ما هي جذور الانقسامات داخل الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية؟ - مقالات
أحدث المقالات

ما هي جذور الانقسامات داخل الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية؟

ما هي جذور الانقسامات داخل الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية؟

بي بي سي عربية :

 

في نهاية الأسبوع الأول من شباط الحالي، اندلعت اشتباكات عنيفة في بلدة شاشامين في إثيوبيا، وكان سبب تلك الاشتباكات هو الانقسام داخل الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية. وقد أصدرت لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية بيانًا اتهمت فيه قوات الأمن باستخدام القوة المفرطة ضد أتباع الكنيسة الأرثوذكسية. وقال البيان إن عمليات قتل خارج نطاق القضاء وضرب ومضايقات واعتقالات تعسفية قد وقعت ضدهم، مشيرًا إلى أن 8 أشخاص قتلوا ببلدة شاشامين في أوروميا.

كنيسة "التوحيد"

تعتبر الكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية من أقدم الجماعات المسيحية في العالم حيث تعود جذورها إلى القرن الأول الميلادي. وهي أكبر هيئة دينية في إثيوبيا ويعتقد أن عدد أتباعها يقدر بأكثر من 40 مليون شخص في البلاد. وهي جزء من عائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، وتتميز بتقاليدها الأفريقية الفريدة والتي تشمل استخدام البخور والهتاف والمواكب وتبجيل القديسين والتزامها القوي بالرهبنة. وكانت قد ارتبطت ارتباطا وثيقًا بالعائلة المالكة الإثيوبية ولعبت دورًا رئيسيًا في تاريخ وثقافة البلاد.

وتُرجِع الكنيسة الإثيوبية بوادر دخول الديانة المسيحية إلى البلاد إلى القرن الأول الميلادي، حيث يروي الكتاب المقدس في سفر أعمال الرسل الفصل الثامن قصة عماد أحد الموظفين الكبار في مملكة الحبشة على يد الشماس فيليبس. وتتبني كلمة التوحيد في اسمها الرسمي، للدلالة على إيمانها بالطبيعة الواحدة للمسيح.

وقد ارتبطت بمملكة أكسوم القديمة، والتي يُعتقد أن الملك الأسطوري مينليك الأول قد أسسها في القرن الرابع قبل الميلاد، وهي المملكة التي أضحت مركزًا مهمًا للمسيحية في المنطقة، ويعتقد أنها كانت أول دولة تتبنى المسيحية دينًا رسميًا لها.

وقد تأسست الكنيسة على يد الملك عزانا في القرن الرابع الميلادي، الذي تحول من الوثنية إلى المسيحية على يد الراهب الشهير فرومنتيوس الذي أصبح فيما بعد أول أسقف لإثيوبيا، ويعرف الآن باسم القديس الأنبا سلامة. كما ارتبطت أيضًا بالإمبراطورية الإثيوبية، التي تأسست في القرن الثالث عشر الميلادي والتي كانت قوة سياسية وعسكرية فاعلة، وقد لعبت دورًا مهمًا في انتشار المسيحية في جميع أنحاء المنطقة.

ومنذ ذلك الحين، ظلت هذه الكنيسة بمثابة حجر الزاوية للمسيحية في إثيوبيا ولا يزال تأثيرها واضحا حتى اليوم، من أديرتها إلى ممارساتها الروحية، وهي تشكل جزءا مهما في حياة العديد من الإثيوبيين حيث لا يقتصر دورها على الجانب الروحي فقط، ولكنها تعمل أيضا كقوة اجتماعية مهمة في إثيوبيا اليوم.

وتشير التقديرات إلى أنه إلى جانب 40 مليون عضو في هذه الكنيسة داخل إثيوبيا، هناك حوالي 35 مليون عضو في جميع أنحاء العالم. كما تدير الكنيسة مجموعة متنوعة من المدارس والمستشفيات والمؤسسات الأخرى لدعم أعضائها.

ماذا حدث مؤخرًا؟

بعد مرور ثلاثة أشهر على انتهاء الحرب الأهلية الإثيوبية التي استمرت عامين، وشردت الملايين، تواجه الكنيسة الأرثوذكسية في إثيوبيا انقسامًا حيث أعلن ثلاثة أساقفة تشكيل كنيسة منفصلة، والتي قامت بالفعل بتعيين أكثر من 20 أسقفًا جديدًا.

واتهم الأساقفة المنشقون، وهم من منطقة أوروميا التي تحيط بأديس أبابا وهي المنطقة الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد، قيادة الكنيسة بالتمييز والافتقار إلى التنوع. ويقولون إن الكنيسة الأرثوذكسية ظلت لفترة طويلة تحت سيطرة مجموعات عرقية أخرى، فالأمهرية، على سبيل المثال، هي اللغة المُستخدمة في الكنيسة، والبطريرك، زعيمها المؤثر، من عرق تيغراي.

ويتهم رجال الدين المنشقون الكنيسة بالحفاظ على نظام هيمنة لغوية وثقافية لا يتم فيه إقامة الصلوات في أوروميا بلغاتها الأصلية، وتنفي الكنيسة هذا الاتهام. وأشار الأساقفة، الذين طردوا كنسيًا بعد إنشاء سينودس منفصل، إنهم يحظون بقدر كبير من الدعم في أوروميا. وقال الأنبا ساويروس، أحد الأساقفة المنشقين: "اتخذنا هذه الخطوة لإنقاذ أتباع الكنيسة الذين يقودهم رجال دين لا يفهمون لغتهم". وتسعى الكنيسة الانفصالية إلى أن يحل الأساقفة الذين عينتهم محل المعينين حاليًا في منطقة أوروميا وأجزاء من جنوب إثيوبيا.

لكن في ضربة للمعارضين، أصدرت المحكمة أمرًا قضائيًا يمنعهم ورجال الدين الذين عينوهم مؤخرًا من دخول الكنائس التابعة للكنيسة الأرثوذكسية. وقد أعرب رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، البطريرك الأنبا ماتياس، عن قلقه وشجب الانفصال، ووصفه بأنه غير قانوني. كما وصف أساقفة آخرون الانشقاق بأنه "مؤامرة لتقسيم المؤمنين على أساس العرق".

بعد سياسي

وقد يكون لهذه التداعيات أيضا بعد سياسي. فقد سبق للبطريرك الأنبا ماتياس أن أعرب عن مخاوفه بشأن معاناة السكان المدنيين خلال الصراع في تيغراي.

ويقول بعض المحللين إن البطريرك، الأنبا ماتياس، لم يكن على علاقة جيدة بالسلطات منذ أن تحدث علنًا عن الحرب في تيغراي، قائلا إن إبادة جماعية تُرتكب هناك. وقد هددت القيادة العليا، أو السينودس، للكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية بالدعوة إلى مسيرات على مستوى البلاد يقودها بطريركها الأنبا ماتياس. وانتقدت الكنيسة تصريحات رئيس الوزراء أبي أحمد الأخيرة بشأن رجال دين مارقين متورطين في تعيين الأساقفة دون علمها.

وكان أبي أحمد قد قال في تصريحات تلفزيونية، بعد طرد المجمع الكنسي رجال الدين المنشقين، إن كلا الجانبين "على حق". كما حذر أعضاء حكومته من التورط في شؤون الكنيسة. وقال: "في الوقت الحالي، نشهد ترويجا للعنصرية والتعصب الديني والعرقي". كما انتقد وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أنها أحدثت انقساما في إثيوبيا "حسب المنطقة والدين والعرق".

ومن جانبه، رد المجمع الكنسي على تصريحات أبي أحمد قائلا إن تصريحات رئيس الوزراء تتجاهل قرارات السينودس وتتحدى سلطته وتعترف بجماعة "غير شرعية متعطشة للسلطة". وأضاف أن بعض تصريحات أبي "مضللة". وقد جاء بيان المجمع وسط اتهام أتباع الكنيسة للسلطات بأنها تدعم رجال الدين المنشقين. كما تتهم الكنيسة الحكومة بمضايقة واعتقال كبار شخصياتها. وقد تعهدت قيادات الكنيسة بمواصلة التحدث علانية حتى لو اضطروا إلى "التضحية بأرواحهم".

وكانت العلاقات بين إدارة أبي أحمد والكنيسة، التي تضم ما يقرب من نصف سكان إثيوبيا البالغ عددهم 110 ملايين نسمة، إيجابية في الأيام الأولى من ولايته. ومع ذلك، فقد أفاد أعضاء هذه الكنيسة في السنوات الأخيرة بأنهم مستهدفون. وأصبحت العلاقات متوترة بشكل خاص خلال ذروة حرب تيغراي بعد أن تحدث الأنبا ماتياس ضد ما وصفه بالإبادة الجماعية في المنطقة. وقد فرضت السلطات في إثيوبيا قيودا على وسائل التواصل الاجتماعي قبل انطلاق مسيرات دعت لها الكنيسة.

تاريخ من الانقسامات

وتُعد الأحداث الأخيرة هي الفصل الأخير في تاريخ طويل من الانقسامات شهدته الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية.

ففي القرن الرابع أصبحت المسيحية الديانة الرسمية لمملكة أكسوم الإثيوبية في أيام الملك عزانا، وذلك بفضل الجهود التبشيرية لفرومينتيوس السرياني الأصل. وكان فرومينتيوس قد توجه إلى الإسكندرية مبعوثا من قبل ملك إثيوبيا للقاء البطريرك أثناسيوس حاملا إليه طلب الملك بتنصيب أسقف للمملكة، وقبل أثناسيوس طلب الملك وقام برسامة فرومينتيوس نفسه كأول أسقف على إثيوبيا، ومنذ ذلك الوقت وحتى عام 1959 كان بطريرك الإسكندرية للأقباط الأرثوذكس يلقب برئيس أساقفة الكنيسة الإثيوبية.

وفي 13 تموز من عام 1948 توصلت الكنيستان القبطية والإثيوبية إلى اتفاق مهد لانفصال واستقلال الكنيسة الإثيوبية، حيث قام بطريرك الإسكندرية للأقباط في ذلك العام برسامة خمسة أساقفة لهذه الكنيسة وفوضهم بانتخاب بطريرك جديد لهم يكون له السلطان لاحقا لرسامة أساقفة جدد لكنيسته. وقد اكتملت تلك الاتفاقية عندما قام بطريرك الأقباط البابا يوساب الثاني بإقامة باسيليوس رئيس أساقفة على الكنيسة الإثيوبية وهو من أصل إثيوبي في 14 كانون الثاني من عام 1951، وبعد ذلك في عام 1959 قام بطريرك الكنيسة القبطية البابا كيرلس السادس بتتويج باسيليوس كأول بطريرك على كنيسة إثيوبيا الأرثوذكسية.

ومع سقوط الإمبراطور هيلا سيلاسي عام 1974 فصلت الكنيسة في إثيوبيا عن الدولة، وبدأت حكومة إثيوبيا الجديدة - الماركسية - بتأميم الأراضي بما في ذلك أراضي الكنيسة. وفي عام 1991 ومع سقوط نظام منغستو هيلا مريام ووصول الائتلاف الحاكم "الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية" إلى السلطة، عُزل البطريرك مركوريوس بسبب ما اعتبره حينها "تدخلا سياسيا لا مبرر له في شؤون الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية". وانتخبت الكنيسة باولس بطريركا جديدا لها.

وقد غادر الأنبا مركوريوس البلاد وأعلن من منفاه في الولايات المتحدة بأن عزله تم بالإكراه، وعلى ذلك فهو لايزال البطريرك الشرعي لإثيوبيا، وتبعه عدد من الأساقفة وشكلوا خارج إثيوبيا مجمعا مقدسا لهم اعترفت به عدة كنائس إثيوبية في أمريكا الشمالية وأوروبا والتي اعتبرت أن مركوريوس هو البطريرك الشرعي، بينما استمر المجمع المقدس الآخر داخل إثيوبيا يقر بشرعية البطريرك باولس.

وبعد أن استقلت إريتريا عن إثيوبيا عام 1991 انفصلت كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإريترية عن الكنيسة الإثيوبية، وأصبح لها بذلك مجمعها المقدس الخاص بها. وفي 25 تموز من عام 2018، أعلن مندوبون من البطريركية في أديس أبابا، وأولئك الموجودون في الولايات المتحدة، عن إعادة توحيد كنيسة التوحيد بمساعدة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد. وفي آب من عام 2018، عاد الأنبا مركوريوس إلى البلاد، بعد 27 عاما قضاها منفيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك ضمن وفد رئيس الوزراء الإثيوبي، الذي اختتم زيارة غير رسمية إلى الولايات المتحدة استغرقت 6 أيام.

وجاءت عودة مركوريوس عقب مصالحة تاريخية قادها رئيس الوزراء أبي أحمد، بين الكنيستين الأرثوذكسيتين الإثيوبيتين، في كل من إثيوبيا والولايات المتحدة، توجت باتفاق يعيد للأنبا مكانته رئيسا للكنيسة الأرثوذكسية في إثيوبيا. ووفقا للاتفاق الذي تم التوصل إليه في واشنطن، فإن بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية الأنبا ماتياس، يصبح بطريركا إداريا، فيما يشغل الأنبا مركوريوس منصب البطريرك الروحي للكنيسة. وفي آذار من عام 2022 توفي الأنبا مركوريوس.

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث