كامل النجار:
أعتقد أن الغالبية العظمى من قراء الحوار المتمدن يعلمون أن الإسلام حركة سياسية منذ نشأته، وقد صرح بذلك صاحب الدعوة عندما قال لعمه: "أتيتكم بكلمة لو اتبعتموها لدانت لكم العرب والعجم." فلم يكن المقصود إنشاء دين جديد، وإنما المقصود كان السيطرة على القبائل العربية وعلى العجم كذلك. وقد تحقق لصاحب الدعوة ما أراد بعد أن هاجر إلى يثرب وكوّن جيشاً ومارس قطع الطريق على قوافل قريش.
مات صاحب الدعوة سنة عشر هجرية، وخلفه أربعة خلفاء، انتهوا بخلافة علي بن أبي طالب. ثم صمت التاريخ الإسلامي حتى قيام الدولة العباسية سنة 135 هجرية. ومع إنشاء الخليفة المأمون لبيت الحكمة وظهور التراث اليوناني باللغة العربية، بدأت حركة مقاومة إسلامية لهذا التراث، وظهر على المسرح عدد كبير من أدعياء العلم بالدين الإسلامي، جلهم من فارس وخراسان الكبرى (أزبكستان وأفغانستان وما جاورها) وبدأوا بصناعة وتدوين الأحاديث النبوية التي زعموا أن رواتها ثقة، رغم أن ما كان يفصلهم عن زمن ظهور الإسلام أربعة أو خمسة أجيال، لم نسمع من تاريخهم شيئاً. فمن المؤكد أن كل الأحاديث مزيفة ولا يمكن الوثوق من أن نبي الإسلام قد ذكرها لأصحابه، كما يقول جولدزهر وبقية المستشرقين.
والتزييف لم يقتصر على الأحاديث، فمنذ البداية بدأ التزييف بانتحال اسم "محمد" لصاحب الدعوة. الذي يقرأ "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، للدكتور جواد علي" يعرف أن الأعراب أي البدو كانوا يسمون أولادهم صخر، وحجر، وكلب، وضب، وما إلى ذلك، لدرء العين عنهم، أو لإخافة العدو عندما يكبرون ويصبحون مقاتلين. أما عرب الحضر في مكة وما حولها، فكانوا يسمون أولادهم عبيداً للآلهة، مثل عبد شمس، وعبد مناف، وعبد مناة، وعبد الكعبة. أو كانوا ينسبون إلى كبير القبيلة مثل بلال بن الحارث، النعمان بن مقرن، خالد بن الوليد، زيد بن حارثة، وحاتم الطائي. فمن أين أتى جد الرسول بالاسم محمد؟
جد الرسول لم يسمه محمداً لأن محمداً لم يكن اسم علم معروف في ذلك الزمان بين العرب الوثنيين. إنما كان صفة تدل على محاسن الأخلاق، وقد كان يوصف بها المسيح يسوع، كما جاء في إنجيل يوحنا، الإصحاح 14 (وأما المعزّي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم). والمعزي هو الفرقليط باللغة اليونانية. جد الرسول سماه قُثم بن عبد اللات. ولكن المطبلين حوله، وربما بإيعاز منه، سموه محمداً. يقول ابن قيم الجوزية في كتابه "هداية الحيارى، ص 55" عندما يتحدث عن الفرقليط، أي المعزّي الذي يبشر به الإنجيل (قال أبو محمد بن قتيبة: وهذه الأشياء على قلتها قد اختلفت لأن من نقلها من الحواريين عدة. وكلمة الفارقليط تعني في لغتهم أحمد، أو محمد، أو محمود أو حامد أو نحو ذلك، وكانت تطلق على عيسى [...]. فالمسلمون بعد أن اطلعوا على الإنجيل باللغة العربية ووجدوا أن كلمة الفارقليط، اليونانية، تعني الشخص المحمود، وكانت تُطلق على يسوع، انتحلوها لقثم، فصار اسمه محمد. ولكن حتى قرآنه تشابه عليه البقر، فقال على لسان يسوع (ومبشرأ برسولٍ من بعدي اسمه أحمد) (سورة الصف، الآية 6). وبالطبع لم يصدق عرب مكة أن قثم أصبح محمداً، فكانوا ينادونه ب "مُذمم"، وهو عكس الحمد، فاشتكى لأصحابه وقال "يدعوني مذمماً وأنا محمد" (ابن هشام، السيرة النبوية، ج2، ص 205).
ونسبةً لأن المعزي أي المحمود هو يسوع فقد كان هناك سبعة رجال في القبائل العربية المسيحية اسمهم محمد، كما يقول الأب شيخو في كتابه "النصرانية"، نقلاً عن المستشرق الألماني سبرنغر (ومن سُمي في الجاهلية بمحمد سبعة: محمد بن سفيان بن مجاشع التميمي، ومحمد بن عتوارة الليثي الكناني، ومحمد بن أُحيحة بن الجلاح الأوسي، ومحمد بن حمران بن مالك الجعفي المعروف بالشويعر، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، ومحمد بن خزاعي بن علقمة، ومحمد بن حرماز بن مالك التميمي (النصرانية، ج2، ص 126)
ولم يكتف محمد بتغيير اسمه، فقد غير أسماء كثير من الصحابة. فمثلاً (يُقال انه سأل امرأة عن اسمها فقالت اسمها عاصية، فقال لها: لا. بل اسمك جميلة، فصار هذا اسمها. وغيّر اسم جويرية بنت الحارث بعد أن أسروها، فقد كان اسمها بَرّة بنت الحارث، فصار جويرية. وغير اسم حزن جد سعيد بن المسيب إلى سهل، فرفض حزن وقال له إن السهل يُوطأ ويُمتهن. قال أبو داود: وغيَّرَ النبىُّ [...] اسمَ العَاصِ، وعَزِيز، وعَتْلَةَ، وشَيطَان والحَكَم، وغُراب، وحُباب، وشِهاب، فسماه هِشاماً، وسمِّى حرباً سِلْماً، وسمَّى المضطجعَ المنبعِثَ) (ابن القيم، زاد المعاد، ج2، ص 192).
يخبرنا اين هشام في سيرته عن حياة نبي الإسلام أن أم قُثم بن عبد اللات كان اسمها آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب، بينما اسمها كان كبشة. اسم وهب اسم نادر جداً، لم أجده في أسماء أو أنساب القبائل العربية إلا في اليهودي اليمني وهب بن منبه. والدليل أن اسمها كان كبشة، هو قول الشاعر الأسود بن يعفر، الذي عاصر قثم عند ظهور الإسلام، وقال:
أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا **** وكيف حياةُ أصداءٍ وهامِ
أيعجز أن يصد الموت عني **** وينشرني إذا بليت عظامي
ألا من مبلغ الرحمن عني **** بأني تاركٌ شهر الصيام
فقل لله يمنعني شرابي **** وقل لله يمنعني طعامي
أما صديقه وخليفته الأول أبوبكر بن أبي قحافة فقد كان اسمه قبل الإسلام عبد الكعبة بن أبي قحافة، فسماه نبي الإسلام أبا بكر (زهير جمعة المالكي، خرافات المتأسلمين، الحوار المتمدن، 6/4/2020)
يتضح من هذا الطرح أن كل ما تعلمناه عن الإسلام لا يعدو أن يكون رتوشاً أضافها المتسلقون على أكتاف قُثم بن عبد اللات ليجنوا من ورائها الهدايا من الخلفاء العباسيين.