الحضارة الإسلامية كذبة كبيرة - مقالات
أحدث المقالات

الحضارة الإسلامية كذبة كبيرة

الحضارة الإسلامية كذبة كبيرة

كامل النجار:

 

العرب قبل الإسلام كانوا يؤمنون بوجود طائر خرافي كبير سموه العنقاء، وقد ضربوا به الأمثال:
أرى العنقاء تكبر أن تصادا *** فعاند من تطيق له عنادا

الإسلام ساعد في انتشار هذه الخرافات لأن محمداً كان يؤمن بالسحر والعين والشياطين. وبما أن الغالبية العظمى من عرب الجزيرة العربية كانوا أميين لا يقرؤون ولا يكتبون، ساعدتهم الفتوحات الإسلامية في تركيز خرافاتهم وتعلم خرافات إضافية من البلاد التي احتلوها لأن أغلب البلاد المحتلة كان أهلها كذلك أميين تحكم حياتهم الخرافات. ولسوء الحظ جاءت الدولة العباسية وفتحت المجال واسعاً لبعض الرجال أنصاف المتعلمين، مثل الإمام مالك الذي لم يكن يكتب، ليوجدوا مذاهب إسلامية تقوم على السماع. هم سمعوا أحاديثاً منسوبة لمحمد بن عبد الله، فحفظوها وبنوا عليها مذاهبهم. كل المذاهب الإسلامية ظهرت في القرن التاسع أيام الدولة العباسية. ثم، كما ذكرنا سابقاً ظهر التدين الصوفي الذي طغى على ما جاء به محمد لأن غالبية الناس، بما فيهم بعض الحكام، كانوا أميين يحتاجون واسطة تقربهم إلى ذلك الإله بعيد المنال الذي يعيش في السماء السابعة ولا يستطيعون التواصل معه، عكس الولي الصوفي الذي ربما يسكن في نفس المدينة. وبعد سقوط الدولة العباسية جاء غزاة جدد من أواسط آسيا مثل الأتراك والتتار وحكموا البلاد الإسلامية. وبما أنهم كانوا رعاة أميين، لم يزيدوا المسلمين إلا جهلاً على جهل.

جاء الخليفة المأمون (ت 218 هجرية- 833 م) الذي كان متأثراً بفكر المعتزلة فأنشأ بيت الحكمة لترجمة التراث الهيليني (اليوناني) والروماني إلى اللغة العربية. يقول ابن خلدون عن العرب في ذلك الوقت (وابتدأ أمرهم بالسذاجة والغفلة عن الصنائع؛ حتى إذا تبحبح السلطان والدولة، وأخذوا من الحضارة بالحظ الذي لم يكن لغيرهم من الأمم، وتفننوا في الصنائع والعلوم، ثشوفوا إلى الاطلاع على هذه العلوم الحكمية، بما سمعوا من الأساقفة والأقسة المعاهدين بعض ذكر منها، وبما تسموا إليه أفكار الإنسان فيها. فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمةً؛ فبعث إليه بكتاب أوقليدس وبعض كتب الطبيعيات. فقرأها المسلمون واطلعوا على ما فيها، وازدادوا حرصاً على الظفر بما بقي منها. وجاء المأمون بعد ذلك، وكانت له في العلم رغبة لما كان ينتحله، فانبعث لهذه العلوم حرصاً، وأوفد الرسل على ملوك الروم في استخراج علوم اليونانيين وانتساخها بالخط العربى. وبعث المترجمين لذلك، فأوعى منه واستوعب. وعكف عليها النظار من أهل الإسلام وحذقوا في فنونها، وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها. وخالفوا كثيراً من آراء المعلم) (53). واشتهر عدد من المسلمين في هذه العلوم الجديدة وكان من أكابرهم في الملة أبو نصر الفارابي، وأبو علي بن سينا بالمشرق، والقاضي أبو الوليد ابن رشد، والوزير أبو بكر بن الصائغ بالأندلس، إلى آخرين بلغوا الغاية في هذه العلوم. واختص هؤلاء بالشهرة والذكر، واقتصر كثيرون على انتحال التعاليم، وما ينضاف إليها من علوم النجامة والسحر والطلسمات.

أبو حنيفة النعمان (ت 150 هجرية، 767 م)، مالك بن أنس (179 هجرية، 795 م)، محمد بن إدريس الشافعي (ت 204 هجرية، 820 م)، أحمد بن حنبل ت 241 هجرية، 855 م). نلاحظ من تاريخ وفاة هؤلاء الأئمة أنهم عاشوا في بداية الدولة العباسية، وثلاثة منهم عاصروا الخليفة المأمون. حينما كان الخليفة المأمون، ذو الفكر المعتزلي مشغولاً بترجمة التراث اليوناني، كان هؤلاء الرجال مشغولين بأحكام الفقه الإسلامي من نوع القصاص، وفقه العبيد والموالي وأهل الذمة، بالإضافة إلى فقه الحيض والنفاس، وحكم الاستعانة بالكفار في تسيير أمور الدولة الإسلامية.

كل المترجمين في دار الحكمة كانوا مسيحيين، وكان رئيسهم حُنين بن إسحق (54). المسلمون في تلك الحقبة لم يكونوا يعرفون اللغة اليونانية ولا السريانية، لذلك اعتمد المأمون على المسيحيين. وشغل المأمون فقهاء الإسلام بمحنة خلق القرآن. وافق كل الفقهاء على أن القرآن مخلوق رغم أنهم كلهم قبل المأمون كانوا يقولون إن القرآن أزلي غير مخلوق. أحمد بن حنبل كان الوحيد الذي أصر على موقفه من أن القرآن غير مخلوق، وعذبه الخليفة المأمون وسجنه.

الخليفة المأمون قرّب أهل الكلام والمعتزلة وأصبحوا يجالسونه في مجلسه ويناظرونه (55).واشتد المعتزلة على رجال الدين وعذبوا الكثيرين. ولكن دارت الدوائر على المعتزلة وأهل الكلام عندما تولى المتوكل الخلافة (ت 247 هجرية – 861 م). تتبع المتوكل الزنادقة والمعتزلة وقتل منهم خلقاً كثير.

ويقال إن الهادي أمر أثناء أدائه الحج أن يهيأ له ألف جذع من جذوع النخل لكي يصلب عليها الزنادقة. وصرح قائلاً: "والله لئن عشت لأقتلن هذه الفرقة كلها حتى لا أترك منها عيناً تطرف" .(56)

ترجمة التراث اليوناني إلى العربية شجعت على ظهور عدد قليل من الفلاسفة المسلمين الذين كانوا قد نشأوا في بلاد خارج حدود جزيرة العرب. منهم أبو نصر الفارابي الذي كان قد ولد في مدينة فاراب في تركستان (كازخستان حالياً) عام 260 هجرية (874 م). برع الفارابي في فلسفة أرسطو لدرجة أنهم سموه المعلم الثاني، كون المعلم الأول هو أرسطو. وبرع كذلك في الطب والموسيقى.

محمد بن زكريا الرازي. ولد في مدينة الري (طهران حالياً) عام 250 هجرية، 864 م. برع في الطب وعمل مديراً لمستشفى الري وألف كتاب "المنصوري في الطب" الذي أصبح مرجعاً للأطباء العرب والأوربيين لعدة قرون. وبرع كذلك في الفلسفة، خاصةً فلسفة سقراط. أصابه الماء الأزرق في عينيه وفقد بصره في آخر أيامه.

أبو علي بن سينا. ولد في بخارى (أوزبكستان حالياً) عام 370 هجرية، 980 م. أبوه من مدينة بلخ في أفغانستان. برع في الطب وألف كتاب "القانون في الطب" الذي أصبح مرجعاً للأطباء الغربيين حتى القرن السابع عشر. وككل الأطباء في ذلك الزمن كان ابن سينا فيلسوفاً عالماً في فلسفة أرسطو.

أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد. ولد بالأندلس عام 520 هجرية، 1126 م. كان طبيباً وفيلسوفاً وقاضيا شرعياً. برع في شرح نظريات افلاطون وأرسطو.

كل هؤلاء الأطباء الفلاسفة استفادوا من ترجمة كتب أبوقراط وجالينوس إلى اللغة العربية، وكذلك كتب الفلسفة اليونانية. هم قد أضافوا بعض الأمراض وبعض الأدوية التي لم تكن معروفة لأبوقراط وجالينوس، كما أضافوا أبعاداً جديدة لعلم التشريح.

فهل لقي هؤلاء الفلاسفة وأهل علم الكلام والمنطق اعترافاً وتشجيعاً من المجتمع الذي عاشوا فيه؟ لم يجدوا شيئاً من مجتمعهم غير التكفير والتشهير والقتل والتعذيب وحرق الكتب. دعونا نقرأ رأي الغزالي في الفلسفة وعلم المنطق:

"فاعلم أن حاصل ما يشتمل عليه علم الكلام من الأدلة التي ينتفع بها فالقرآن والأخبار مشتملة عليه وما خرج عنهما فهو إما مجادلة مذمومة وهي من البدع كما سيأتي بيانه وإما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفرق لها وتطويل بنقل المقالات التي أكثرها ترهات وهذيانات تزدريها الطباع وتمجها الأسماع وبعضها خوض فيما لا يتعلق بالدين ولم يكن شيء منه مألوفا في العصر الأول وكان الخوض فيه بالكلية من البدع ولكن تغير الآن حكمه إذ حدثت البدعة الصارفة عن مقتضى القرآن والسنة ونبعت جماعة لفقوا لها شبها ورتبوا فيها كلاما مؤلفا فصار ذلك المحذور بحكم الضرورة مأذونا فيه بل صار من فروض الكفايات وهو القدر الذي يقابل به المبتدع إذا قصد الدعوة إلى البدعة وذلك إلى حد محدود سنذكره في الباب الذي يلي هذا إن شاء الله تعالى وأما الفلسفة فليست علما برأسها بل هي أربعة أجزاء أحدها الهندسة والحساب وهما مباحان كما سبق ولا يمنع عنهما إلا من يخاف عليه أن يتجاوز بهما إلى علوم مذمومة فإن أكثر الممارسين لهما قد خرجوا منهما إلى البدع فيصان الضعيف عنهما لا لعينهما كما يصان عصبي عن شاطئ النهر خيفة عليه من الوقوع في النهر وكما يصان حديث العهد بالإسلام عن مخالطة الكفار خوفا عليه مع أن القوي لا يندب إلى مخالطتهم الثاني المنطق وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه ووجه الحد وشروطه وهما داخلان في علم الكلام الثالث الإلهيات وهو بحث عن ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته وهو داخل في الكلام أيضا والفلاسفة لم ينفردوا فيها بنمط آخر من العلم بل انفردوا بمذاهب بعضها كفر وبعضها بدعة وكما أن الاعتزال ليس علما برأسه بل أصحابه طائفة من المتكلمين وأهل البحث والنظر انفردوا بمذاهب باطلة فكذلك الفلاسفة والرابع الطبيعيات وبعضها مخالف للشرع والدين والحق فهو جهل وليس بعلم حتى نورده في أقسام العلوم وبعضها بحث عن صفات الأجسام وخواصها وكيفية إستحالتها وتغيرها وهو شبيه بنظر الأطباء إلا أن الطبيب ينظر في بدن الإنسان على الخصوص من حيث يمرض ويصح وهم ينظرون في جميع الأجسام من حيث تتغير وتتحرك ولكن للطب فضل عليه وهو أنه محتاج إليه وأما علومهم في الطبيعيات فلا حاجة إليها فإذن الكلام صار من جملة الصناعات الواجبة على الكفاية حراسة لقلوب العوام عن تخيلات المبتدعة وإنما حدث ذلك بحدوث البدع" (57).

ولنقرأ شيخ الإسلام ابن تيمية ورأيه عن الفلاسفة وأهل علم الكلام: "من هؤلاء من يقول النبي كان يعلم الحق ولكن أظهر خلافه للمصلحة ومنهم من يقول ما كان يعلم الحق كما يعلمه نظار الفلاسفة وأمثالهم وهؤلاء يفضلون الفيلسوف الكامل على النبي ويفضلون الولي الكامل الذي له هذا المشهد على النبي كما يفضل ابن عربي الطائي خاتم الأولياء في زعمه على الأنبياء وكما يفضل الفارابي ومبشر بن فاتك وغيرهما الفيلسوف على النبي وأما الذين يقولون إن النبي كان يعلم ذلك فقد يقولون إن النبي أفضل من الفيلسوف لأنه علم ما علمه الفيلسوف وزيادة وأمكنه أن يخاطب الجمهور بطريقة يعجز عن مثلها الفيلسوف. وابن سينا وأمثاله من هؤلاء، ومنا في هذه الجملة قول المتفلسفة والباطنية كالملاحدة الإسماعيلية." (58)فابن تيمية، كالغزالي قبله، يحتقر ويكفر هؤلاء الفلاسفة الذين يتفاخر بهم المسلمون الآن ويزعمون أن الإسلام كانت له حضارة أنشأها هؤلاء الفلاسفة.

وإليك رأي فقهاء الإسلام في علم الكلام والفلسفة، كما ينقله لنا الغزالي: "وإلى التحريم ذهب الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان وجميع أهل الحديث من السلف قال ابن عبد الأعلى رحمه الله سمعت الشافعي رضي الله عنه يوم ناظر حفصا الفرد وكان من متكلمي المعتزلة يقول لأن يلقى الله عز وجل العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير من أن يلقاه بشيء من علم الكلام ولقد سمعت من حفص كلاما لا أقدر أن أحكيه وقال أيضا قد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننته قط ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في الكلام وحكى الكرابيسي أن الشافعي رضي الله عنه سئل عن شيء من الكلام فغضب وقال سل عن هذا حفصا الفرد وأصحابه أخزاهم الله ولما مرض الشافعي رضي الله عنه دخل عليه حفص الفرد فقال له من أنا فقال حفص الفرد لا حفظك الله ولا رعاك حتى تتوب مما أنت فيه وقال أيضا لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه فرارهم من الأسد وقال أيضا إذا سمعت الرجل يقول الاسم هو المسمى أو غير المسمى فاشهد بأنه من أهل الكلام ولا دين له قال الزعفراني قال الشافعي حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم في القبائل والعشائر ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام ورسائل إخوان الصفاء والفارابي وابن سينا والسهرودي المقتول وابن رشد الحفيد وملاحدة الصوفية الخارجين عن طريقة المشايخ المتقدمين من أهل الكتاب والسنة كابن عربي وابن سبعين وابن الطفيل صاحب رسالة حي ابن يقظان وخلق كثير غير هؤلاء. وقال أحمد بن حنبل لا يفلح صاحب الكلام أبدا ولا تكاد ترى أحدا نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل وبالغ في ذمه حتى هجر الحارث المحاسبي مع زهده وورعه بسبب تصنيفه كتابا في الرد على المبتدعة وقال له ويحك ألست تحكي بدعتهم أولا ثم ترد عليهم ألست تحمل الناس بتصنيفك على مطالعة البدعة والتفكر في تلك الشبهات فيدعوهم ذلك إلى الرأي والبحث." (59)

وها هو الغزالي، حجة الإسلام، يكفّر الفارابي وابن سينا وبقية الفلاسفة: "حتى قال الإمام الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال والمفصح عن الأحوال لا نشك في كفرهما أي الفارابي وابن سينا وقال فيه أيضا وأما الآلهيات ففيها أكثر أغاليطهم وما قدروا على الوفاء بالرهان على ما شرطوا في المنطق ولذلك كثر الاختلاف بينهم فيه ولقد قرب مذهب أرسطاطاليس فيها من مذهب الإسلاميين الفارابي وابن سينا ولكن مجموع ما غلطوا فيه يرجع إلى عشرين أصلا يجب تكفيهم في ثلاثة منها وتبديعهم في سبعة عشر ولإبطال مذهبهم في هذه المسائل العشرين صنفنا كتاب التهافت وأما المسائل الثلاث فقد خالفوا فيها كافة الإسلاميين وذلك قولهم أن الأجسام لا تحشر وأن المثاب والمعاقب هي الروح روحانية لا جسمانية ولقد صدقوا في إثبات الروحانية فإنها قائمة أيضا ولكن كذبوا في إنكار الجسمانية وكفروا بالشريعة فيما نطقوا به ومن ذلك قولهم إن الله يعلم علم الكليات دون الجزئيات وهذا أيضا كفر صريح بل الحق أنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومن ذلك قولهم بقدم العالم وأزليته ولم يذهب أحد من المسلمين إلى شيء من هذه المسائل وأما ما وراء ذلك من نفيهم الصفات وقولهم أنه عالم بالذات لا بعلم زائد وما يجري مجراه فمذهبهم فيه قريب من مذهب المعتزلة ولا يجب تكفير المعتزلة وقال فيه أيضا القسم الثالث الآلهيون وهم المتأخرون مثل سقراط وهو أستاذ أفلاطون وأفلاطون أستاذ أرسطاطاليس وهو الذي رتب لهم المنطق وهذب العلوم وخمر لهم ما لم يكن مخمرا من قبل وأوضح لهم ما كان انمحى من علومهم وهم بحملتهم ردوا على الصنفين الأولين من الدهرية والطبيعية وأوردوا في الكشف عن فضائحهم ما أغنوا به غيرهم وكفى الله المؤمنين القتال بتقابلهم ثم رد أرسطاطاليس على أفلاطون وسقراط ومن كان قبله من الآلهيين ردا لم يقصر فيه حتى تبرأ عن جميعهم إلا أنه استبقى أيضا من رذائل كفرهم وبدعتهم بقايا لم يوفق للنزوع عنها فوجب تكفيرهم وتكفير شيعهم من الإسلاميين كابن سينا والفارابي وأمثالهما على أنه لم يقم بعلم أرسطاطاليس أحد من المتفلسفة الإسلاميين كقيام هذين الرجلين وما نقله غيرهم ليس يخلو عن تخطيط يتشوش فيه قلب المطالع حتى لا يفهم ومالا يفهم كيف يرد أو قبل ومجموع ما صح عندنا من فلسفة أرسطاطاليس بحسب نقل هذين الرجلين ينحصر في ثلاثة أقسام قسم يجب التفكير به وقسم يجب التبديع به وقسم لا يجب إنكاره."

الغزالي نفسه كان من أهل علم الكلام والفلسفة في شبابه ثم تعرف على الصوفية وتخلى عن الفلسفة وأصبح صوفياً هائماً في الفيافي مدة عشرة سنوات. هذا التغيير من الفلسفة والنشاط العقلي إلى التصوف وترديد المدائح وكرامات الأولياء أدى إلى مرض نفسي لدى الغزالي جعله غير قادر على الكلام أو البلع لفترة امتدت إلى عدة أشهر ثم شُفى منها. وحتى يظهر شكره لله على الشفاء كتب كتابه تهافت الفلاسفة، الذي رد عليه ابن رشد بكتاب تهافت التهافت. وقد أضر الغزالي بالعقل المسلم ضرراً بليغاً لأن فقهاء الإسلام جعلوا من الغزالي نوراً يستضئ به كل رجل دين. وقد حرّم كل رجال الدين الفلسفة ومنعوا تدريسها في البلاد الإسلامية.

فنجد مثلاً جلال الدين السيوطي يقول " فن المنطق فن خبيث مذموم يحرم الاشتغال به ؟؟ بعض ما فيه على القول بالهيولى الذي هو كفر يجر إلى الفلسفة والزندقة وليس له ثمرة دينية أصلا بل ولا دنيوية نص على مجموع ما ذكرته أئمة الدين وعلماء الشريعة فأول من نص على ذلك الإمام الشافعي رضي الله عنه ونص عليه من أصحابه إمام الحرمين والغزالي في آخر أمره وابن الصباغ صاحب الشامل وابن القشيري ونصر المقدسي والعماد بن يونس وحفده والسلفي وابن بندار وابن عساكر وابن الأثير وابن الصلاح وابن عبد السلام وأبو شامة والنووي وابن دقيق العيد والبرهان الجعبري وأبو حيان والشرف الدمياطي والذهبي والطيبي والملوى والأسنوي والأذرعي والولي العراقي والشرف بن المقري وأفتى به شيخنا قاضي القضاة شرف الدين المناوي، ونص عليه من أئمة المالكية ابن أبي زيد صاحب الرسالة والقاضي أبو بكر بن العربي وأبو بكر الطرطوشي وأبو الوليد الباجي وأبو طالب المكي صاحب قوت القلوب وأبو الحسن بن الحصار وأبو عامر بن الربيع وأبو الحسن بن حبيب وأبو حبيب المالقي وابن المنير وابن رشد وابن أبي جمرة وعامة أهل المغرب، ونص عليه من أئمة الحنفية أبو سعيد السيرافي والسراج القزويني وألف في ذمه كتابا سماه نصيحة المسلم المشفق لمن ابتلى بحب علم المنطق، ونص عليه من أئمة الحنابلة ابن الجوزي وسعد الدين الحارثي والتقي ابن تيمية وألّف في ذمه ونقص قواعده مجلدا كبيرا سماه نصيحة ذوي الإيمان في الرد على منطق اليونان وقد اختصرته في نحو ثلث حجمه وألفت في ذم المنطق مجلدا سقت فيه نصوص الأئمة في ذلك، وقول هذا الجاهل إن المنطق فرض عين على كل مسلم يقال له إن علم التفسير والحديث والفقه التي هي أشرف العلوم ليست فرض عين بالإجماع بل هي فرض كفاية فكيف يزيد المنطق عليها فقائل هذا الكلام إما كافر أو مبتدع أو معتوه لا يعقل." (60) جلال الدين السيوطي يؤكد لنا هنا أن كل فقهاء الإسلام وكل أئمة المذاهب الإسلامية قد كفروا الفلاسفة وأهل المنطق. والآن يتسابق المسلمون في الإشادة بهؤلاء الفلاسفة ليثبتوا أن الإسلام قد بنى حضارة وثقافة أفادت الغرب.

يُعتبر معبد الجهني الذي مات مقتولاً تحت التعذيب سنة 80 هجرية أول من حاول تهذيب الدين الإسلامي بالتعرض لمفهوم القضاء والقدر، وتبعه في ذلك عمرو المقصوص الذي طُمر ودفن حياً في دمشق من قبل بني أمية سنة 64 هجرية، ثم تبغه في ذلك غيلان الدمشقي الذي مات مصلوباً مقطع اليدين والرجلين واللسان سنة 105 هجرية .(61)

يبدو أن قتل الفلاسفة والمفكرين أصبح موضةً في العالم الإسلامي، خاصة في الخلافتين الأموية والعباسية. "فقد أفتى قضاة بغداد على المفكر الصوفي ابن أبي الفراقيد بالكفر. وكان على نحو مذهب الحلاج. وأُحرقت جثته مع جثة مفكر صوفي آخر هو ابن أبي عون صاحب كتاب التنبيه سنة 322 هجرية. وفي سنة 587 هجرية استجاب صلاح الدين الأيوبي لفتوى فقهاء حلب بقتل السهروردي (549-587 هجرية) الصوفي والفيلسوف الذي قال ُلا أموت حتى يقال لي قم فأنذر. وفي سنة 595 هجرية أمر الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور تحت ضغط الفقهاء بنفي الفيلسوف والطبيب ابن رشد القرطبي (520-595 هجرية) وحرق كتبه وحبسه بمنزله حتى مات" (62).

المسلمون الآن يفاخرون بأنهم مدوا الغرب بالطب والحضارة والفلسفة. لولا وجود المسيحيين الذين ترجموا التراث اليوناني إلى العربية لما سمع العرب بأرسطوطاليس أو سقراط أو إفلاطون، ولما سمعوا عن أبوقراط وجالينوس ولما عرفوا عن الطب في ذلك الوقت. الأطباء المسلمين أضافوا لطب جالينوس وأبوقراط، وانتقدوا وعدّلوا في فلسفة اليونان، ولكن الفلاسفة الذين فعلوا ذلك حاربهم رجال الدين وكفروهم وحاربتهم الدولة، وحرقت كتب بعضهم. وما زالت الفلسفة حتى الآن ممنوعه في مدارس البلاد الإسلامية.

من أين للمسلمين بالحضارة والخليفة الثاني، عمر بن الخطاب قال إنه يريد أن يصنع الدنانير من جلود الإبل، فقالوا له إذاً لن يبقى لنا إبل .(63) وعندما فتح المسلمون العراق، أمر عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان بتشييد مدينة البصرة، فشيدها من القصب بينما إيوان كسرى مبني من الرخام ومفروش بالبساط الشيرازي. ودمشق مليئة بالقصور والكنائس المشيدة من الحجارة بطريقة العمران الروماني.
عندما دخل الجنود العرب المسلمون العراق مرض منهم جزء كبير، فكتبوا إلى عمر بن الخطاب يطلبون المشورة. سأل عمر عن الطقس في العراق وعندما أخبروه قال لهم "العرب لا يوافقها إلا ما يوافق إبلها" (64). فهل لشعب مثل هذا أن يبني حضارة أو ثقافة يصدرها إلى أوربا؟ إنها كذبةٌ بلغاء.

المراجع:
(53) تاريخ ابن خلدون، ج 1 ص 632
(54) عبد الرحمن بدوي، التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ص 58
(55) أبن تغري بردي، جمال الدين أبو المحاسن، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ج1، ص 256
(56) أحمد أمين، ضحى الاسلام، ج3 ص 147، نقلاً عن علي الوردي، وعاظ السلاطين، ص 54
(57) أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، ربع العبادات، ج1، ص 13
(58) ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، ج 1، ص 13
(59) أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، ج2، ص 5
(60) جلال الدين السيوطي، الحاوي للفتاوي، ج 1، ص 274
(61) زاغروس آمدي، تأريض الإسلام، ج 1، ص 8
(62) نفس المصدر، ص 14
(63) البلاذري، أحمد بن يحيى، فتوح البلدان، ص 518
(64) ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن، المنتظم في التاريخ، ج 4، ص 93

الحوار المتمدن

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*