داعش في درعا منذ انشاءه - مقالات
أحدث المقالات

داعش في درعا منذ انشاءه

داعش في درعا منذ انشاءه

عاصم الزعبي:

 

لم تكن عودة تنظيم "داعش" إلى الساحة في درعا، جنوب سوريا، أمراً مستغرباً، فالهجوم الذي شنّته قوات النظام بدعم روسي نهاية تموز/ يوليو عام 2018، على معقل التنظيم الرئيسي في حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، ساهم في تمدّد التنظيم وانتشار عناصره بشكل كبير في المحافظة، وبرزت مؤشرات كثيرة على دعم النظام والميليشيات الإيرانية لهذا الانتشار.

خلال السنوات الأربع الماضية التي تلت عملية التسوية التي حصلت عام 2018، بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة برعاية روسيا وضمانتها، استطاع تنظيم "داعش" التكيف مع الواقع الجديد، سواء من الناحية الميدانية أو من الناحية الهيكلية الإدارية، بالإضافة إلى استمرار الدعم الاقتصادي المتنوّع، وبرز ما يمكن تسميته "خلايا الموت" التي فتكت بعدد كبير من المعارضين للنظام وإيران، وأيضاً من المدنيين، فأدرك أبناء المحافظة أن مواجهة النظام وإيران لا يمكن أن تتم وظهرهم مكشوف أمام التنظيم.

نفّذ التنظيم عمليات عديدةً ضد العديد من المعارضين، وخاصةً القيادات، كان من أبرزهم محمد جمال الجلم "أبو البراء"، وهو قاضٍ سابق في محكمة دار العدل، اغتيل في أيلول/ سبتمبر 2020، ورئيس بلدية جاسم تيسير العقلة، الذي اغتيل في آذار/ مارس 2022، بالإضافة إلى آخرين في مناطق مختلفة في المحافظة.

بين الخلاص وشهية القتل

تُعدّ مدينة جاسم أهم مدن منطقة الجيدور في ريف درعا الشمالي، ويتعرض أبناؤها منذ أشهر عدة لعمليات خطف وقتل من قبل التنظيم، كما يحدث في مناطق أخرى. وبدأ النظام السوري منذ عدة أشهر بحشد قواته في محيط المدينة، بنيّة اقتحامها بحجة وجود عناصر التنظيم فيها، كما فعل سابقاً في مدينة طفس، لولا تحرك مجموعات من المعارضة ضد عناصر التنظيم، ما جعل النظام يوقف عمليته العسكرية.

في الرابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2022، بدأت فصائل المعارضة في جاسم، تساندها فصائل تابعة للّجان المركزية من مناطق أخرى من درعا، بالإضافة إلى قوة دعم من اللواء الثامن، بحصار المناطق التي تتحصن فيها قيادات وعناصر "داعش" ومداهمتها، خاصةً في حي العالية في المدينة، وأعلن وجهاء المدينة، عبر مكبّرات الصوت في المساجد، فرض حظر للتجول على المدنيين وإغلاق للمدارس ريثما تنتهي العملية.

ولم يكن متوقعاً بالنسبة إلى المجموعات المعارضة التي هاجمت التنظيم، أن يصل عدد قيادات ومقاتلي داعش في جاسم إلى 188 شخصاً، وهو عدد كبير جداً بالمقارنة مع تنظيم من المفروض أن النظام وحلفاءه كانوا قد قضوا عليه في 2018، في حوض اليرموك، لكن الحقيقة أن التنظيم استطاع استعادة جزء كبير من قوته وتجنيد عناصر جدد، وذلك بحسب ما أفاد قائد الحملة ضد التنظيم، الذي رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، لرصيف22.

عانينا، ولا نزال نعاني، من انتشار الجماعات المتطرفة والأفكار المتطرفة، ولذلك نحرص على التصدي لها وتفكيك خطاباتها. شاركونا بما يدور في رؤوسكم حالياً. غيّروا، ولا تتأقلموا!

الاشتباكات في جاسم، أدت إلى وقوع خسائر كبيرة خاصةً في قيادات التنظيم، ففي اليوم الذي انطلقت فيه العملية العسكرية قُتل أحد قادة التنظيم وهو لبناني الجنسية يُدعى "أبو حمزة"، مع 10 من العناصر، تلا ذلك بعد يومين مقتل أحد أبرز قيادات التنظيم في الجنوب السوري، "أبو عبد الرحمن العراقي" الملقب بـ"سيف العراقي"، وهو عراقي الجنسية، ومعه عنصران من التنظيم بعد مداهمة منزل كانوا يتحصنون فيه في المدينة، حيث تم تفجير المنزل من قبل عناصر المعارضة بعد أن رفض العراقي ومن معه تسليم أنفسهم، لتتعرّف زوجة العراقي على جثته بعد انتهاء العملية.

لم يكن اسم "أبو عبد الرحمن العراقي"، سوى تغطية لصاحب الاسم الحقيقي، وهو أبو الحسن الهاشمي القريشي، خليفة تنظيم داعش في كل دول العالم التي يوجد فيها أتباع للتنظيم، وذلك بحسب بيان صادر عن قيادة المنطقة الوسطى للقوات الأمريكية، في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والذي أكد مقتل القريشي "العراقي" في محافظة درعا على يد "الجيش الحر"، حسب تعبير البيان.

تفجير المنزل الذي كان يتواجد فيه خليفة داعش

وقُتل خلال الاشتباك، عدد من عناصر المعارضة، وهم الشقيقان إبراهيم خالد عميرة وأسامة خالد عميرة من جاسم، ومعتز تركي البردان من طفس، وباسل محمد شامان السعدي من مدينة إنخل، وأصيب آخرون بجروح.

وجاءت عملية جاسم العسكرية بعد أن استشرى انتشار التنظيم في المدينة ومحيطها، حيث حوّل إحدى المزارع إلى محكمة شرعية، بعد أن قام أحد عناصره باستئجارها بهوية مزوّرة، وبدأوا بمطالبة الأهالي بمراجعة هذه المحكمة في ما يشبه نشأة التنظيم في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، في أواخر العام 2014.

يؤكد قيادي من مجموعات المعارضة المسلحة، لرصيف22، أن العمليات توقفت بشكل مؤقت في جاسم، إلى حين إعادة تقييم العملية الأولى، وتحديد بقية الأهداف ومن تبقّى من عناصر التنظيم، وأصدرت المجموعات المحلية في مدينة جاسم بعد العملية بياناً، يمنع تأجير المنازل داخل المدينة للغرباء من دون التحقق من هوياتهم وشخصياتهم من مصادر مؤكدة، مضيفين أنه سيتم تحميل صاحب أي منزل يُقدم على تأجير الغرباء المسؤولية، في حال كان المستأجر تابعاً لـ"داعش"، كما سيعامَل المؤجر على أنه تابع للتنظيم وسيتم تفجير منزله، ويبرر قادة المجموعات هذا القرار بأنه يسمح بضبط المقيمين في المدينة ومعرفتهم والحيلولة دون تمدد التنظيم فيها من خلال تسلل عناصره وقياداته.

في المقابل، أعلنت وسائل الإعلام التابعة للنظام، مع بداية العملية في جاسم، أن قوات النظام تقوم بتنفيذ عملية عسكرية ضد تنظيم "داعش" في جاسم، إلا أن أبناء المدينة سارعوا إلى نفي ما جاء في إعلام النظام.

ويؤكد أحد القياديين الذين شاركوا في المعركة لرصيف22، أن العملية نفّذها أبناء المدينة بمؤازرة من مناطق أخرى، بالإضافة إلى اللواء الثامن، الذي يشير المصدر إلى أن إعلام النظام يعدّ اللواء الثامن تابعاً للجيش السوري، إذ يرتبط اللواء بشعبة الأمن العسكري إدارياً، إلا أن مصادر خاصةً في اللواء الثامن، أكدت لرصيف22، أن مشاركتهم في العملية جاءت بدافع "الفزعة"، وأنها كانت من دون أي تنسيق مع النظام.

الجدير بالذكر، أن عناصر المعارضة في مدينة جاسم ومناطق أخرى من درعا مثل طفس ودرعا البلد، استمروا في الاحتفاظ بأسلحتهم على الرغم من إجراء عملية التسوية في 2018، وذلك تحت مسمى اللجان المركزية، وهي لجان أنشئت عقب التسوية، ومن مهامها نقل ما يحتاجه الناس إلى النظام، بالإضافة إلى دورها في أي مفاوضات مع النظام أو الروس، وحفظ الأمن في مناطقها، لأنه على الرغم من السيطرة العامة للنظام، إلا أن قواته ليس بمقدورها أن تسيطر على معظم المدن والبلدات.

سكين إيران والنظام

بعد سيطرة النظام على معقل "جيش خالد بن الوليد"، التابع لـ"داعش"، نهاية تموز/ يوليو 2018، تم اعتقال المئات من عناصر التنظيم وقياداته، وبعد مدة قصيرة بدأ النظام بالإفراج عنهم على شكل دفعات، بالإضافة إلى أن قسماً منهم عاد إلى عمله الطبيعي في صفوف أجهزة النظام الأمنية، والفرقة الرابعة.

عملية تصفية المعارضين للمشروع الإيراني وللنظام، بدأت منذ عام 2018 بشكل منهجي ومنظم، ففي البداية بدأت عملية دراسة شاملة لكل المعارضين من قيادات وعناصر من خلال مكتب أمن الفرقة الرابعة بقيادة العقيد محمد العيسى، الذي تمكّن من خلال شبكة من المخبرين والمنتسبين المحليين إلى الفرقة الرابعة من جمع معلومات عن غالبية المعارضين في المحافظة.

أما المرحلة الثانية، فقد أوكلت إلى العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري في درعا، فأشرف على تنظيم عمليات التصفية والاغتيال، والتي استعان فيها بتنظيم داعش في القسم الأكبر منها، وأبرز من تم اغتيالهم من قبل التنظيم، الدكتور قصي الحلقي، القيادي كنان العيد، وأيمن فيصل الحلقي، ويوسف الزعل، غيرهم، إلى أن تم فضح ما يقوم به خلال عملية جاسم الأخيرة.

عملية جاسم، أكدت متانة علاقة التنظيم بلؤي العلي، وميليشيات إيران، إذ اعترف القيادي في تنظيم "داعش" رامي الصلخدي، الذي اعتقله عناصر معارضة محليون، بتورط عناصر التنظيم في تنفيذ عمليات اغتيال لصالح الأجهزة الأمنية وإيران، طالت عدداً من المعارضين من بينهم الشيخ "أبو البراء الجلم"، والقيادي كنان العيد وغيرهما، كما اعترف الصلخدي باجتماعه مع العميد لؤي العلي، الذي طلب منه اغتيال شخصيات من أبناء مدينة جاسم، وإدخال عدد من عناصر تنظيم "داعش" إلى جاسم، بتنسيق مع ابن عمه نضال الصلخدي المرتبط بقيادات من "حزب الله"، وأضاف أن العلي قام بتزويده بسلاح خاص له.

اعترافات الصلخدي باجتماعاته مع النظام السوري

في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2019، ظهرت تسريبات ضمن تسجيلات فيديو لقياديين من التنظيم، فسّرت جانباً من العلاقة بين التنظيم والإيرانيين، منها ما يتعلق باغتيال الأمير العام للتنظيم "أبو هاشم الإدلبي"، ومنها ما يثبت علاقة التنظيم بمكتب الحرس الثوري الذي أسسه قاسم سليماني في سوريا، ودعمه وتسهيله للعديد من أمور التنظيم، مقابل خدمات عديدة منها عمليات اغتيال نُفذت خلال عامي 2016 و2017، وعمليات نفذها التنظيم في الأعوام اللاحقة، من خلال خلايا شكّلها التنظيم بدعم من الإيرانيين.

وأظهرت المقاطع المسربة آنذاك، أربعة قياديين من "جيش خالد بن الوليد" في أثناء التحقيق معهم من قبل التنظيم نفسه، والذي قام بإعدامهم في مطلع أيار/ مايو 2017، بعد أن أدلوا بمعلومات عن اغتيال أمير التنظيم، وعلاقتهم مع مكتب سليماني، وتلقّيهم مساعدات، وقيامهم بتشكيل خلايا نائمة في المنطقة، وهم أبو عبيدة قحطان، ونضال البريدي، ونادر القسيم، وأبو تحرير الأردني.

القيادي قحطان حج داوود، المعروف بأبي عبيدة قحطان، هو من مخيم درعا للّاجئين الفلسطينيين، وهو أحد الذين قاتلوا في أفغانستان ضد الروس في ثمانينيات القرن الماضي، مع من عُرفوا باسم "المجاهدين العرب"، ثم أصبح أحد المرافقين الشخصيين لعبد الله عزام، مع شخص آخر من مدينة درعا يُدعى كساب المسالمة، وكلاهما توجها إلى درعا مطلع العام 2013، بهدف تشكيل ما عُرف بـ"لواء شهداء اليرموك" في حوض اليرموك، بقيادة محمد سعد الدين البريدي (الخال)، ثم تحوّل اللواء إلى "جيش خالد بن الوليد" لاحقاً، وبايع تنظيم "داعش"، واغتالت هيئة التحرير الشام (جبهة النصرة آنذاك)، البريدي، عام 2016، وأصبح أبو هاشم الإدلبي، القادم من شمال سوريا، أميراً للتنظيم.

وتحدث قحطان، عن اتصالات جرت عام 2016، بين نضال البريدي (القائد العسكري للتنظيم) ومندوب عن سليماني، بهدف تشكيل خلايا نائمة جديدة، وضم خلايا شكّلها الإيرانيون قبل ذلك تحت قيادة واحدة، بهدف اغتيال الأشخاص والقيادات المؤثرة في منطقة حوض اليرموك، وأكد قحطان في حديثه أن البريدي أخبره بذلك، وأن أول قائمة للاغتيالات وصلت من سليماني للبريدي في تلك الآونة، وصلت مع مبلغ 35 ألف دولار.

أما نضال البريدي، شقيق مؤسس التنظيم، فقال خلال الحديث المسرب، إن "حزب الله" وإيران أرادا تشكيل خلايا لهم في حوض اليرموك، مع تقديم تمويل إغاثي وعسكري لها، وعقد معهما أول اتفاق، لتسليمهما طائرة تجسس تابعة لهما أسقطها التنظيم، مقابل مبلغ 1.5 ملايين دولار، ثم تم تعديل الاتفاق ليصبح تسليم الطائرة مقابل نقل مقاتلي تنظيم "داعش" من الحجر الأسود جنوب دمشق، إلى حوض اليرموك، وأكد البريدي أنه أرسل إلى سليماني أسماء عناصر الخلايا النائمة، بواسطة "كارت" ذاكرة.

من جهته، تحدث نادر القسيم، مدير سجن جيش خالد في ذلك الوقت، في التسجيل المسرب، عن اتفاقه مع نضال البريدي على تنفيذ عمليات اغتيال في المنطقة، كان أولها ضد الأمير الأمني للتنظيم المدعو "أبو البراء الأمني"، في حين أن البريدي كان يخطط لاغتيال "الأمير العام" "أبو هاشم الإدلبي"، وقام بتنفيذ العملية فعلاً.

عملية اغتيال الإدلبي تحدث عنها ناصر قاسم سليمان الشطناوي، الملقب بـ"أبو تحرير الأردني"، بعد لقائه بنضال البريدي الذي طلب منه زرع لغم متفجر على الطريق الواصل بين بلدتي جملة وعابدين، من أجل إثارة الفوضى، واعداً إياه بأنه سيصبح القائد العسكري للتنظيم، وكان اللغم لاغتيال أمير التنظيم الإدلبي.

وتوضح مصادر، من بينها إعلاميون وناشطون من منطقة حوض اليرموك، لرصيف22، أن التحقيقات مع قياديي "جيش خالد" جرت عام 2017، بعد استكمال سيطرة التنظيم على بلدات تسيل، عدوان، والشجرة، في حوض اليرموك، وتم تسجيلها آنذاك، وأن إعدامهم جاء للتغطية على العلاقة بين التنظيم والإيرانيين، ولتحميلهم إعلامياً هذه العلاقة، بينما استمرت تلك العلاقة حتى سيطرة النظام على المنطقة، في نهاية تموز/ يوليو 2018، ليتحول شكل العلاقة بين التنظيم وإيران إلى تبعية خالصة للأخيرة.

وكان شهر أيار/ مايو 2015، قد شهد ولادة فرع تنظيم "داعش" في درعا تحت مسمى "جيش خالد بن الوليد"، وذلك من خلال اندماج فصيلين رئيسيين، هما لواء "شهداء اليرموك"، وحركة "المثنى الإسلامية"، وانضم إليهما فصيل "حركة المجاهدين"، وفي بيان التشكيل الذي تم تذييله باسم "قاطع حوض اليرموك"، أعلن التنظيم أنه سيتم إلغاء مسمى "المقر 105"، وهو المقر الأمني للواء شهداء اليرموك، وتحويله إلى مقر "الأندلس" وهو جهاز المخابرات التابع للتنظيم، من دون الإعلان المباشر عن التعبية لداعش حتى حزيران/ يونيو 2018.

حوكمة "داعش" في درعا

برهن تنظيم "داعش" في درعا، أسوة بالتنظيم الأم، عن كونه قوةً مرنةً قادرةً على السيطرة على الأرض بشكل مباشر كما هي الحال خلال سيطرته على منطقة حوض اليرموك، وغير مباشرة كما هي الحال بعد انتهاء تلك السيطرة وتفكك التنظيم "ظاهرياً" وتوزعه في مناطق مختلفة، وعلى إدارة الحوكمة المحلية (الإدارة الرشيدة)، وتنبع أهمية الحوكمة لدى "داعش" بأنها تشبه حوكمة الدول، وظهر ذلك خلال سيطرته على مساحات واسعة، وبعد تفككه باتت تشبه حوكمة المجموعات الخارجة على القانون.

وتتفرع حوكمة التنظيم في درعا إلى حوكمة إدارية وأخرى اقتصادية، استطاع من خلالهما الإبقاء على نفسه وعلى قسم من قدراته حتى الآن.

الحوكمة الإدارية

برزت الحوكمة الإدارية للتنظيم في درعا بشكل رئيسي خلال سيطرته على منطقة حوض اليرموك، إذ تُعدّ المنطقة مهمةً من الناحية الإستراتيجية، من خلال محاذاتها للحدود الأردنية والجولان السوري المحتل، كما أنها خزان الزراعة والمياه في محافظة درعا.

واستطاع التنظيم تحت مسمى "جيش خالد بن الوليد"، إنشاء تشكيلة إدارية متكاملة، من الناحية العسكرية، والمدنية، وحتى قطاع التعليم الذي أفرد له منهجاً خاصاً مختلفاً عن منهج تعليم النظام السوري الذي كان سائداً حتى في مناطق سيطرة المعارضة في المحافظة.

التشكيلة الإدارية لـ"جيش خالد بن الوليد"، خلال العام 2017، أي في ذروة قوة التنظيم في المحافظة، جاءت بشكل إداري هرمي من القيادة وحتى القاعدة، كما تميزت بتعدد الجنسيات:

- الأمير العام، وهو القائد العام العسكري والمدني والشرعي، سوري الجنسية.

- الأمير العام العسكري للتنظيم، قائد القوات العسكرية، أردني الجنسية.

- قائد كتيبتي المؤازرات، تونسي الجنسية، وتشمل الكتيبة الأولى مناطق تسيل، وعين ذكر، وقائدها من القنيطرة، وتشمل الكتيبة الثانية سحم الجولان، وجلين، وقائدها من بلدة قرقس من ريف القنيطرة.

كما تم تقسيم منطقة حوض اليرموك إلى 3 قطاعات رئيسية، قطاع تسيل ويضم تسيل، عدوان، عين ذكر، وتل عشترة، وقطاع سحم الجولان ويضم سحم الجولان، جلين، ومنطقة الشركة الليبية قرب بلدة المزيرعة، وقطاع حرس الحدود الذي يشرف مقاتلوه على حماية الحدود المقابلة للأردن والجولان السوري، ولكل منطقة من هذه المناطق قائد، أمير إداري وعسكري.

القطاعات الأمنية، وهي عصب القوة لدى التنظيم وهو مقسم إلى أقسام لكلّ منها تخصصه، سواء داخل منطقة السيطرة أو خارجها وهي:

الحسبة، أي الشرطة الداخلية، وهي مؤسسة أمنية تعمل على ضمان أداء سكان مناطق سيطرة التنظيم للفرائض الدينية وخاصةً الصلاة في مواعيدها، ومراقبة التزام الرجال والنساء باللباس الشرعي، والتأكد من إقفال المحال التجارية في أوقات الصلاة، ومراقبة الأسواق والمواد الغذائية والأدوية وغير ذلك.

كما تقوم الحسبة بتطبيق العقوبات "الشرعية" التي تصدر عن محكمة التنظيم، كالتعزير والقصاص والحدود "الشرعية"، بما في ذلك الجلد، وقطع أيدي السارقين، وعمليات الإعدام سواء بقطع الرؤوس أو قطع الأيدي، وتقييد الأهالي إلى أعمدة الكهرباء أو في أقفاص حديدية مع وضع لافتات على صدورهم تبيّن الجرم الذي ارتكبوه كتهريب السجائر وتجارتها، وكان عناصر الحسبة ينتشرون في الشوارع بشكل مستمر.

القسم الثاني من قطاع الأمن، هو ما يُعرف بـ"الأمنية"، وهو جهاز مخابرات التنظيم الخاص، ويشرف على عمليات الأمن والاغتيالات بشكل خاص خارج منطقة حوض اليرموك وداخلها.

أما القسم الثالث، فهو فرع "الأندلس"، وهو الذراع الأمنية للتنظيم، والجهة التي تنفذ عمليات الاعتقال والتحقيق داخل حوض اليرموك، وله سلطة كبيرة جداً، تمو تأسيسه في 2016 مع انطلاقة التنظيم من قبل القيادي يوسف البقيرات، الذي قُتل عام 2017، بالقرب من بلدة جلين في ريف درعا الغربي.

ويتبع القطاع العسكري والأمني عدد من الإدارات، أبرزها؛ الإدارة العسكرية والتسليح، إدارة الآليات، إدارة الإطعام، إدارة المدفعية.

أما بالنسبة إلى بقية القطاعات، فقد قُسمت إلى إدارات مدنية من وجهة نظر التنظيم، وعلى رأسها إدارة القضاء، وهي الإدارة الأخطر في التنظيم، إذ كانت تشرف عليها مجموعة ممن عُرفوا آنذاك بـ"الشرعيين"، وتنظر هذه الإدارة من خلال محاكم التنظيم في مختلف القضايا، وتصدر أحكامها بشكل قاطع غير قابل للمراجعة أو الطعن، واشتهرت بإصدار الكثير من أحكام الإعدام والتي كانت تُنفَّذ ميدانياً بإشراف أحد القضاة وعلى يد شرطة "الحسبة".

تلي ذلك إدارة الزكاة، وهي إدارة مدنية دينية، تشرف على جمع أموال الزكاة والصدقة من الأهالي، وهناك أيضاً إدارة الخدمات والتي تمثل "المجالس المحلية"، ومن مهامها الإشراف على الطرق والمياه والكهرباء، وإدارة العقارات، وهي التي تنظر في أي خلاف متعلق بالعقارات بين الأهالي، بالإضافة إلى تسجيل البيوع العقارية والمصادرات سواء المنازل أو الأراضي، وترتبط بالعقارات وببقية الإدارات، إدارة المالية أو "الجباية" وتشبه في عملها إدارات المالية لدى أي دولة.

أما قطاع التعليم، فبعد إعلان تشكيل "جيش خالد بن الوليد"، في 2016، قام بعقد اجتماعات للمعلمين في منطقة حوض اليرموك، وتم فرض منهج خاص به، يحمل الصبغة "الجهادية" حتى في المواد العلمية كالرياضيات، وألزم الجميع باعتماده خلال فترة سيطرته.

الحوكمة الاقتصادية

يُعدّ النشاط الاقتصادي المحلي مقياساً مفيداً للغاية في فهم فعالية حوكمة داعش، خاصةً أن التنظيم يعتمد في اقتصاده على فرض ضرائب محلية لجمع جزء كبير من إيراداته، والاستثمار في التجارة من خلال محال تجارية يديرها أشخاص هم الواجهة لديه، بالإضافة إلى العمليات الاقتصادية غير المشروعة كالتهريب والخطف والسلب، وأيضاً التمويل الخارجي عبر الحوالات المالية الخارجية، وفهم هذه الجوانب مهم لمعرفة مدى تأثير التنظيم على السكان المحليين من جهة، ولمن يسعون إلى تجفيف مصادر التنظيم المالية من جهة أخرى، وأيضاً للّذين يسعون إلى فرض الاستقرار في مرحلة ما بعد الصراع، والجهود الهادفة إلى فهم التأثير الاقتصادي لحوكمة التنظيمات "المتطرفة".

في درعا، يمكن تقسيم النشاط الاقتصادي للتنظيم إلى مرحلتين، مرحلة سيطرة "جيش خالد بن الوليد" على منطقة حوض اليرموك، ومرحلة ما بعد سقوط التنظيم وتوزع عناصره وقياداته في مناطق متفرقة، إذ تتميز كل مرحلة بتنوع مواردها المالية، لكن القاسم المشترك في الحالتين هو قدرة التنظيم على التأقلم في كل الظروف وتنويع مصادره المالية بشكل يتّسم بالمرونة.

خلال مرحلة سيطرة "جيش خالد بن الوليد"، استخدم التنظيم أساليب مختلفةً للتمويل، بعضها خارجي من عوائد النفط في المناطق التي كان يسيطر عليها في شمال شرق سوريا، وهي ما كانت تُعرف بـ"حصة ولاية حوران".

واعتمد داخلياً على مزيج من فرض الضرائب المباشرة على الأهالي تحت مسمى فريضة "الزكاة"، والحماية، والمصادرات، سواء للأراضي أو المنازل، خاصةً تلك العائدة إلى مقاتلين في المعارضة المسلحة إذ يعدّها التنظيم غنائم يحصل عليها بطريقة شرعية من أشخاص يعدّهم "مرتدّين" عن الدين الإسلامي.

زيادةً على ذلك، تتقاطع الكثير من المعلومات التي جمعها رصيف22، في أن التنظيم، وخلال المرحلة الممتدة من 2016 وحتى آب/ أغسطس 2018، اعتمد على تجارة الآثار بشكل لافت، فمنطقة حوض اليرموك تحتوي على العديد من المواقع الأثرية والمدافن، حيث كان يقوم بتهريب هذه الآثار عبر وسطاء متعاملين مع "حزب الله" اللبناني، الذين يقومون ببيعها وإرسال المبالغ المتفق عليها.

ويوضح الخبير الاقتصادي السوري، حسن البكفاني، لرصيف22، أنه "خلال الحرب في سوريا لجأت الأطراف المتصارعة إلى أدوات متشابهة للحصول على الموارد المالية، وبالنسبة إلى داعش، فقد تميز بسيطرة واسعة على منابع النفط ومناطق أثرية لم يسبق اكتشافها، واستخدم السوق السوداء لتصريف منتجاته وفق ما يمكن تسميته بالاقتصاد الأسود".

ويضيف: "أما بالنسبة إلى الآثار بشكل خاص، فقد أدرك التنظيم شغف العديد من الجهات بالحصول على الآثار والمخطوطات، فكان يعمل على البحث عنها واستخراجها ثم بيعها وهي من أهم المصادر للقطع الأجنبي "الدولار"، وشكلت عوائد الآثار مبالغ كبيرةً وظفها التنظيم في عمليات التبادل التجاري وشراء السلاح ودفع رواتب عناصره، أي اعتمد على تمويل ذاتي إلى حد كبير".

ما بعد "جيش خالد"

مرحلة ما بعد "جيش خالد بن الوليد"، أي المرحلة التي تلت سيطرة النظام على محافظة درعا في ما عُرف بعملية التسوية، توزع عناصر التنظيم خلالها في مناطق مختلفة من المحافظة على شكل مجموعات وأفراد، كما امتد وجودهم إلى منطقة تلول الصفا، في بادية السويداء، والتي تُعدّ المعقل الرئيسي للتنظيم في جنوب سوريا.

في هذه المرحلة، تنوعت مصادر تمويل التنظيم، خارجياً وداخلياً، وتم الكشف عن قسم منها بعد معركة فصائل المعارضة مع التنظيم مؤخراً في مدينة جاسم في ريف درعا الشمالي.

فبحسب معلومات رصيف22، من خلال قادة بعض الفصائل المشاركة في المعارك، فإن تنظيم "داعش" في درعا يعتمد على عدد من الموارد المالية والتي يُمكن تلخيصها كالآتي:

بعد سقوط بلدة "الباغوز" في ريف دير الزور والتي كانت المعقل الأخير للتنظيم شمال شرق سوريا، انتقل عدد كبير من قيادات وعناصر التنظيم إلى البادية السورية وإلى تلول الصفا، وخلال عملية الانتقال، تم نقل جزء كبير من الأموال والذهب الذي كان بحوزة التنظيم، وتم تأمينه في تلول الصفا، كون المنطقة محصنةً طبيعياً بشكل كبير ولم تتمكن أي قوة حتى الآن من اقتحامها على الإطلاق.

ومن هذه المنطقة، تدار عمليات التنظيم في الجنوب السوري بشكل عام، كما أن قيادة التنظيم في هذه المنطقة تقوم بتمويل بقية المناطق بجزء من احتياجاتهم، فقد كشفت المعلومات أن قادة التنظيم في مدينة جاسم كانوا يتناوبون على الذهاب إلى البادية ومنها إلى تلول الصفا، ويعودون في كل أسبوع بمبلغ لا يقل عن 60 ألف دولار أمريكي.

ويشير البكفاني إلى تعمد التنظيم التواجد في البادية السورية ومنطقة تلول الصفا، فبالإضافة إلى ما يملكه من ذهب وأموال، تُعدّ هذه المنطقة إستراتيجيةً لوجود العديد من طرق التهريب فيها وهو ما يمكنه من فرض إتاوات على المهربين، كما استطاع السيطرة على العديد من المناطق التي يقطنها البدو ووظفهم في الأمور اللوجستية الخاصة به ومن بينها الناحية الاقتصادية.

من خلال هذا التمويل، استطاع قائد التنظيم عبد الرحمن العراقي، والذي قُتل خلال معارك جاسم مؤخراً، من الدخول إلى المدينة عبر الزواج من بنات إحدى عائلاتها من دون أن يُظهر أي انتماء لأي فكر متطرف، وقام بشراء أرض مساحتها 11 دونماً، وحولها إلى مزرعة وبنى فيها منزلاً من طابقين بتكلفة تجاوزت 150 مليون ليرة سورية، بالإضافة إلى شرائه سيارة بيك آب للنقل نوع "كيا"، وجراراً زراعياً وصهاريج مياه وكان يعمل ظاهرياً في بيع المياه للأهالي في المدينة، ويدير عمليات التنظيم ضمنياً كما أنشأ فيها محكمةً شرعيةً لمحاكمة "المرتدين"، واستخدمها كذلك لإخفاء السيارات المسروقة التي تُعدّ من أبرز موارد التنظيم المالية.

أما بالنسبة إلى المصادر الخارجية، فالحوالات المالية هي أهم مصادر تمويل التنظيم في المحافظة، وذلك عبر مكاتب غير مرخصة، أو أشخاص يمتهنون تحويل الأموال بطرق غير قانونية، أو ما تُعرف بالحوالات "السوداء"، وبحسب معلومات خاصة لرصيف22، فإن الحوالات تصل إلى التنظيم من دول عربية وغير عربية، ولكن هذه الحوالات لا يتم إرسالها إلى شخص محدد وفي مدينة محددة، إنما في كل مرة يتم الإرسال إلى وجهة جديدة وشخص جديد.

في هذا السياق، يبيّن البكفاني أنه "لا يمكن تحديد القيمة الحقيقية لمبالغ الحوالات الخارجية التي تصل إلى التنظيم، لأنها أولاً حوالات سوداء، يأتي قسم منها كتبرعات من جهات لا زالت تؤمن بأن التنظيم يمثل واجهة الجهاد كفريضة، والقسم الآخر يأتي ضمن صفقات بيع وشراء الآثار بشكل خاص بعد أن خسر التنظيم قطاع النفط".

في النتيجة، من الواضح أن التنظيم الذي لا يزال أتباعه يؤمنون بأنه "الدولة الإسلامية"، استطاع استغلال شرائح من المسلمين من خلال تبنيه تفسيرات خاصةً ومختارةً للنصوص الدينية الإسلامية، تقوم على ركائز متعددة منها قبول فكرة الآخرة أكثر من الدنيا، والإيمان بعقيدة نهاية العالم وهي أهم أدوات التجنيد من خلال الترويج لاندلاع معركة فاصلة في شمال سوريا بالقرب من دابق أو ما يفضلون تسميتها "الأعماق"، وإبراز التنظيم نفسه على أنه فقط من يسير على "الحق"، وهذا ما جعله يبرر كل من يخالفه من المسلمين سواء من السنّة أو الشيعة، هذا من الناحية الدينية.

أما من نواحٍ أخرى، فإذا كان التنظيم هو المشكلة كما تفترض خطابات السياسيين الذين يدّعون القضاء عليه، فهو لا يظهر كدولة حقيقية يمكن مواجهتها والقضاء عليها وتدميرها، فالواقع أكثر تعقيداً، حيث يُعدّ التنظيم مشكلةً من نوع آخر إذ أثبت خلال السنوات الماضية مرونةً كبيرةً في التأقلم مع الظروف التي مر بها بدءاً من بلوغه الذروة وحتى انهياره ظاهرياً.

رصيف 22

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث