 من أمثال 21 بالتّالي: بالتّأكيد لا يُشير النّبي إلى ملوك هذا العالم، إذ هُوَ مكتوب: "قلب الملك في يد الله".

هل تظن ولو إلى لحظة أنَّ قلب يوليانوس الجاحِد في يد الله؟ حاشا! أو قلب نيرون أو مكسيميانوس أو ديوسيوس المضطهدين؟ حاشا! إنَّه يتكلّم عن أولئك الّذين يتحكّمون على الخطيّة، فالآن هؤلاء الملوك قلوبهم في يد الله ينتصرون على الرّذائل وعلى شهوات نفوسهم ويغلبون الخطيّة.

هل قلوب يوليانوس المُضطهد أو نيرون أو ديوسيوس كانت في يد الله حيثُما شاء أمالها؟ لا! إنَّ القلوب الّتي في يد الله هِيَ قُلوب المؤمنين الّذين يُسيطرون على أجسادهم ويخضعونها ويستعبدونها، لئلا وهُمْ يكرزون للآخرين يصيرون هُمْ أنفسهم مرفوضون (كورنثوس الأولى 9: 27).

هؤلاء هُمْ الملوك الّذين يقول عنهم الحِكمة في سِفر الأمثال: "يُعطي ملوكيّة للملوك" (راجع أمثال 8: 15)

نصلي ونرجو أن يكون لدى القيادات الرّوحيّة للكنائس في بلادنا نفس شجاعة وصراحة الآباء الأوائل وأن يتم تفسير الآيات بمعناها الحقيقي.

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث