عمامة إيران ودماء ضحاياها - مقالات
أحدث المقالات

عمامة إيران ودماء ضحاياها

عمامة إيران ودماء ضحاياها

منير أديب:

 

أطلقت سلطات الأمن الإيرانية النار على المحتجين في شوارع طهران ومدنها، فقتلت من خرجوا معترضين على السياسات الإقصائية والاستبدادية للنظام.

نفذت السلطات الإيرانية الإعدام بحق المتظاهرين من دون أن تعطيهم الحق في الدفاع عن أنفسهم أو الاتصال بمحاميهم؛ ومن دون أي تفاصيل عن محاضر الاستجواب والمحاكمة للضحايا؛ فهكذا تمارس سلطات الاستبداد أقصى درجات العنف ضد المعارضين.

وجهت تهماً معلبة إلى كل المعارضين، بعضها يتعلق بالاعتداء على سلطات الأمن، وهي التي مارست ضدهم الإرهاب بصوره وأشكاله المختلفة من اعتقال وتعذيب وأحكام جائرة، أدت في النهاية إلى قتل هؤلاء الخصوم أو دفعهم على الانتحار.

تدّعي إيران أنها تحكم بالشريعة الإسلامية وفق الثورة التي أتت بهذا النظام إلى الحكم قبل أربعين عاماً، فتحت هذا العنوان تقتل معارضيها في الشوارع، تارة باسم الحرابة وتارة أخرى باسم الأخلاق.

إيران لم تقتل ضحاياها فقط، ولكنها منعت إقامة تأبين لهؤلاء الضحايا؛ هدفت إلى إسكاتهم في حياتهم وخشيت من أرواحهم بعد مقتلهم، نظام لم يتورع عن إهدار حياة الأبرياء الذين ستصبح أرواحهم يوماً ما لعنة تُطارد النظام ولو بعد حين.

قتلت إيران مجيد رضا رهنورد ثم منعت صراخ أمه ومحبيه، فبدلاً من أن تخجل من فعلتها، قامت بتشويه جثث ضحاياها بادعاءات لا صحة لها ووصفتهم بالمفسدين في الأرض، فهي لم تكتف بارتكاب جريمتها، ولكنها أعقبتها بجريمة أخرى هدفت من خلالها إلى تشويه سمعة معارضيها بعدما فقدوا حياتهم، متهمة إياهم بأنهم مارسوا العنف ضد ضباطها!

نفذت حكم الإعدام أيضاً في محسن شكاري البالغ من العمر 23 عاماً من دون اجتياز كل الإجراءات القانونية والشرعية، وأمعنت في تنفيذ جريمتها في جمع من النّاس ووسط رفض دولي وحقوقي لمثل هذه الجرائم ضد المعارضين، من دون إتاحة فرصة لهؤلاء الضحايا لأن يدافعوا عن أنفسهم.

تسعى طهران إلى تنفيذ جرائمها بشكل متسارع ضد خصومها، في محاولة منها لوقف كرة الثلج التي تكبر يوماً بعد الآخر، حتى باتت الاحتجاجات الشعبية تُهدد أمن النظام وترفع غطاء الشرعية المتدثر به، وفق الاعتقاد الخاطئ منها بأن الإجهاز على المعارضين بهذه الصورة قد يساعد في تهدئة الشارع.

جريمة إيران ضد معارضيها أخلاقية في الأساس؛ فهؤلاء المحتجون الذين خرجوا لإعلان اعتراضهم على قتل شهيدة الأخلاق مهسا أميني التي احتجزتها ما تُعرف بشرطة الأخلاق التي قتلت امرأة تحت سياط النظام الإيراني، بدعوى ارتدائها حجاباً بشكل غير لائق.

فأي أخلاق لإيران تلك التي تدفعها إلى تعذيب امرأة لمجرد أنها لا ترتدي الحجاب وفق ما تريده الدولة لمواطنيها، وأي دين هذا الذي تدعيه ثورة الخميني تلك التي أعطت حقاً لهؤلاء ليقتلوا النساء لمجرد أنهن لم يلتزمن الوشاح الأسود الذي حدده الولي الفقية زياً موحداً لكل النساء؟

فإيران الآن تتشح بالسواد، ولكن على جرائم النظام ضد المواطنين، النظام الذي تدخّل في زيّ مواطنيه وأخلاقهم، ونصّب نفسه قيّماً على ما يلبس النّاس، ثم نزع عنهم الحياة التي وهبها الله لهم لمجرد أنهم خالفوه في ارتداء ما قرره من زي، فما بالك إذا اعترضوا على سياساته، فما هي حجم الجرائم التي يرتكبها النظام الإيراني ضدهم؟

إيران بلد مهزوم من داخله يعاني انهياراً داخلياً، فنظامه السياسي الذي يعتقد أنه سبب بقائه هو سبب ضعفه أيضاً، وعوامل انهيار هذا النظام ستكون داخلية، لو وقفت الأصوات الحرة ضده، فكل قطرة دم تسيل من دماء معارضي النظام بمثابة لعنة جديدة للنظام، ولعلها بمثابة حجر جديد يسقط من جدار النظام.

النظام السياسي في إيران يدّعي أنه يحمي أخلاق مواطنيه من خلال شرطة الأخلاق، بينما يقتل هؤلاء المواطنين ويدفعهم إلى الانتحار ويمنعهم من أبسط حقوقهم في الدفاع عن أنفسهم، يمنعهم من الحياة بدعوى أخلاق هو لا يلتزم بها.

فحياة النظام الإيراني مرتبطة بإنهاء حياة خصومه، وبخاصة من الشباب الغض؛ فها هو الشاب العربي الأهوازي، عباس المنصوري، البالغ من العمر 19 عاماً، يُقدم على الانتحار بعد خروجه من المعتقل، إذ أبلغ أقاربه أن سلطات السجن أعطته حبوباً وحقناً قبل أن يخرج بيومين، فأي حياة للنظام الذي يتسبب في موت شبابه الذين لم تتجاوز أعمارهم التسعة عشر عاماً؟

هذه لم تكن الحالة الوحيدة التي أقدم صاحبها على الانتحار، ولكن سبقها كل من، يلدا آقا فضل، من طهران ويبلغ 19 عاماً، وشيا إمام قُلي زاده البالغ من العمر 16 عاماً من أهالي محافظة أذربيجان، وكلاهما أقدم على الانتحار على خلفية ما تعرّضا له من تعذيب وما تناولاه من حبوب أخذاها على سبيل الإجبار في السجن مع حقنهما بمواد لم يُعرف مصدرها حتى الآن.

ويُضاف إلى هذه الحالات سياوش بهرامي البالغ من العمر 25 عاماً من مدينة كرمانشاه الكردية، والذي أقدم على الانتحار بعد خروجه من السجن مباشرة، رغم أنه تناول حبوباً هو الآخر قبل الإفراج عنه بثلاثة أيام وفق ما تحدث به مع أقاربه.

ينتحر الشباب بعد خروجهم من السجون الإيرانية وقد دفعوا إلى ذلك، والحقيقة أن النظام الإيراني هو من ينتحر، ولعل بقاءه مسألة وقت، فكلما أسيلت الدماء وتسبب النظام في قتل المواطنين، سواء في الاحتجاجات أم على خلفية التعذيب أم دفعهم إلى الانتحار، كان أقرب للسقوط، وهو ما أشرنا إليه من أن عوامل انهيار النظام داخلية.

تحول لون عمامة الولي الفقيه إلى اللون الأحمر القاني، فهي شاهدة على قرب النظام من العنف وعلى ممارسة الإرهاب ضد معارضيه، عمامة لا ترتديها إلا الأنظمة التي تعطي حقاً لنفسها في الاعتداء على حياة مواطنيها وحياة الشعوب المجاورة، عمامة لونها أحمر ولكنها تتشح بالسواد من داخلها.

النهار

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث